نخبة بوست – كتب: باتر محمد علي وردم
تشكل نتائج الانتخابات الأميركية تحديا كبيرا أمام صناع السياسة في العالم العربي والشرق الأوسط في سياق صراع عسكري دموي يصل إلى حد الإبادة الجماعية واحتمالات الحرب الإقليمية الواسعة. لا شك أن فوز ترامب لم يكن مفاجئا، ولكنه الآن تحول من فرضية مثيرة للقلق إلى واقع ينبغي التعامل معه. وفي قلب العالم العربي الذي سيجد نفسه في مواجهة حساسة مع سياسات ترامب، يقع الأردن في عين العاصفة، فما هي الخيارات المتاحة؟
رد فعل الرأي العام الأردني تجاه فوز ترامب .. بين “القلق الشديد” و”عدم الاكتراث”
يتراوح رد فعل الرأي العام الأردني تجاه فوز ترامب ما بين “غير المكترث” الذي لا يرى فارقا بينه وبين هاريس، وبين من عبر عن أمله في أن يشكل فوز ترامب “سقوط أميركا إلى الهاوية”، بالرغم من عدم وضوح اي تفاصيل واقعية في هذا التوقع، وما بين من يشعر بـ “قلق شديد” في أن عودة ترامب ستمثل ضوءا أخضر للحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل لاستكمال مشروع الاستيطان والإحلال الديمغرافي في الضفة الغربية والاحتلال العسكري لغزة وتداعيات ذلك على الأردن واستقراره.
التوقعات الخاصة بمواقف ترامب تعود إلى ذكريات رئاسته الأولى وكذلك تصريحاته اثناء الحملة الانتخابية إضافة إلى السعادة المطلقة التي يعبّر عنها اليمين الإسرائيلي بالنتائج.
ولكن من الصعب الاعتقاد بأن ترامب سوف يبدأ من حيث انتهى في 2020 وبالطريقة التي تم فيها إعلان صفقة القرن والتي تبين بعدها أنها كانت فكرة فاشلة. الكثير سوف يعتمد على مقاربة ترامب الجديدة للصراع في المنطقة وعلى اختيار مستشاريه وسياسييه المسؤولين عن المنطقة.
ما هو شبه مؤكد أن ترامب لن يمارس أي ضغط على إسرائيل للتراجع عما تعتبره مكاسب حققتها في العدوان على غزة وخاصة السيطرة على الشمال، وعلى محور نتساريم ومحور فيلالفيا وتدمير البنية التحتية ومحاصرة الأونروا إلى حد الإفلاس، وهي كلها وبكل أسف مكاسب استراتيجية طويلة الأمد حتى لو أراد البعض تجاهلها بحجة إن إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة وأهمها تحرير الرهائن والقضاء على حماس.
المحور الأكثر خطورة هو الضفة الغربية؛ هل سيتبنى ترامب بشكل تام الأهداف الاستيطانية الإسرائيلية في إعادة احتلال الضفة وتهجير سكانها وفتح ساحة إبادة جديدة تشبه ما هو موجود في غزة؟ أعلن ترامب أكثر من مرة أنه يريد إنهاء الحروب في المنطقة، ولكن بالتأكيد حسب رغبات إسرائيل وليس حسب الحق الفلسطيني أو القوانين الدولية وهذا سيشكل ضغطا كبيرا على الأردن الذي قد يضطر للتعامل أمنيا وسياسيا واقتصاديا مع هجوم إسرائيلي شامل على الضفة الغربية.
جائزة ترامب الذهبية هي التطبيع الإسرائيلي – السعودي
ولكن، في ساحة موازية فإن فوز ترامب يعني إعادة إحياء الدور السعودي المهم في المنطقة ومعه الدور الإماراتي؛ جائزة ترامب الذهبية هي التطبيع الإسرائيلي-السعودي ولكن ذلك لن يحصل حسب التصريحات السعودية الرسمية إلا بوقف العدوان على غزة والمضي قدما في حل الدولتين.
مدى حرص ترامب على إرضاء السعودية سيشكل العنصر الاساسي في لجم العدوان الإسرائيلي؛ في هذا السياق من مصلحة الأردن تعميق علاقاته الاستراتيجة مع محور السعودية والإمارات للبقاء لاعبا اساسيا في المنطقة والحفاظ على مصالحه واستقراره ومبادئه في نفس الوقت.
الأردن يمتلك الخبرة والعلاقات العميقة للتعامل مع إدارة ترامب
يمتلك الأردن من الخبرة السياسية والعلاقات العميقة مع كافة عناصر السياسة الأميركية من الحزب الجمهوري ما يمكّنه من التعامل مع إدارة ترامب بالحد الأقصى من المصالح المشتركة وتقليص حالات المواجهة والخلاف. ولكن هذا لن يكون بمعزل عن سياسة إقليمية واضحة المعالم تضع مصالح الأردن واستقراره من ضمن أهدافها ولا تجعل الأردن معرّضا لدفع ثمن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي أو المغامرات غير المحسوبة من قبل لاعبين إقليميين آخرين.
4 سنوات قادمة من رئاسة ترامب وتحديات غير متوقعة
وعلى الصعيد الداخلي، ستكون المهمة ربما أكثر صعوبة في الحفاظ على مبادئ العمل الديمقراطي والتعددية السياسية والالتزام بقيم التضامن مع الشعب الفلسطيني ومواجهة المخططات الصهيونية مع الحرص على حماية الأمن والاستقرار الداخلي، وهذا ما يتطلب خطابا سياسيا منفتحا موجها نحو الداخل ويستثمر الحراك الديمقراطي الأردني في الدفاع عن مصالح الأردن مع الشركاء الدوليين وخاصة في 4 سنوات قادمة من رئاسة ترامب في البيت الأبيض التي أثبتت في المرة الأولى أنها حافلة بكل التحديات غير المتوقعة.