نخبة بوست – من جديد تؤكد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران عدم رغبة الطرفين في الدخول بمواجهة حقيقية مباشرة قد تأخذ المنطقة لحرب تتدحرج كُرتها بشكل يصعب رسم مآلاتها غير الحميدة، وتكشف التحذيرات التي تسبق الضربات من خلال طرف ثالث أن وراء الأكمة ما يستدعي الاستغراب، وكأن لسان حال كل طرف يقول: “مضطر لضربك في الزمان والمكان المتفق عليه، فنحن نعمل من أجلنا ونأسف على إزعاجكم، مع تمنياتي لكم بالسلامة وعدم الرد.” وهذا أيضًا يؤكد أن المصالح الإقليمية والدولية هي الأساس، وأن الصراع بين الطرفين، سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء، إنما هو صراع مصالح يعتمد على النفوذ الإقليمي والهيمنة الاقتصادية، وإن كانت اللغة المستخدمة حتى اللحظة هي التلويح بالسلاح كثيرًا واستخدامه بشكل محدود، واستثمار أكثر للحلفاء في المواجهات العسكرية المباشرة، لأن كل طرف يدرك أن من يتفوق في المواجهة العسكرية يتفوق في التفاهمات والترتيبات التي ستكون هي الأساس فيما بعد، والتي سترسم شكل المنطقة سياسيًا وعسكريًا لعدة عقود قادمة.

إن تجنب إسرائيل ضرب المنشآت النفطية، والتي إن ضُربت ستصيب الاقتصاد الإيراني المنهك بمقتل، لكنه في الوقت نفسه سيؤثر على إمدادات النفط العالمية، ويصيب السوق النفطية العالمية بالارتباك، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على روسيا في موضوع الطاقة، لذا ربما كان لأمريكا دور حاسم في منع إسرائيل من ضربها. كما أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يجعل الرد الإيراني حتميًا، بل قد يكون ردًا موجعًا، في وقت تشن فيه إسرائيل حروبًا على أكثر من جبهة في وقت متزامن، وهي ليست في وارد ذلك في ظل ما تعانيه عسكريًا خاصة في الجبهة الشمالية. كما أن ضرب المنشآت النووية قد ينتج عنه مخاطر مدمرة نتيجة تسرب مواد مشعة ذات تأثيرات كارثية إقليميًا وعالميًا، وهذه كلها حسابات معقدة ضيقت على إسرائيل بنك الأهداف.

لا شك أن كلاً من إسرائيل وإيران يشعر بارتياح كبير بعد تنفيذ الضربة، التي من الواضح أنها ضربة ليست مؤثرة وليست موجعة، وكأن الهدف المتفق عليه هو إغلاق هذا الملف. وهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك خطاً ثالثاً ساخناً خفيًا بين الطرفين، وهو الأكثر نجاعة وتأثيرًا من الضربات نفسها، وبالتالي هذا يقودنا للاعتقاد أن هذا الخط يقود نحو تسوية أكثر إيلامًا من الضربات العسكرية، لأنها تستهدف تسوية شاملة مع إيران تشمل، حسب ما أرى، تجميد المشروع النووي الإيراني، تصفية حزب الله أو تحويله إلى تنظيم سياسي غير مسلح، وإخراج حماس من معادلة غزة، وإدخال الحوثيين في تسوية يمنية تدمجهم في عملية سياسية شاملة في اليمن، وربما ترتيبات تشمل الوضع السوري بما يقترب من مقاربة نتنياهو في إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط الجديد. وهذا في النهاية يُخرج إيران من المنطقة بشكلها الحالي، لتصبح دولة منكفئة على مشاكلها الداخلية، مقابل رفع العقوبات الدولية، وتحقيق تنمية اقتصادية داخلية، وإعادة بناء علاقات حسن الجوار مع المحيط، بخطوات تشبه ما قطعته تركيا في الفترة الأخيرة. لكن هذه القراءة تبقى رهينة التطورات التي أظنها لا تخبئ مفاجآت ذات قدرة على عكس المنحى.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version