نخبة بوست – د. نوفان العجارمة ( وزير أسبق)
القَسَم الدستوري هو القَسَم الذي ينص عليه الدستور، والمتعلق برئيس الدولة جلالة الملك، حيث يقسم الملك إثر تبوئه العرش أمام مجلس الأمة الذي يلتئم برئاسة رئيس مجلس الأعيان بأن “يحافظ على الدستور وأن يخلص للأمة” وفقاً لأحكام المادة (29) من الدستور.
ويشمل القَسَم الدستوري رئيس الوزراء والوزراء، حيث يقسم رئيس الوزراء والوزراء قبل مباشرتهم أعمالهم أمام جلالة الملك اليمين التالية: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك، وأن أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكولة إليّ بأمانة”، وذلك وفقاً لأحكام المادة (43) من الدستور.
كما يشمل القَسَم الدستوري أعضاء مجلس الأمة بشقيه (الأعيان والنواب)، فعلى كل عضو من أعضاء مجلس الأعيان والنواب قبل الشروع في عمله أن يقسم أمام مجلسه يميناً هذا نصها: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك والوطن، وأن أحافظ على الدستور، وأن أخدم الأمة وأقوم بالواجبات الموكولة إليّ حق القيام”، وذلك وفقاً لأحكام المادة (80) من الدستور.
ويقسم رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية قبل مباشرتهم أعمالهم أمام جلالة الملك يميناً هذا نصها:
نلاحظ أن النصوص الدستورية حددت الضوابط التالية لهذا القَسَم:
أولاً: تم تحديد الأشخاص الذين ينطبق عليهم النص أو المخاطبين به، سواء كانوا معينين أم منتخبين، وحدد كيفية أداء هذا القَسَم، من حيث المكان والزمان، والصياغة والإجراءات الواردة في النص الدستوري، وأمام الشخص أو الجهة المطلوب أداء القَسَم أمامها.
ثانياً: يجب تلاوة القَسَم من قِبل الشخص المعني وقبل مباشرته لأعماله واختصاصاته الوظيفية – أمام الشخص أو الجهة التي حددها النص الدستوري – ويجب تلاوة القَسَم بنفس الكلمات والألفاظ والعبارات الواردة بالنص الدستوري، ولا يجوز تغيير أو تبديل هذا النص، زيادةً أو نقصاناً، تحت أي ظرف من الظروف أو لأي سبب من الأسباب. وإذا تمت تلاوة القَسَم بخلاف ذلك من قبل الشخص المعني، كان أداؤه للقَسَم القانوني مخالفاً للدستور، وغير منتج لآثاره القانونية؛ فكيف لهذا الشخص أن يقسم بالحفاظ على الدستور وفي مستهل عمله يخالفه؟ هذا تناقض لا يقره الدستور.
ثالثاً: وإذا تمت تلاوة القَسَم بشكل يخالف النص الدستوري، بحيث يبدل الشخص المعني بعض الكلمات أو العبارات، أو أضاف إليه ما ليس منه، أو انتقص منه، وتم ذلك بحسن نية ومن باب الخطأ المجرد أو الارتباك أو الخوف أو غير ذلك، فيجب أن يُنبه إلى ذلك، ويُطلب منه إعادة القَسَم بالشكل الصحيح، وبالتأكيد سوف يمتثل إلى ذلك لأن الخطأ كان من باب حسن النية.
ولكن إذا تمت تلاوة القَسَم بطريقة غير صحيحة بسوء نية أو بتعمد، أو لغرض في نفس ذلك الشخص، بحيث يضيف إلى القَسَم عبارات تعبر عن معتقداته الدينية أو الشخصية، أو يقدم كلمة على كلمة أو عبارة على عبارة في القَسَم، فيجب تنبيه هذا الشخص إلى مثل هذا الخطأ من جانب الشخص أو الجهة التي يؤدي القَسَم أمامها، فإذا استجاب لذلك وأعاد تلاوة القَسَم وفقاً للأصول، فلا توجد أية مشكلة، ويكون أداؤه لهذا القَسَم صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية. أما إذا رفض هذا الشخص تلاوة القَسَم القانوني كما نص عليه الدستور، وأصر على مخالفة النص، فيكون قد ارتكب أول مخالفة للدستور، وقسمه هذا لم ينتج آثاره القانونية، ولا يجوز له مباشرة عمله تحت أي ظرف من الظروف وللأسباب التالية:
1. ارتكاب هذا الشخص أول مخالفة للدستور، وكافة التشريعات الناظمة لعمله توجب عليه احترام الدستور وعدم مخالفته
2. إن رفض القَسَم يكشف عن عدم ولائه للدولة، ممثلةً في دستورها ونظام الحكم فيها، فالهدف من أداء القَسَم هو معرفة ولاء الشخص للدولة التي ينتمي إليها أو التي سيعمل فيها. فالولاء كشرط للتعيين في المناصب العامة في بعض الدول يأخذ أشكالاً ثلاثة؛ فقد يتمثل في صورة ولاء للوظيفة ذاتها، كقيام الفرد بالمحافظة على أسرار العمل والإخلاص فيه، ومخالفة ذلك تمثل جريمة تأديبية يعاقب عليها القانون، وهذا ما يسمى بـ “الولاء الوظيفي”.
وأخيراً، قد يكون ولاؤه للدولة ونظام الحكم القائم في البلاد، وهو ما يسمى بـ “الولاء لسلطة الحكم”. إن قيام الموظف أو المسؤول بتنفيذ الأوامر وفقاً لسياسة الدولة والحكومة القائمة لا يكفي للقول بأن الموظف قد أدى واجبه؛ فيجب أن يلتزم في حياته الخاصة بأن يكون مسلكه مطابقاً لهذا الولاء، والحد الأدنى يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة في الجلسات الخاصة أو الاجتماعات العامة، وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة في الداخل أو الخارج، وبخلاف ذلك عليه أن يعتزل الوظيفة العامة.
3. إن رفض القَسَم يكشف عن عدم اهتمام الشخص وجديته في أداء أعماله واختصاصاته الوظيفية التي يباشرها بعد قرار تعيينه، وعدم احترامه لها والتزامه بتنفيذها حسبما نظمها المشرع، وعدم تحمله مسؤوليات الوظيفة العامة بإخلاص وأمانة وشرف دون تحيز لأحد أو تمييز بين الناس.
4. إن إيراد بعض العبارات في القَسَم قد يكشف عن إقحام ذلك الشخص نفسه في اعتبارات سياسية أو دينية أو طائفية أو عنصرية أو إقليمية قد تتعارض مع أداء الوظيفة العامة، ومع سياسة الدولة وأهدافها وغاياتها الكبرى المتمثلة في المحافظة على نظامها العام وأمنها الداخلي والخارجي وعلاقاتها مع الدول والشعوب الأخرى.
وعليه، فإن تلاوة القَسَم خلافاً للصياغة والإجراءات الواردة في النص الدستوري، وأمام الشخص أو الجهة المطلوب أداء القَسَم أمامها، من شأنه أن يؤدي إلى تحريك المسؤولية التأديبية بحق ذلك الشخص أو إقالته أو فصله من قبل صاحب السلطة المختصة بذلك.