نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
يأتي نجاح هجوم حزب الله على قاعدة لواء غولاني، وقدرته على تجاوز الدفاعات الجوية بطبقاتها المتعددة، بعد أقل من شهر على الهجمات الإسرائيلية القاسية والمباغتة التي استهدفت حزب الله وأودت بأبرز قادته، إلى جانب العديد من مخازن أسلحته وبنيته التحتية العسكرية.
“صفعة العشاء الصاروخي” .. أثارت تساؤلات عديدة حول مدى قدرة الحزب على التماسك ومواصلة القتال ضمن منظومة تحكم وسيطرة فاعلة في ظل تلك الظروف، كما فرضت بقوة مسألة استعادة حزب الله للردع.
هجوم” غولاني” شكل صدمة للاسرائيلي
وسط سيل تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله أصبح تنظيما بلا رأس بعد اغتيال حسن نصر الله أمينه العام، والصف الأول من قادته العسكريين، وبأنه يواجه أزمة في قدراته بعد فقدانه جزءا كبيرا من صواريخه قصيرة ومتوسطة المدى، وبأن قوته الجوية تعاني بعد اغتيال قائدها محمد حسين سرور في أيلول الماضي، نفذ حزب الله هجومه الأكثر “دهاء” بجنود الجيش الإسرائيلي.
إذ أعلن الحزب في بيان رسمي استهدافه معسكر تدريب للواء غولاني في “بنيامينا” جنوب حيفا بسرب من المسيّرات الانقضاضية ردا على المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في بيروت وبقية أنحاء لبنان.
ويشير هجوم “بنيامينا” إلى أن حزب الله يمضي في مسيرة التعافي من صدمة الضربات الإسرائيلية التي تلقاها، فنجاح مسيرة في الوصول إلى هدفها جنوب حيفا لتصيب قاعدة عسكرية لحظة تناول الجنود للطعام، وبالتزامن مع إطلاق صليات صاروخية باتجاه نهاريا وعكا لتشتيت الدفاعات الإسرائيلية وقت الهجوم، يوضح وجود نظام قيادة وسيطرة قام بتنسيق وتنظيم الجهود بين استخدام القوتين الجوية والصاروخية، فضلا عن وجود معلومات استخبارية مسبقة دقيقة بمكان القاعدة المستهدفة، إضافةً لما تشير إليه بعض التحليلات من معرفة حزب الله جدول تحركات جنود الجيش الإسرائيلي في تلك القاعدة وتناولهم الطعام في ذلك التوقيت وتلك القاعة، كما يعني أيضا من الناحية العسكرية وجود غرفة تحكم للإشراف على توجيه الطائرة خلال رحلة طيرانها، وصولا لإطلاق صاروخ من الطائرة نحو الهدف قبيل اصطدامها به لتفجيره.
وجاء الهجوم ضمن سلسلة هجمات يومية تثبت قدرة حزب الله على مواصلة إدارة المعركة بالجنوب رغم الغارات الإسرائيلية والقصف المدفعي ومحاولات التقدم البري الذي تشترك فيه 4 فرق إسرائيلية.
فمقاتلو الحزب مازالوا يطلقون يوميا ما بين 100 و200 صاروخ باتجاه المواقع والقواعد العسكرية والمستوطنات، كما يستهدفون مناطق تحشيد الجيش الإسرائيلي، ويتصدون لمحاولات التسلل والتقدم البري جنوبي لبنان.
نتنياهو يتوعد
في هذه الأثناء توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حزب الله بمواصلة ضربه “بلا رحمة”، غداة شنّه هجوما بطائرة مسيّرة أوقع أكبر حصيلة قتلى إسرائيليين منذ بدء التصعيد الأخير على لبنان نهاية ايلول الماضي
وقال نتنياهو خلال زيارة للقاعدة المستهدفة “أريد أن أكون واضحا: سنستمر بضرب حزب الله بلا رحمة في كل أنحاء لبنان بما يشمل بيروت”.
مزهر توقع عودة قوية لحزب الله
في تصريحات سابقة لـ”نخبة بوست”، أكد استشاري الطب النفسي د. عبد الرحمن مزهر أن التنظيمات العقائدية، ومنها حزب الله، تستند إلى أسس أيديولوجية قوية؛ مما يجعلها قادرة على تجاوز الأزمات النفسية الناجمة عن اغتيال قائدها حسن نصر الله.
وأوضح مزهر بأن الحزب يمتلك جذورًا أيديولوجية تمنحه استمرارية، حتى في ظل غياب القيادة التقليدية.
مزهر: الفكر الإيراني يقوم على الصبر واستنزاف الخصم
وفي تصريحات لاحقة عقب الهجوم الأخير الذي نفذه حزب الله، أكد مزهر بأن العقيدة الإيرانية، التي يعتمد عليها الحزب، تدفعه إلى تجاوز العقبات بأسلوب هادئ وممنهج.
و أوضح بأن المقاومة الآن تعتمد على فكر إيراني يتسم بالصبر الطويل والاستعداد لتحمل الأزمات لفترات ممتدة، وهذا ما يجعلها قادرة على امتصاص الضربات والصدمات بدون تراجع.
وأشار إلى أن الفكر الإيراني يتمثل في أمثال تدل على التحمل طويل الأمد، مثل المثل القائل: ‘بالقطنة يذبح بعيرا‘، وهو تعبير عن الصبر والمرونة.
وأضاف مزهر أن هذا الفكر يعزز الثقة بالنفس ويخلق صلابة وقناعة بحتمية النجاح، مشيراً إلى أن مثال حياكة السجاد الإيراني، الذي يُصنع بعناية ويستغرق سنوات ليصل إلى صورته النهائية المتقنة، يعكس قدرة الإيرانيين على الصبر والتخطيط الدقيق.
وأكمل مزهر بأن هذه الاستراتيجية النفسية لدى الإيرانيين وحزب الله تجعلهم مستعدين للانتظار والصبر حتى تحقيق الأهداف، وأنه على عكس إسرائيل؛ التي تسعى لتحقيق الانتصارات السريعة، يعتمد الإيرانيون وحزب الله على استنزاف الخصم وتدمير قدراته النفسية عبر الزمن.
وتابع بأن المجتمع الإسرائيلي يعيش في حالة من عدم الاستقرار النفسي بسبب الوضع المتوتر، مما يؤدي إلى زيادة معدل الإدمان على الكحول والمخدرات داخل إسرائيل.
وأفاد أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من ضغوط كبيرة بسبب التوتر المستمر، كما أن الكثيرين منهم يملكون جنسيات أخرى؛ مما يتيح لهم الهجرة عند الشعور بالخطر ؛ ولقراءة الخبر الذي نشرته “نخبة بوست” في وقت سابق انقر هنا
مدانات: حزب الله نجح في استعادة توازنه
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي شادي مدانات، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست” إن حزب الله نجح في استعادة توازنه بعد الضربات التي تلقاها، وأكد على أن التصعيد الأخير يمثل تغييرًا نوعيًا في الصراع مع إسرائيل.
وأشار بأن الضربة التي نفذها الحزب على قاعدة إسرائيلية عبر طائرة مسيرة جاءت في سياق تصعيد تدريجي مدروس.
ونوه إلى أن حزب الله قد أعاد ترتيب صفوفه؛ وأنه بات قادرًا على التصعيد المحسوب الذي يعكس قوة متزايدة.
وأورد مدانات أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة، التي تظهر كأنها إنجازات عسكرية، ليست إلا “مسرحيات” تهدف إلى رفع المعنويات؛ مشيراً إلى أن حزب الله قد حقق إنجازات ملموسة على الأرض وأثبت قدرته على التحمل والصمود في وجه الضغوط الإسرائيلية.
رداد: ضربة نوعية بلا تعديل استراتيجي شامل
بدوره،؛ اعتبر الخبير الاستراتيجي والعسكري د. عمر رداد ، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، أن الهجوم الأخير الذي نفذه حزب الله على معسكر إسرائيلي في جنوب حيفا، باستخدام طائرة مسيرة، يعد خطوة نوعية في الصراع؛ لكنه لا يعتبره كافياً لتغيير ميزان الردع بشكل كامل ما لم يتبعه ضربات متكررة تحقق تأثيرات أعمق.
وأضاف رداد أن رد إسرائيل المحتمل يخضع لحسابات دقيقة تتجاوز الجانب العسكري لتشمل أبعادًا سياسية، بحيث أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الضربات لاستجلاب مزيد من الدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهذا ما تحقق بإرسال منظومة الدفاع الصاروخي ثاد، التي أشرفت عليها فرق أمريكية.
وأوضح بأن إسرائيل قد تستخدم هذه الضربة كوسيلة لزيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية، مما قد يؤثر على مجريات الأحداث في المستقبل.
وأشار رداد إلى أن إسرائيل قد تختار الرد على إيران بدلاً من استهداف حزب الله مباشرة؛ لافتاً إلى أن هناك سيناريوهات متعددة للرد الإسرائيلي، خاصة مع تعيين قادة من الحرس الثوري للإشراف على حزب الله.
المومني: تحقيق الردع يتطلب توازناً حقيقياً في القوى
وفي السياق ذاته، عبّر أستاذ العلاقات الدولية د. حسن المومني ، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، عن رأيه بأن الحديث عن استعادة حزب الله لقوة الردع ما زال مبكرًا.
وأشار المومني إلى أن الردع يعتمد على توازن القوى وإمكانية إلحاق الضرر بالطرف الآخر بشكل يجعله يتراجع عن خطواته، قائلاً:
ولفت المومني إلى أن حزب الله، رغم امتلاكه لقدرات عسكرية وتكتيكات متقدمة، يحتاج إلى استمرارية في الضربات وتراكم خبرات حتى يتمكن من تحقيق الردع الكامل.
وشدد على أن تحقيق الردع يتطلب استمرارية الضربات وتحقيق تأثيرات ملموسة على المدى الطويل.
ورأى المومني أن هناك فرقًا بين الإيذاء والردع؛ حيث أن الردع يتطلب تحقيق تأثير طويل الأمد يجعل الطرف الآخر يعيد التفكير في تصعيداته.
واعتقد أن حزب الله لا يزال بحاجة إلى مزيد من الجهود لتحقيق هذا التوازن، مضيفًا: “بأن التطورات المقبلة والضربات المتكررة قد تكون الفيصل في الوصول إلى حالة من الردع الحقيقي.“
حزب الله يعطي الاسرائيلي درسا ..
أثبت هجوم غولاني أن العدوان على لبنان لن يكون “نزهة” وأن الاحتلال يواجه حرب استنزاف يومية تثقل كاهله ماديًا وبشريًا، وتدفع نتنياهو إلى مزيد من “التخبط”.
وعلى مستوى حاضنة حزب الله، التي تعرضت لهزات متتالية بلغت ذروتها باغتيال “نصر الله” الذي يحمل رمزية كبيرة ، فإن إلحاق خسائر بالجيش الإسرائيلي وتنفيذ هجمات ناجحة يعززان من صمود الحزب ويدعمان الحالة النفسية لعناصره ومقاتليه، مما يدفعهم لمواصلة القتال في مرحلة حرجة وحساسة يتفاخر خلالها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بأن لبنان دخل مرحلة جديدة لم يعد لحزب الله أ ي مكان فيها.