* عمل نتنياهو منذ اللحظات الأولى من عملية 7 أكتوبر بكل دهاء وخبث على استنساخ ظروف وتحالفات دولية مشابهة لتلك التي نتجت عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001
* لقد نصب نتنياهو نفسه قائداً بل زعيماً لهذا التحالف، فهو صاحب الرأي والقرار، وهو من ينفذ من خلال أذرعه العسكرية والاستخباراتية
* ما أصاب الأمريكي من تهميش وعدم اكتراث من قبل إسرائيل أصاب الأوروبي أيضاً، حتى أن نتنياهو لا يتوانى عن تقريع وإهانة أي قائد أوروبي يخالف توجهاته في هذه الحرب، وما حدث علناً مع ماكرون خير مثال على ذلك
* نتنياهو، الذي بدأ يستشعر زهو تحقيق عدد من أهدافه في إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط، يقود مشروعاً كبيراً وبلا شك له تكاليف باهظة على المنطقة برمتها، كما أن حجم الخسائر الإقليمية ليس بالهين إن تواصل هذا النهج بهذه الوتيرة المتسارعة
* الخرائط التي يعلنها نتنياهو وأتباعه بين فترة وأخرى، وما يسمى بإسرائيل الكبرى، لا تعني بالضرورة الاحتلال العسكري المباشر، وإنما توسيع نطاق إسرائيل الأمني بما يسمح لها بالاستقرار والنمو الاقتصادي والسياسي
نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( أمين عام وزارة الثقافة الأسبق)
عمل نتنياهو منذ اللحظات الأولى من عملية 7 أكتوبر بكل دهاء وخبث على استنساخ ظروف وتحالفات دولية مشابهة لتلك التي نتجت عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد منّى نفسه من خلال إعادة إنتاج تلك المرحلة وعنوانها الرئيسي “الحرب على الإرهاب” بتحقيق أهداف بذات الحجم والتأثير في الشرق الأوسط من جديد، وهو ما صرح به علناً مؤخراً: أن إسرائيل تعمل على إعادة ترتيب الشرق الأوسط، بما يضمن القضاء على المقاومة وما يسمى أيضاً بمحور إيران، وإخراجه من المعادلة العسكرية والأمنية والسياسية، أو إضعافه بدرجة كبيرة، من خلال بتر هذه الأذرع أو إصابتها بالشلل، وإدخالها في دوامة تفاهمات طويلة المدى، تكفل إنشاء منطقة آمنة إقليمياً لإسرائيل، أو ما يمكن أن أسميه – إن جاز لي ذلك – “غلاف إسرائيل الشرق أوسطي”.
وهو بذلك لا يعني المحيط القريب المحاذي فقط، وإنما تصبو إسرائيل إلى أن تصل ظلال هذا الغلاف حتى حدود باكستان شرقاً والأخدود الإفريقي جنوباً وشرقاً.
إن البكائيات المبالغ فيها التي أطلقها نتنياهو عشية السابع من أكتوبر الماضي، وصرخات النجدة التي أطلقها قادة إسرائيل المدنيون والعسكريون تجاه العالم الغربي، كانت تهدف إلى سرعة إنقاذ إسرائيل من خطر داهم يفتك بالنساء والأطفال ويخطف المدنيين العزل، ويهدد إسرائيل بالزوال إذا تُركت وحيدة وعزلاء في وسط معادٍ يقوم بشن هجوم وحشي – على حد تعبيرهم المثير للاستعطاف – وأن الأعداء المتربصين يحيطون بها من كل حدب وصوب.
وبالتالي، فإن إسرائيل في مواجهة خطر وجودي، من شأنه أن يقضي على رأس حربة مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة. وكان رجع الصدى الغربي أكثر قوة من نداءات النجدة الزائفة، حيث تكالب الغرب سريعاً وتوحدت لغة الخطاب الداعمة والمؤازرة لإسرائيل، ليس بالكلام وحسب بل بالدعم المادي والعسكري والإعلامي، وتقاطر قادة الغرب وعلى رأسهم بايدن إلى إسرائيل لإعلان تضامنهم وتحالفهم معها.
لقد نصب نتنياهو نفسه قائداً بل زعيماً لهذا التحالف، فهو صاحب الرأي والقرار، وهو من ينفذ من خلال أذرعه العسكرية والاستخباراتية. وبلغ به الصلف السياسي والشخصي أن لا يستشير أحداً في أي عملية كبرى، فهو يخطط ويقرر وينفذ ثم يبلغ الحلفاء.
كما عمل على تهميش البيت الأبيض، الذي أصابه الوهن والهشاشة المشابهة لوضع بايدن الصحي، مستغلاً أيضاً انشغال أمريكا بالمعركة الانتخابية الحامية الوطيس. وهذا ما مكنه من الاستفراد بالقرار والتنفيذ، خاصة في ظل تبعية القرار الأوروبي لأمريكا وارتهانه لها بشكل غير منطقي.
وبالتالي، ما أصاب الأمريكي من تهميش وعدم اكتراث من قبل إسرائيل أصاب الأوروبي أيضاً، حتى أن نتنياهو لا يتوانى عن تقريع وإهانة أي قائد أوروبي يخالف توجهاته في هذه الحرب، وما حدث علناً مع ماكرون خير مثال على ذلك، وكأن العالم في حالة استرضاء مخزية لقائد هذه الحرب غير الإنسانية بكل المقاييس.
فما حدث من اختراق استخباري وأمني لحزب الله وإيران أيضاً ليس فعلاً إسرائيلياً خالصاً، بل هو ثمرة تحالف هذه المراكز الاستخبارية. وهذا لا يلغي قدرة الموساد وخبرته في مثل هذا النوع من العمليات داخلياً وخارجياً، لكن ما حدث أكبر من أن يكون فعلاً أحادياً، وهو يؤكد أيضاً أن أهداف إسرائيل في النهاية هي ذاتها أهداف الغرب، وإن اختلف الأسلوب وتباين النهج بين القوة المفرطة والمعالجات الموضعية لكل حالة على حدة.
لذا فإن نتنياهو، الذي بدأ يستشعر زهو تحقيق عدد من أهدافه في إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط، يقود مشروعاً كبيراً وبلا شك له تكاليف باهظة على المنطقة برمتها، كما أن حجم الخسائر الإقليمية ليس بالهين إن تواصل هذا النهج بهذه الوتيرة المتسارعة.
لذا فإن الخرائط التي يعلنها نتنياهو وأتباعه بين فترة وأخرى، وما يسمى بإسرائيل الكبرى، لا تعني بالضرورة الاحتلال العسكري المباشر، وإنما توسيع نطاق إسرائيل الأمني بما يسمح لها بالاستقرار والنمو الاقتصادي والسياسي، فيصبح هذا الغلاف/النطاق الشرق أوسطي المجال الحيوي الجيواقتصادي الذي ينتج عنه بالضرورة نطاق جيوسياسي مؤثر.
قد تبدو هذه الخطط حالمة أو طموحة باعتبارها أكبر من إمكانيات إسرائيل وأكثر مما يمكن أن تسمح به المنطقة حتى في أقصى درجات ضعفها وتفرقها، لكن المخطط مصيري لمستقبل إسرائيل، وستسعى بكل عنجهيتها العسكرية وجنونها العنصري إلى إنجازه أو تحقيق أهداف مهمة منه.
وهذا ما أسهم في تغيير عقيدتها العسكرية والأمنية، فلم تعد تلتفت كثيراً إلى حجم الخسائر البشرية مهما عظمت، ولم يعد يعنيها كثيراً استعادة الأسرى مهما بلغ عددهم، ولا تصغي القيادة لأصوات المتظاهرين في تل أبيب التي لا تتوقف، لأنها تدرك أن الثمن كبير ما دام الهدف كبيراً واستراتيجياً ومصيرياً لعقود عديدة قادمة إن تحقق لضمان بقاء إسرائيل.