نخبة بوست – مسألة رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن إلى 300 دينار على الأقل أصبح ضرورة ملحة ولم يعد مجرد خيار، فالتحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطن الأردني تتزايد بصورة متسارعة! ووفقا لأمين عام وزارة العمل الأسبق الاستاذ حمادة أبو نجمة الذي يقدم اضاءات مميزة في هذا السياق، باتت تكلفة المعيشة للشخص الواحد بدون احتساب الإيجار تصل إلى حوالي 350 دينارا شهرياً، وعند إضافة تكلفة الإيجار، التي تتراوح بين 200 و300 دينار للشقة الصغيرة، فإن التكاليف الشهرية تصبح عبئاً كبيراً لا يمكن تغطيته بحد أدنى للأجور قدره 260 دينارا.
ومع تزايد التضخم السنوي بنسبة تتراوح بين 3 % و4 %، فإن الأجور الحالية تآكلت قوتها الشرائية منذ عام 2021 وفقا لأرقام أبو نجمة، فعلى سبيل المثال، الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارا فقد حوالي 10 % من قيمته الفعلية، الأمر الذي جعل الزيادات المقترحة مؤخراً إلى 281 دينارا غير كافية لاستعادة هذه القوة الشرائية المفقودة، حيث تعيد فقط جزءا بسيطا منها.
يضيف أبو نجمة، بأن التوصيات الدولية تؤكد على ضرورة أن يكون الحد الأدنى للأجر مساويا لنسبة 60 % من متوسط الأجور، الذي يقدر في الأردن بـ 570 دينارا للقطاعين العام والخاص. وعليه، فإن الحد الأدنى المنطقي يجب أن يكون 340 دينارا لتحقيق التوازن بين الرواتب وتكاليف المعيشة. كما تشير الإحصاءات إلى أن 24 % من الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر، وفقاً للحكومة، فيما يقدر البنك الدولي نسبة الفقر في الأردن بـ 35 %، ما يعادل حوالي 3.98 مليون شخص.
يعتمد خط الفقر الرسمي للأسر الأردنية على معطيات غير محدثة، حيث تشير التقديرات المحلية إلى أن خط الفقر للأسر يبلغ 480 دينارا شهرياً، فيما يقدره البنك الدولي بحوالي 800 دينار. مما يعني أن الكثير من الأسر الأردنية تجد صعوبة بالغة في تلبية احتياجاتها الأساسية، وهو ما يجعل رفع الحد الأدنى للأجور ضرورة لضمان استقرارها المالي.
وعلى الرغم من القلق الذي قد يثار حول تأثير رفع الحد الأدنى للأجور على الاقتصاد، فإن الدراسات (بحسب أبو نجمة) تشير إلى أن رفع الحد الأدنى إلى 300 دينار سيؤدي فقط إلى زيادة طفيفة في تكاليف الإنتاج بنسبة
1.5 %، وهي نسبة ضئيلة للغاية لن تؤثر سلباً على أرباح أصحاب العمل. بل على العكس، فإن رفع الحد الأدنى للأجور سيؤدي إلى زيادة دخل أكثر من ثلث القوى العاملة في الأردن، مما سيعزز قدرتهم الشرائية وينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي من خلال تحفيز الطلب الداخلي.
نظرياً تظهر العلاقة بين رفع الأجور وتحسن الطلب الكلي بوضوح، إذ إن زيادة الدخل المتاح للأسر ستؤدي إلى زيادة الإنفاق على السلع والخدمات. وبالتالي، سيتعزز الطلب الكلي في السوق (مع بعض الزيادة في الأسعار)، مما يساهم في تنشيط النشاط الاقتصادي، وزيادة الإنتاج، وتحفيز خلق المزيد من الوظائف. ويعني ذلك أن الزيادة في الأجور ليست فقط لفائدة العمال، بل تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي بشكل عام.
بالإضافة إلى ذلك، فالعلاقة بين رفع الأجور ومعدل البطالة تعد موضوعا مثيرا للنقاش، ففي الوقت الذي قد يخشى فيه البعض من أن زيادة الأجور ستؤدي إلى ارتفاع البطالة بسبب زيادة تكاليف العمالة، تشير الأبحاث إلى أن التأثير السلبي على سوق العمل يمكن أن يكون محدودًا، خاصة إذا تم تنفيذ الزيادة بشكل تدريجي. فزيادة الأجور يمكن أن تعزز إنتاجية العمال، مما يقلل من التكاليف المترتبة على استبدال العمالة، ويجعل الشركات أكثر قدرة على التكيف مع التغييرات في السوق.
إن رفع الحد الأدنى للأجور ليس مجرد وسيلة لتخفيف أعباء الحياة على المواطنين، بل خطوة ضرورية لإنعاش الاقتصاد الأردني وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. فهو يعزز الطلب الكلي ويساهم في خفض معدل البطالة في الامد المنظور، مما يعكس أهمية هذا الإجراء في سياق التنمية الاقتصادية المستدامة.