* القاسم لـ “نخبة بوست”: فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية قد يزيد الوضع تعقيداً على الأونروا
لم تعد إسرائيل تكتفي بانتهاك القوانين الدولية وعدم الالتزام بها، بل تصاعدت ممارساتها لتطال المؤسسات والمنظمات الدولية والأفراد العاملين فيها؛ حيث أقرّ الكنيست الإسرائيلي مؤخراً مشروع قرار يمنع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من ممارسة نشاطاتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأغلبية 92 صوتاً مقابل 10 أصوات.
كما صادق على قانون آخر يحظر التواصل مع المنظمة، متهماً القائمين عليها بالمشاركة في الهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية.
القرار الإسرائيلي بحظر الأونروا قابله رفض عالمي لما فيه من ظلم واستبداد، ومحاولة لشَلّ عمل أكبر منظمة أممية تقدم مساعدات إنسانية للأهالي في القطاع والضفة الغربية والقدس؛ كما يعكس هذا القرار محاولة لتصفية القضية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها، ويؤكد تجاوز كل القيم الإنسانية.
صحيفة “هآرتس” العبرية نقلت عن مصدر إسرائيلي رسمي أن “اقتراحات القوانين هذه وضعت نتنياهو ووزراءه أمام مأزِق، لكنه يعرف جيدًا أن القوانين إشكالية ويمكن أن تورط إسرائيل في مواجهة مع المجتمع الدولي”
القاسم: إسرائيل تتجاوز القوانين الدولية؛ واتخاذ الأردن موقفاً أمام القضاء الدولي قد يكون صعباً
وحول الدور الأردني في مواجهة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية، قال الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إنه يجب على الحكومة الأردنية أن تطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة استصدار رأي قانوني من محكمة العدل الدولية بشأن التشريعات الإسرائيلية المتعلقة بالأونروا.
وأشار القاسم إلى أن اتخاذ الأردن موقفاً “مخاصماً” لإسرائيل أمام القضاء الدولي قد يكون صعباً، نظراً لتجاوز إسرائيل للقوانين والقرارات الدولية، وعدم التزامها بها، بالإضافة إلى دعم دول كبرى تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن وتمتلك حق النقض “الفيتو” لإسرائيل، مما قد يضعف الموقف الأردني.
فوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية قد يزيد الوضع تعقيداً على الأونروا، نظراً لموقفه الواضح خلال فترة حكمه السابقة بشأن تجفيف مصادر تمويلها والعمل على إنهاء وجودها
الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم
وفي سياق المعاملة بالمثل، من المفترض أن يعمل الأردن والدول العربية على الدفع باتجاه فرض عقوبات دبلوماسية عربية ضد إسرائيل، رداً على سحب إسرائيل الصفة الدبلوماسية عن الأونروا وإلغاء الحصانات والامتيازات التي كانت تتمتع بها.
مع ذلك، لم يبقَ الأردن مكتوف الأيدي، بل يبذل جهوده ومساعيه للتصدي للإجراءات الإسرائيلية التعسفية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهذا ما تؤكده الدبلوماسية الأردنية التي تضع ملفات الأونروا ضمن أولوياتها.
حيث قدم الأردن قرارًا لمجلس جامعة الدول العربية يفضي إلى حشد الدعم الدولي للتصدي للقوانين غير الشرعية الخطيرة؛ إذ ترتب عن هذا القرار عناصر تنفيذية وإجرائية تضمنت:
- طلب عقد جلسة خاصة للجمعية العامة بصفتها الجهة التي أصدرت قرار إنشاء الأنروا، وذلك لبحث تداعيات القوانين الإسرائيلية الخطيرة، والعمل على إصدار قرار أممي يتضمن رفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير الشرعية، ويعري الرواية الإسرائيلية الساعية إلى تشويه سمعة الوكالة.
- عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تهدف إلى إصدار قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يلزم إسرائيل بالتراجع عن قوانينها غير الشرعية.
- دعوة الجمعية العامة إلى مراجعة تجميد مشاركة إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، في اجتماعات الأمم المتحدة وفقاً لأحكام المادتين الخامسة والسادسة من الميثاق.
- مطالبة المجتمع الدولي بمواصلة تقديم الدعم السياسي والمالي للأنروا حتى يتم تلبية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض وفق القانون الدولي.
إسرائيل ليست من أنشأت الأونروا كي تقوم بحظر عملها ورفع الامتيازات والحصانات الدبلوماسية عن ممثليها
تداعيات الحظر ووقف تمويل “الأونروا” على الأردن
أما فيما يتعلق بالتأثيرات التي قد تطال الأردن في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، فإن وقف عمل الأونروا قد يعرض تشغيل 161 مدرسة تخدم أكثر من 107 آلاف طالب وطالبة في الأردن للتوقف، والأمر نفسه مع 25 مركزًا صحيًا تقدم ما يزيد على 1.6 مليون استشارة طبية سنويًا، كما تقدم دعمًا بالمساعدات النقدية لـ59 ألفًا من الفئات الأكثر ضعفًا، فضلًا عن شمول خدماتها نحو 20 ألفًا من اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من سوريا، بالإضافة إلى أن الأونروا مسؤولة عن إدارة النفايات في 10 مخيمات رسمية.

ماذا يعني حظر “الأونروا” في ظل الابادة الجماعية بغزة ؟
وفي ظل معاناة سكان قطاع غزة المنكوب؛ تأتي هذه الممارسات التي تستهدف الأونروا وموظفيها في فلسطين ضمن إطار سياسات الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ومحاولة لإنكار حق العودة وحقوق اللاجئين.
إنهاء عمل الأونروا قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل مأساوي في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال ضد الفلسطينيين، خاصة وأن الأونروا توفر خدمات حيوية تشمل الصحة والتعليم والإغاثة والمساعدات والتوظيف والاستجابة لحالات الطوارئ والإسكان، إضافة إلى أن المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزة تعتمد على دعم الأونروا.
تنص “اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها” لعام 1946 على ضمان الحصانة الدبلوماسية لعمليات الأمم المتحدة، بما فيها الأونروا، وتلزم الدول الأعضاء بتمكين المنظمة من أداء مهامها دون عوائق
تغوّل على القضاء ودعم أمريكي “لا متناهي” ..
من المتوقع أن تلجأ الدول المعترضة على قرار حظر الأونروا إلى محكمة العدل الدولية، وتقديم دعوى لإصدار حكم يلزم إسرائيل بوقف اعتداءاتها.
وفي حال امتناع إسرائيل عن الالتزام بحكم المحكمة، فإن المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تخول مجلس الأمن سلطة تنفيذ الحكم، سواء باستخدام القوة أو من خلال التسوية السلمية.
ومع ذلك، وبما أن القرار النهائي في مجلس الأمن يعتمد على الدول ذات العضوية الدائمة التي تملك حق النقض (الفيتو)، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يتم إجهاض القرار.

الاعتداءات الإسرائيلية على “الأونروا” لم تكن وليدة اللحظة
بالرغم من القرار المجحف الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي ؛ إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على وكالة الأونروا لم تكن وليدة اللحظة؛ فقد كانت المنظمة دائماً هدفاً لاعتداءات واستهدافات ممنهجة ومستمرة، إلا أن هذه الهجمات تصاعدت بشكل ملحوظ بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث قُتل أكثر من 220 موظفاً من الوكالة في غزة خلال العام الأخير.
يشار إلى ان الأونروا تأسست في كانون الأول 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعود الاتفاق الموقّع بين إسرائيل والأونروا إلى عام 1967، والذي سمح للوكالة الأممية بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتقديم خدمات متنوعة للفلسطينيين، تشمل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإغاثية.
وبالتالي، فإن الاعتداء على الأونروا يُعد اعتداءً على الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها؛ فضلا عن أن إفلات إسرائيل المتكرر والدائم من العقاب ودعم الولايات المتحدة لها اللامتناهي وغير المشروط يدفعها لارتكاب أفظع الجرائم، وهذا قد يعيد النظر في عضويتها في الأمم المتحدة.