نخبة بوست – لا يمكن فصل التنمية عن الأمن بوجوهه وتطبيقاته كافة؛ فالعنف هو أحد أهم مصادر التهديد للتنمية. ولا يجوز التقليل من خطورة العنف في المجتمع؛ العنف ليس فقط بمعنى الإرهاب والجريمة، ولكنه يشمل أيضا السلوك العنفي، وبخاصة الموجّه نحو الأطفال والنساء أو المعوقين أو كبار السن أو المستخدمين والمهمشين والمستضعفين بعامة. كما يشمل العنف اللفظي والسلوك غير الاجتماعي في الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية، وثقافة تمجيد العنف أو تقبله.
نواجه في الأردن ظاهرتين كاسحتين من العنف إلى درجة القلق والخطورة: ما يتعرض له الأطفال من عنف لفظي وجسدي وجنسي واستقواء وتنمر في البيوت والمدارس والمجتمعات؛ وما تتعرض له النساء من تحرش واعتداءات ومضايقات في الشوارع والعمل والمواصلات.
ولنعترف أنه تجري في منازلنا وفي أسرنا وفي مدارسنا بمستويات مختلفة، تكاد تجعل الاستثناء نادرا، وعلى نحو يفوق زنازين المعتقلات، عمليات إذلال وإهانات وتهديدات، وجلد وضرب وشتم، وتغذية إجبارية، وحرمان وحظر على التفوه والتفكير والشعور؛ وأن ذلك يجري علنا وعلى نحو مألوف ومتقبل.
في منظور التنمية، فإن العنف يزيد التكاليف والأعباء على الموارد والعمل والأوقات، ويضعف الإنتاج ومستوى الجودة في التعليم والرعاية والأداء والسلع. كما أن انخفاض الشعور بالأمان، يخفض مستوى الرضا والتكامل الاجتماعي، وهما بطبيعة الحال هدفان أساسيان للتنمية، كما أنهما غاية الحياة. وتؤدي حالات العنف والإيذاء الجسدي بخاصة، إلى ذكريات لا تنسى أبدا، وتؤثر على سلوك الأشخاص الذين تعرضوا للعنف وعلاقاتهم، وقد تدفع بهم إلى الجريمة والانتحار والعنف تجاه الآخرين، والاكتئاب والانطواء، أو تنشئ أمراضا جسدية مثل الضغط والسكري وآلام الظهر والمفاصل والمعدة والقلب، ما يضعف الأداء العملي والإنتاجي، ويهدر الموارد، ويوجه قسما كبيرا منها إلى العلاج، ويقلل المشاركة في العمل والحياة العامة. وينعكس ذلك بالتأكيد على مستوى المعيشة والرفاه والدخل، والناتج المحلي والاقتصاد الوطني.
والعنف والنزاعات والصراعات الاجتماعية والأهلية، بجميع مستوياتها، تؤشر بطبيعة الحال إلى ضعف التماسك الاجتماعي والإدارة العامة والحكم، وغياب الهوية الوطنية الجامعة للناس، والمفترض أن توجه جميع الطاقات والجهود نحو العمل والإنتاح وتحسين الحياة. وهنا يجب أن ننظر إلى العنف باعتباره محصلة أو نتيجة، وليس ظاهرة مستقلة. فإضافة إلى كونه مستهدفا بذاته، ولأنه عنف مرفوض، يجب النظر إلى جذوره وسلسلة الحلقات المنشئة له؛ فهو أيضا عرض أو مؤشر على الخلل في التنمية وإدارة منظومة الموارد وسلسلة العلاقات الناشئة عنها.