نخبة بوست – بعد ثمانمئة عام من إتباع المذهب السني، نقل إسماعيل الصفوي إيران رسميا للمذهب الشيعي، وفي سعيهم للبحث عن مشروعية تاريخية استرجع الصفويون موقف الصحابي سلمان الفارسي الداعم آنذاك لتولي الإمام علي الخلافة بعد الرسول عليه السلام ، لا بل ووجد الصفويون في الادعاء أن أم الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين، رابع الأئمة عند الشيعة، هي شهربانو ابنة كسرى لتأكيد مشروعية المصاهرة بين الفرس والمذهب الشيعي الإمامي.

ومنذ ذلك الحين؛ القرن السادس عشر الميلادي، صار المذهب الشيعي المذهب الرسمي في إيران علما بأن الصفويين أتراكاً أذريين وليسوا فرساً. لقد كان تحول إيران إلى المذهب الشيعي الإمامي في العصر الصفوي خطوة سياسية بحتة، إذ سعى الصفويون لتثبيت اركان دولتهم تجنب التصادم مع الإمبراطورية العثمانية السنية، وخلق مبرر لوجود خليفتين للمسلمين في آن واحد، ومما يدلل على أنها خطوة سياسية بحتى أن التحويل الى المذهب الشيعي الإمامي كان بلإكراه والسيف ولم يتطوع إليه المسلمون آنذاك علما بأن الدول الإسلامية السنية قامت بهذا الإكراه في أكثر من موقع في العالم الإسلامي.

تمسكت إيران الحديثة بالمذهب الشيعي باعتباره مذهبا رسميا للدولة إلى يومنا هذا، حيث تنص المادة الثانية عشر من دستور إيران الحديث على أن “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشر، وهذه المادة تبقى مدى الدهر غير قابلة للتغيير”، كما ويعترف الدستور بالمذاهب الأخرى؛ الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي، كما يعترف بالأقليات غير المسلمة اليهودية والمسيحية والزرادشتية!

غاية القول، من الناحية النظرية السياسية فإنه لا يعيب الدولة تبني مشروع لها، بل يعيبها غياب مثل هذا المشروع، مشروع تحاول تحقيقه ذاتيا أو مع تحالفاتها الدولية المتاحة.

في العالم العربي ظنت دولنا المستقلة عن الاستعمار الغربي في المشرق والمغرب العربيين، وكذلك في الخليج العربي -الغنية منها أو الفقيرة- أن تقوقعها في دول منعزلة نجاة لها، وذهبت في تحقيق تكاملها الاقتصادي والسياسي في علاقة استراتيجية مع المستعمر الذي رحل عنها عسكريا، وبقي في تلافيفها إقتصاديا وسياسيا.

لقد ثبت اليوم بالوجه الشرعي أن التحالف مع الاستعمار هو ربط مستقبلك ووجودك مع العدم، أفهم قول المتنبي “ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ليس من صداقته بدّ”، لكن هذه الصداقة يجب أن تكون صداقة مؤقتة إلى حين امتلاك القدرة على الاستقلال والانعتاق.

أعرف أن مشاريعنا العربية السابقة لم تبنى على شعوب حية مشاركة في الحكم، ولكن ليس هنالك وقت غير مناسب لإعادة بناء مشروع دول عربية قائمة على وحدة المصالح الاقتصادية والسياسية لأوطانها.

إن العيب ليس في وجود مشروع لإيران وهي في سبيل مصالحها قد تكون جاهزة للعودة إلى المذهب السني، العيب في غياب مشروع تكاملي اقتصادي سياسي إجتماعي ثقافي عربي لا يقوم على العواطف والأمنيات بل على رؤية تكاملية قد تحفظ كيانات الدول العربية الوطنية ولكنها تأمن في تكاملها الاقتصادي والسياسي والعسكري منعة تؤهل تلك الدول لتقديم مشروع إنساني يكرس الإستقلال والحرية وحقوق الإنسان ومشاركة الشعب في الحكم وهذا ليس ببعيد إن انعقدت عليه النية جنابك.

شاركها.
Exit mobile version