نخبة بوست – بقلم: زكي بني إرشيد
قليلة جدا تلك اللحظات التي تتيح لنا مشاهدة المخفي من المستقبل وهو يتكشف لم يريد الأبصار، وعندما يجود الزمان بلحظة الانكشاف، يصبح البصر نافذاً ومخترقاً ومتجاوزاً لعوائق الرؤيا التي يصنعها او يحتكرها بعض البشر.
هل اللحظة التي نعيشها هي لحظة الانكشاف التي تلوح بالافق.؟ ربما ولكن الإفراط بالتفاؤل يستوجب الحذر.
من المبكر جدا إنعاش الحلم بنهاية التاريخ وفق نظرية المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما بكتابه نهاية التاريخ والإنسان وتسيد الثقافة الغربية والقيم الديمقراطية، كما وان من المبكر ايضاً التنبوء بالدخول في صراع عالمي عنيف، على الرغم من تورط الأطراف العالمية الفاعلة والمؤثرة في حرب أوكرانيا التي انطلقت شرارتها في شباط 2022 لكن ذلك لا ينفي أن العالم الجديد في طور التشكيل، وأن بقاء الولايات المتحدة الأمريكية أو اي دولة بشكل فاعل في السياسة الدولية يعتمد اولاً على قدرتها بالخروج من ازمتها الداخلية التي تزداد تعمقاً وانقساماً، وبالتكيف مع استحقاق النظام العالمي الجديد ايضاً.
تراجع الدور الأميركي وبروز قوي صاعدة ومنافسة لا يعني الانهيار او التلاشي، وتقدم روسيا لاستعادة حصتها من النفوذ العالمي لا يعني نهاية الهيمنة الأميركية على مقابض السياسة والاقتصاد العالميين، وبروز العملاق الصيني على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي، وتمدد نطاقات نفوذه ببطئ وحذر يقابله تربص بين السائد ( أميركا) والصاعد ( الصين)، هكذا هو التاريخ الذي كتب نشوء الدول وتراجعها ولحظة التغير في موازين القوى بين القائم والقادم وهو متغير فاعل ومؤثر في المستقبل السياسي.
هل سيشهد المستقبل انتقالاً آمناً لمنصة السيطرة والنفوذ او تقاسماً وتشاركاً في رسم الخرائط الجغرافيا والسياسة؟ ام اننا سنشهد لحظة المصادمات الكبرى؟ المصالحات التاريخية الكبرى متأسسة على تقديم تنازلات جوهرية وتشاركات حقيقية تجنب العالم ويلات الاجيال الجديدة من الحروب التي من شأنها ان تاكل الأخضر واليابس.
تمسك الصين بالمرونة السياسية وعدم القيام بمغامرة إقليمية والتحلي بالصبر الاستراتيجي يؤهلها للعبور نحو المستقبل وحجز مقعدها ودورها في النظام الجديد.
هل ستلجأ الإدارة الأميركية إلى تشكيل تحالف عالمي لاستهداف الصين ومحاصرتها سياسياً وافتصادياً وقطع طريق الحرير للوصول إلى القمة؟ ام انها – اي أميركا- ستسعى إلى سياسة الاحتواء وتأهيل الصين كدولة عظمى لدخول النادي العالمي الجديد وفق منظومة القواعد التي تفرضها تطبيقات وسلاسل الإنتاج لثورة الذكاء الصناعي الرابعة، ما يعني إستجابة الصين لمعظم أو للكثير من الاشتراطات الدولية، التي تضمن تخلي الصين عن نظامها المركزي الشمولي وإنتهاج مقاربة تشاركية، على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
المؤكد أن الضعفاء لا يملكون القدرة على الاستفادة من الفرص، وأن الحالة العربية قد خسرت القرن الماضي ولم تكسب حتى الان القرن الحالي وبكل الأحوال فإن الفرصة المحتملة للعرب تكمن في إعادة الإنتاج للدور الإقليمي والدولي الذي لن يمنح مجاناً ولن يباع بالأسواق السياسية بقدر ما يفرض بإرادة جادة وإدارة ناجحة، مرحلة النهوض العربي ممكنة لان المقومات الأولية متوفرة، وينقصها حسن التقدير وحسن التدبير وحسن التعبير، هذا المثلث لا يمكن أن ينجح تحت حكم القهر والاستبداد والاستحواذ، إذ ان المستقبل لا يصنعه الاحرار واما العبيد فلا مكان لهم بين الامم ولا تحت الشمس ولا يحسنون الا الالتحاق والتبعية.
هل هذا ممكناً ؟.
ربما وقد يتأخر ، لكن هذا هو الطريق نحو المستقبل ولا خيار آخر .