نخبة بوست – يبذل الملياردير الأميركي إيلون ماسك قصارى جهده لدعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في حملته للعودة إلى البيت الأبيض، وقد أنفقت لجنته السياسية المؤيدة لترامب 118 مليون دولار حتى الآن، ولديها الميزانية الكافية لإنفاق عشرات الملايين الأخرى، وكل هذه المبالغ الضخمة تأتي تقريبا من ماسك نفسه وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وركّز الرئيس التنفيذي لشركة تسلا -عملاق صناعة السيارات الكهربائية- جهوده في دعم ترامب بالولايات المتأرجحة عموما، وولاية بنسلفانيا خصوصا التي يرى فيها محور الانتخابات، حتى إنه يتحدث عن الذهاب بنفسه من بيت إلى بيت، ليحث الناخبين على التصويت.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن ماسك تجاوز الآن المليارديرية الإسرائيلية ميريام أديلسون، ليصبح ثاني أكبر مانح فردي مؤيد لترامب في هذه الدورة الانتخابية، بعد الملياردير تيموثي ميلون، الذي قدم 150 مليون دولار حتى الآن لمساعدة ترامب في حملته الانتخابية.

وأثارت لجنة العمل السياسي الأميركية الجدل في الأسابيع الأخيرة، بسبب تبرع ماسك بمليون دولار يوميا لناخب يتم اختياره عشوائيا من إحدى الولايات المتأرجحة الذي يقوم بالتسجيل للمشاركة في الانتخابات، وذلك في جهد محموم منه لدفع الناخبين الجمهوريين للتصويت وفق ما ذكرت مجلة فوربس الأميركية.

وقدم ماسك 43.6 مليون دولار إلى لجنة العمل السياسي الأميركية في الفترة من 1 إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وفقا للملفات المقدمة إلى لجنة الانتخابات الفدرالية.

ويأتي هذا المبلغ إضافة إلى 75 مليون دولار قدمها ماسك بالفعل إلى لجنة العمل السياسي الأميركية حتى 30 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وذكرت نيويورك تايمز في تقرير آخر لها نشر قبل أيام أن ماسك صار “أكثر جنونا” في دعمه لترامب، وسيواصل حملته حتى يوم الانتخابات، بما في ذلك الظهور إلى جانب الرئيس السابق في تجمع حملته بماديسون سكوير غاردن.

وأسس ماسك شركتين جديدتين ذات توجه سياسي قريب من شعارات الجمهوريين وهما شركة غروب أميركا إل إل سي (Group America LLC) ويونايتد ستيت أوف أميركا (United States of America Inc)، ما يشير إلى أنه قد يحاول الحفاظ على موطئ قدم له في العالم السياسي على المدى الطويل، وفقا لما أوردته مجلة فوربس في وقت سابق.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتبرع ماسك بهذه الأموال الطائلة لترامب، وما دور المصالح الاقتصادية والمالية وراء هذا الدعم؟

ديمقراطي غيّر جلده

لم يكن ماسك جمهوريا في السابق بل كان ديمقراطيا، إذ دعم باراك أوباما بقوة في حملته الانتخابية للرئاسة عام 2007، كما تبرع بالملايين لصالح هيلاري كلينتون في حملتها ضد ترامب نفسه عام 2015، وانتقد ترامب شخصيا في مقابلة عام 2016 مع قناة (سي إن بي سي)، ووصف ترامب في محادثات خاصة بأنه “خاسر تماما”، وقال إنه صوت لصالح جو بايدن في عام 2020، وفق ما نقلت عنه مجلة نيوزويك.

ما أسباب التحول الدراماتيكي؟

يكمن وراء التحول إعفاءات ضريبية، وتسهيلات لشركات ماسك، وأحلام في تغيير الكون يطاردها الرجل، ووعد بوزارة، وأولا وقبل وبعد كل شيء “المال”، فرغم أنه يتبرع بعشرات الملايين من الدولارات، لكنه ينتظر المليارات في المقابل، لكن كيف ذلك؟

انتظار المليارات

قال ترامب لمجلة نيوزويك مادحا ماسك “إنه قائد صناعي لا يتكرر إلا مرة واحدة في الجيل، ومن المؤكد أن بيروقراطيتنا الفدرالية المكسورة يمكن أن تستفيد من أفكاره وكفاءته”.

ويتجلى التوافق بين طموحات ماسك وأطماعه ومقترحات ترامب السياسية بشكل أكبر في اقتراح ترامب تعيين ماسك “وزيرا لخفض التكاليف”، إذ قال خلال ظهوره مؤخرا على قناة فوكس نيوز “إنه يتوق إلى القيام بذلك”.

وقد يجعل هذا الدور ماسك مؤهلا للحصول على إعفاء ضريبي خاص بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، ووفقا لتقرير صادر عن مجلة رولينغ ستون، فإن أحد البنود المخفية في قانون الضرائب قد يسمح لماسك بجني واحدة من أكبر الإعفاءات الضريبية الشخصية في تاريخ أميركا إذا فاز ترامب في انتخابات عام 2024، وعين ماسك في هذا المنصب الحكومي المقترح.

وحسب خبراء الضرائب والأخلاق الذين تحدثوا إلى المجلة، فإن ثمة بندا غير معروف في قانون الضرائب قد يسمح لماسك بتأجيل ضرائب مكاسب رأس المال إلى أجل غير مسمى على أي أصول قد يحتاج إلى التخلص منها للامتثال لقواعد الأخلاقيات الحكومية.

وستضاف هذه الميزة الضريبية الخاصة، المتاحة فقط للمسؤولين الفدراليين، إلى التخفيضات الضريبية الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها ماسك إذا عملت إدارة ترامب الجديدة على خفض ضرائب الدخل والضرائب الأخرى على المليارديرات.

لذا فإن ماسك، الذي يعد حاليا أغنى شخص في العالم بثروة صافية تبلغ 269.8 مليار دولار وفقا لمجلة فوربس، قد يكسب مليارات الدولارات الأخرى إذا تولى منصبا حكوميا في إدارة ترامب.

وقد لا تناسب المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ماسك بالقدر نفسه؛ فخلال حملتها الرئاسية لعام 2019، دعت إلى رفع معدل الضريبة على الشركات من 21% إلى 35%، وفي حين أيدت هاريس اقتراح الرئيس بايدن الأكثر اعتدالا بفرض معدل 28%، فإنها دفعت باتجاه زيادة أكبر.

وفي وقت لاحق، عند قبول ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، تعهدت هاريس بتقديم إعفاءات ضريبية للأميركيين من الطبقة المتوسطة، ووعدت بأن تخفيضاتها الضريبية ستساعد “أكثر من 100 مليون أميركي” في الوقت الذي سترفع فيه الضرائب على الأغنياء والمليارديرات، وفق ما ذكرت مجلة نيوزويك.

الشراء والاقتراض والموت

في عام 2021، بعد أقل من عام من إدلاء ماسك بصوته لصالح بايدن، أقر الديمقراطيون في مجلس النواب حزمة الميزانية التي يدعمها بايدن تحت عنوان “البناء الأفضل”، التي تضمنت ضريبة إضافية بنسبة 8% على الدخول التي تزيد عن 25 مليون دولار، وفق ما ذكرت منصة إنكوالتي (inequality.org).

وفي مجلس الشيوخ، أضاف رئيس لجنة المالية رون وايدن إلى مزيج الضرائب التشريعي لعام 2021 الذي قدمه بايدن اقتراحا جديدا بفرض “ضريبة دخل المليارديرات”، والتي من شأنها أن تلزم مليارديرات البلاد بدفع ضريبة على مكاسبهم الاستثمارية عند استحقاقها.

وبعد بضعة أشهر، أعلنت إدارة بايدن عن فرض ضريبة على الأثرياء تحت اسم “ضريبة الحد الأدنى لدخل المليارديرات”.

وتهدف كل من مقترحات وايدن وبايدن إلى سد ثغرة (الشراء والاقتراض والموت buy-borrow-die) الضريبية طويلة الأمد التي تمكّن الأثرياء من الاحتفاظ بثرواتهم، من خلال تقليل ما يدفعونه من ضرائب، وهي الثغرة التي يفضلها المليارديرات، ويحسنون استغلالها، ويدافعون عنها بكل قوة.

تسمح هذه الثغرة للمليارديرات بالاحتفاظ بالأصول طوال حياتهم من دون دفع ضريبة على المكاسب والأرباح، في حين يقترضون مقابل الأصول كلما احتاجوا إلى النقود.

ويشير تاريخ ماسك في الاقتراض مقابل أسهمه في تسلا بوضوح إلى أنه يفهم مدى الربحية التي يمكن أن تكون عليها ثغرة الشراء والاقتراض والموت هذه.

وبدأ ماسك فورا في مهاجمة اقتراح السيناتور وايدن بفرض ضريبة على مكاسب استثمارات المليارديرات، محذرا متابعيه على منصة إكس من أنه بعد نفاد أموال الضرائب التي يجمعها الساسة منه ومن زملائه المليارديرات، فإنهم “سيأتون إليكم”.

واشتكى ماسك من أن الحكومة الفدرالية ببساطة تهدر قدرا كبيرا من المال، معلنا عن أنه إذا دفع ضرائب أقل، فسوف “يستخدم المال لنقل البشرية إلى المريخ”، وهو التعهد الذي قد يفسر تأكيد ماسك الأخير على أن البشرية لن تصل إلى المريخ أبدا بدون ترامب وتخفيضاته الضريبية لصالح المليارديرات.

ترامب والمريخ

ويبدو أن دعم إيلون ماسك لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 مرتبط بصورة وثيقة برغبته في تحرير القيود الحكومية بشكل كبير، خاصة في مجال استكشاف الفضاء.

وزعم ماسك في عدة مناسبات أن القيود التنظيمية المفرطة تعيق الإبداع، وتشل ما يراه تقدما نحو التحول إلى حضارة متعددة الكواكب وهو هدف أساسي لشركته، سبيس إكس.

وفي سلسلة من المنشورات على موقع إكس، أعرب ماسك عن مخاوفه بشأن تأثير “الإفراط في التنظيم” على مستقبل أميركا في الفضاء، قائلا “التصويت لترامب بمثابة التصويت للمريخ! ما لم نوقف الاختناق البطيء الناجم عن الإفراط في التنظيم الذي يحدث في أميركا، فلن نصبح أبدا حضارة متعددة الكواكب”.

يبدو أن منشورات ماسك حول هذه القضية تنبع من العقبات التنظيمية التي واجهتها (سبيس إكس) في الماضي، وتشمل هذه العقبات التأخير في الموافقات على الإطلاق والقيود التي فرضتها وكالات فدرالية مختلفة.

المصدر : وكالات
شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version