نخبة بوست – أفزع كوابيسنا في الأردن هو انهيار السلطة الفلسطينية؛ وهي للأسف في حالة انهيار أو في حالة أقرب للموت السريري، تنتظر إسرائيل لتنزع عنها أجهزة الإنعاش.
حرصت إسرائيل قبل 7 أكتوبر على إهانة السلطة خصوصا بعد إسقاط خيار المقاومة واعترافها أحادي الجانب بإسرائيل، وتسولها لعقود دولة فلسطينية على أقل من 6 % من أرض فلسطين التاريخية، ومقابل كل هذا حصدت السلطة تجاهلا سياسيا كاملا وتحكما في حياة الفلسطينيين، مع زيادة الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما أنهى مشروع الدولتين وبدأ مشروع دولة يهودية خالية تحديدا من العرب.
بعد السابع من أكتوبر، أطلقت حكومة نتنياهو عصابات المستوطنين ” أشبال الجبال” للتنكيل بالفلسطينيين وتذكيرهم بالنكبة، وقامت الحكومة باعتقال حوالي عشرة آلاف فلسطيني كما جرفت المخيمات.
أكثر من ذلك، فقد نقل نتنياهو كامل صلاحيات الإشراف على الضفة الغربية -ما عدا الأمن- إلى سموتريش في وزارة الداخلية، في خطوة تعد انقلابا يقترب من ضم فعلي للضفة الغربية؛ وذلك بموجب اتفاق وقعه نتنياهو مع سموتريش “على الساكت”، وهو ما ينبئُ بإجراءات على الأرض تمهد لضم الضفة وتسهيل تهجير الفلسطينيين.
ما يزال العقل السياسي في مجمله يعيش في مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر، حيث صدقنا نحن في الأردن وهم السلام، بل واعتقدنا -لسبب أو لآخر- أن لدينا معاملة خاصة عند أميركا وإسرائيل، وأن حدودنا الطويلة إضافة إلى معاهدة وادي عربة سوف تستثنينا من أطماع المشروع الصهيوني، ولكن حلت الآن لحظة الحقيقة التي تفرض علينا التكيّف مع الواقع الجديد، حيث ثبت أن الأردن مستهدف من المشروع الصهيوني، وبنوايا مبيتة منذ تأسيس الكيان، بما في ذلك اعتبار الأردن مكانا لتهجير الكتلة السكانية الفلسطينية وتطهير أرض إسرائيل من العرب الفلسطينيين.
يجب أن يغير هذا الواقع تعاطينا مع الصراع العربي الصهيوني من “مناصر” و”داعم” للقضية الفسطينية إلى صاحب قضية أردنية قوامها تهديد صهيوني للأردن هوية ودستورا وديموغرافيا وجغرافيا، ولا ننسى تصريح ترامب واعرابه عن قلقه على صغر مساحة إسرائيل وتفكيره في كيفية توسيعها!.
قضيتنا الأردنية قضية مشروعة؛ فإن الدفاع عن الأردن دونه الرقاب، ونحن في الأردن، وفي قضيتنا هذه على وجه الخصوص، لسنا مكونات؛ نحن فقط أردنيون، جبهة واحدة، فلا يوجد في الأردن كتلة غير كتلة المواطنين وإن أصول الأردنيين ومنابتهم وايديولوجياتهم لا تتعارض مع انهم شعب أردني وكتلة أردنية واحدة في مواجهة أطماع المشروع الصهيوني.
اختار جلالة الملك طريق التحديث السياسي واختار الإصرار -رغم الظروف الإقليمية الصعبة – على العملية الديمقراطية، وهذه رسالة للحكومة ومؤسسات الدولة أن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية يكون بحماية حقوق المواطنين الدستورية وحرياتهم، واعتقد أن سلوك الدولة مع بيان الإخوان الأخير فيه رسالةٌ واضحةٌ بأننا دولة نحتكر ممارسة القوة إلا أننا سنمارس هذا الحق في نطاق سيادة الدولة على الجميع وفي نطاق القانون، وهذا أمر إيجابي عاقل! وبقي أن نمارس هذا السلوك باعتباره الأصل الذي لا يخرج عنه إلا في مواجهة من يعتدي على القانون والدستور.
في نطاق النضال لأجل قضيتنا الأردنية، قدم جلالة الملك مباشرة -وعبر وزيره الجَسور الصفدي- خطابا دبلوماسيا أرسى مرجعيات سياسية وقانونية ودولية منها: أن الاحتلال الصهيوني هو أصل المشكلة، وأن الصراع العربي الصهيوني لم يبدأ من السابع من أكتوبر، وأن ليس للمحتل المعتدي التذرع بحجة الدفاع عن النفس. علينا أن نجذر هذه القيم محليا على الجبهة الداخلية كما علينا التوافق على سردية وطنية حقوقية قوامها رفض مشاريع حل الصراع في المنطقة على حساب الأردن واستمرار التواصل الدبلوماسي وحشد كل علاقاتنا لنصرة هذا السرد وأيضا الاستعداد الداخلي السياسي والعسكري والتمسك بحماية حقوق الأردنيين وحرياتهم الدستورية.
إن عدالة القضية الأردنية في الدفاع عن هوية الأردن وشعبه ودستوره تستدعي الارتباط بتاريخ وماضي مشروعية الدولة الأردنية التي كانت نواة لمشروع عربي يهدف إلى مواجهة الفكر الاستعماري في المنطقة والعمل كـرأس حربة لتحقيق هذا المشروع كمتطلب للاستقلال الذاتي للأردن والدول العربية في المنطقة.
للأردني قضيتان؛ القضية الفلسطينية، التي يناصرها بكل ما أوتي من قوة، والقضية الأردنية، التي تمثل حقه المشروع في الدفاع عن وطنه وعن حمله راية مشروع عربي إنساني حداثي لمواجهة الاستعمار في المنطقة.
إن صوت الأردنيين المدافعين عن قضيتيهما الأردنية والفلسطينية لن يُنقص من قدره بعض الجهل هنا وهناك.
فأعرض عن الجاهلين جنابك..