نخبة بوست – كتب: “المتقاعد”
أن يعلن الإخوان المسلمون ترشيح النائب صالح العرموطي لرئاسة مجلس النواب، فهذا حقهم؛ أما أن يتبارى كتّابٌ ومحللون من الإخوان أو من المتحمسين لهم، لاستدعاء تجربة القيادي الإسلامي الراحل الدكتور عبد اللطيف عربيات، ووضعها في سياق ترويج ترشّح العرموطي؛ فهذا بالتأكيد ليس من حقهم، وهو افتئات على تاريخ التجربة البرلمانية والسياسية، وتوظيف للتاريخ في غير مكانه.
المرحوم الدكتور عبد اللطيف عربيات، هو ابن الإخوان المسلمين، وابن الدولة الأردنية، وابن جهازها البيروقراطي والإداري، قبل أن يكون “ابن الإخوان”؛ قضى جلّ حياته في رعاية الدولة ومؤسساتها وتولى قبل نيابته أعلى المواقع البيروقراطية، أميناً عاماً لوزارة التربية والتعليم، أيام كان الأمين العام أهمَّ وأبقى وأكثر استمرارية وصلاحيات من الوزير.
ولما اتخذت الدولة خيار العودة إلى الديمقراطية واستعادة الحياة البرلمانية الحزبية، كان عربيات، كإخوانه، من رموز الاعتدال والحكمة في الحركة الإسلامية، من ضمن رصيد الدولة الذي تمّ استدعاؤه.
عربيات .. رجل الدولة قبل ” الإخوان”
وفي رئاسته لمجلس النواب، كان عربيات يمثل حيثية رجل الدولة قبل “رجل الإخوان”؛ وكان يدرك كلفة الموقع شعبوياً؛ وإذ خسر مقعده النيابي في المجلس التالي، كرّمته الدولة بعضوية “مجلس الملك”، وأعادت له اعتباره، الذي لم يخسره، وإن فرّط به “الإخوان”.
بقي الدكتور عربيات في مواقعه التالية في قيادة هيئات الحركة الإسلامية وفياً لتاريخه الإخواني، قابضاً على جمر ولائه الوطني، وحريصاً على مكانة الحركة الإسلامية داخل النظام السياسي الأردني وكجزء من مكوناته، لا بالضدّ منه ولا بتعمّد مناكفته واستعدائه.
وحصل أن استهوت تجاربُ أخرى قياداتٍ إخوانية عام 2006، وأعلنت أن “الحركة الإسلامية جاهزة لتسلم الحكم في الأردن”، وذهب بعضها في تحدٍّ سافر للمشاركة بحضور “عزاء الزرقاوي”، وواجهت الدولةُ عنجهيةَ القيادات الطارئة، وأوشكت الأمور أن تصل حدّ اتخاذ قرارات حاسمة. حينها، لعب الدكتور عبد اللطيف عربيات دور العقل والحكمة، ووضع إرثه ومكانته وتاريخه لتحاشي الصدام. وأخذت له الدولة خاطراً لم يأخذه الإخوان!
كان معالي الدكتور عبد اللطيف عربيات، في كل مواقفه، رجل دولة وطنياً، يُعلي المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار، وكان إخوانياً من جيل “إخوان الدولة”، واعياً ومدركاً لفضل الأردن على الإخوان، إذ منحهم الأمان وأكرمهم، وكان ملاذهم الوحيد عندما عمّ لديهم “فقه الابتلاء”.
العرموطي .. ليس عضوا في الجماعة
وعوداً إلى سعادة الأستاذ صالح العرموطي؛ الرجل المحترم، المهذب؛ فهو، أولاً، ليس عضواً في الجماعة ولا في حزبها السياسي. ولم يكن يوماً مؤثراً في قراراتها أو سياساتها. هو محامٍ ناجح، متحمس ونزيه، دعمته الحركة الإسلامية في انتخابات نقابة المحامين الأردنيين، وفي مجابهة رجل لا يقلّ صلابة ومبدئية ونزاهة، هو المحامي المرحوم الأستاذ حسين مجلي، رجل الرصانة والمواقف.
وبعد أن نال العرموطي رضا قيادات الإخوان “الجديدة” وثقتها، رشحته لعضوية مجلس النواب السابق، ودعمته، واستفادت من شعبيته وسمعته الطيبة، فكان صوتها وعصاها التي لا تعصاها، تحت القبة وخارجها.
ولكنه، في كل الحالات، بعيد عن مطبخ قرارات الجماعة، غير مؤثر في سياساتها، ولا يعرف حتى مرجعيات وآليات اتخاذ القرار الإخواني، ويتحمّس، في المقابل، لتبني القرار والدفاع عنه أكثر من “المراقب العام” نفسه.
العربيات والعرموطي .. ما الفرق !؟
الفرق بين معالي الدكتور عبد اللطيف عربيات رحمه الله، وبين سعادة الأستاذ صالح العرموطي أمدّ الله في عمره، أو أحد أبرز الفروقات بينهما، أن عربيات كان حريصاً على انتمائه الإخواني الذي أمضى فيه جلّ حياته، وعلى أن يعالج أخطاء الجماعة ويواجه بهدوئه المعروف و”على السكت” أخطاء قياداتها الطارئة.
في حين أن الأستاذ العرموطي، الذي لا تربطه رابطة تنظيمية بالجماعة ولا ينتمي إليها، يسعى بدأب للدفاع عنها ظالمة أو مظلومة، ولا يرى، وربما لا يحبّ أن يرى، أخطاءها؛ والأدهى، أنه لا يلحظ أي تناقض بين مصالح الدولة العليا وبين حسابات الإخوان التنظيمية وارتباطات قرارات الجماعة باعتبارات التنظيم الدولي.