نخبة بوست – كتب : د. بسام العموش
لم يستهدف الأردن يومًا إيران دولةً وشعبًا وثقافة، لأنه يؤمن بالاحترام للآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، ويريد من هؤلاء الآخرين أن يتعاملوا معه بنفس المنطق. تعامل الأردن مع الشاه لأنه حاكم إيران، وليس لأن الأردن نصبه على الشعب الإيراني، وكانت صداقة شخصية بين رمزي البلدين.
ولما جاء خميني، انقطعت العلاقة ثم عادت سريعًا؛ فذهب السفير الاستانبولي إلى طهران وتعرض لاعتداء، لكن الله نجاه. ثم ذهب الشيخ نوح رحمه الله وبقي هناك خمس سنوات، وبقيت العلاقة “مكانك سر”، ولم تكن هناك ظروف تستنبت ما يغير تلك العلاقة الحذرة التي يحرص عليها الأردن. وهذا هو السبب الذي دفع الأردن لإرسال سماحة الشيخ وإرسالي من بعده بمنطق أن الملالي يحتاجون إلى من يحسن التعامل معهم، باعتبار الشيخ وكاتب هذه السطور أصحاب تخصص ديني ويعرفون تفاصيل لا يعرفها غير المختصين بالعلم الشرعي، رغم أن موقع السفير موقع دبلوماسي.
تطورت الظروف فقبض الأردن على تنظيم مسلح يديره سفير إيراني سابق، فطلب الأردن مغادرته وقال باللغة الدبلوماسية: غير مرغوب فيه. لم يقطع الأردن العلاقة بل لم يتناول الموضوع في الإعلام. ثم قام حسن نصرالله بتهريب سلاح إلى الأردن وبين في كلمة له أن الهدف إيصالها لفلسطين! وهو أمر غير صحيح، ومع ذلك عفا الأردن عن الأشخاص وأطلق سراحهم، وقلت يومها وقد كنت سفير الأردن لديهم: إن هذا لا يخدم العلاقة بين بلدينا.
ثم جاءت الحرب على العراق، فسقط النظام العراقي بيد الأمريكان ومساعدة إيران، وصار الوجود الإيراني على حدودنا. ثم جاء الربيع العربي فدخلت سوريا في مشاكل أمنية أتاحت لإيران الدخول، بسبب وجود اتفاق تعاون أمني وعسكري استراتيجي بين دمشق وطهران، وصارت القوات الإيرانية وميليشياتها على الحدود الأردنية الشمالية.
بهذا، صرنا نراقب الحدود الشمالية والشرقية، ولا نزال نعاني من محاولاتهم الدخول إلى بلدنا عبر ما يسمى تهريب السلاح وتهريب المخدرات. وجاء السابع من أكتوبر واشتعلت غزة وفلسطين وجنوب لبنان، ونحن الأقرب ونحاول الإسناد الإغاثي طعامًا وشرابًا وصحة وعلاجًا وسياسةً.
لكن خاصرتنا الشرقية وحدودنا الشمالية فيها طعن مستمر، ولا ندري لصالح من سيتم إضعاف الأردن؟ كل العقلاء يعرفون أن أي خلل في الأردن سيكون الفرصة لنتنياهو والعصابات التي معه لينفذوا الترانسفير لأهل الضفة الغربية، وبالتالي القضاء على حلم الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين، ونبش قبر الوطن البديل الذي قال عنه المرحوم عبدالسلام المجالي: لقد تم تكفينه.
فهل تريد إيران بطعن الأردن من الخلف أن تهيئ الفرصة لإسرائيل للقيام بجريمتها؟ ولعل اللقاء الأخير لجلالة الملك مع الرئيس الإيراني الجديد في نيويورك ولقائه أمس مع وزير خارجية إيران وذهاب وزير خارجيتنا أيمن الصفدي إلى طهران، كلها كانت فيها لغة واحدة: الأردن ليس مسرحًا وأجواؤه ليست مباحة، وعلى إيران إذا أرادت علاقة طيبة أو مستقرة أن تحترم أمن الأردن واستقراره.
فهل ستلتزم إيران؟ لا أريد أن أحبط المحاولات، لكنني غير متفائل لأنني أعتقد أن الزعبرات التي تطلق في الإعلام لن تجعل عيوني بعيدة عن حقيقة النظام الإيراني وتعاونه مع أمريكا في دخول العراق وأفغانستان، وأن تحت الطاولة بينهما الشيء الكثير، بل حتى مع الشريك الثالث “إسرائيل”.
لنطلب ولنحذر، ولكن علينا أن نحذر ونحسب حساب الأسوأ ونعتمد بعد الله على أنفسنا.