* دية لـ “نخبة بوست” : عودة ترامب تفتح باب التحولات الجذرية في الاقتصاد العالمي
نخبة بوست – محرر الشؤون الاقتصادية
يمثل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 نقطة تحول بارزة في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، حيث يحمل معه أجندة اقتصادية مكثفة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي، حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاديات العالمية.
ومن خلال تعهدات وسياسات تهدف إلى خفض الضرائب وزيادة دعم العملات الرقمية وتطبيق سياسة حمائية للسلع الأمريكية، يسعى ترامب لإعادة الولايات المتحدة إلى مقدمة الساحة الاقتصادية العالمية؛ غير أن هذه السياسات تُثير تساؤلات واسعة حول تداعياتها على استقرار الأسواق العالمية وأسعار العملات، وكذلك على الاقتصادات الأخرى، خاصة في ظل توجهاته لمواجهة القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين.
دية: عودة ترامب للرئاسة ستترتب عليها اتجاهات واضحة ومؤثرة على الاقتصاد العالمي
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي منير دية في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، إن عودة دونالد ترامب للرئاسة ستترتب عليها اتجاهات واضحة تؤثر على الاقتصاد العالمي، من بينها ارتفاع الدولار بنسبة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث سجل الدولار ارتفاعاً ملموساً في يوم واحد، مما يعكس التوجه الواضح نحو تعزيز قيمته.

وأضاف دية أن العملات الرقمية، مثل البيتكوين، شهدت ارتفاعاً لأعلى مستوى لها على الإطلاق متجاوزة 75,000 دولار للعملة الواحدة، حيث وصلت إلى 75,600 دولار.
ارتفاع العملات الرقمية تزامن مع إطلاق وعود ترامب بتحويل الولايات المتحدة إلى مركز عالمي للعملات المشفرة، وتقديم دعم كبير لهذه العملات على حساب العملات الورقية
وتابع دية موضحاً أن سياسات ترامب الاقتصادية تعتمد على تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات، وضخ سيولة نقدية في الأسواق، بالإضافة إلى تخفيف القيود على السياسة النقدية التي اتبعتها البنوك المركزية، خاصة البنك الفيدرالي الأمريكي، والتي أدت إلى رفع الفائدة عدة مرات لكبح التضخم بعد انتهاء ولاية ترامب في عام 2019.
تسببت هذه السياسات في تفاقم التضخم بعد انتشار أزمة كورونا، ولذلك، سياسات ترامب تعتمد على ضخ أكبر قدر ممكن من السيولة في الأسواق وتخفيض الفائدة وتخفيف القيود على السياسات النقدية
وأشار دية أيضاً إلى أن سياسات ترامب تركز على مكافحة الهجرة غير الشرعية، وإغلاق الحدود أمام المهاجرين، لتشجيع العمالة المحلية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي تقليل معدلات البطالة، مشيراً إلى أن هذا التوجه يأتي في إطار دعم القوى العاملة الأمريكية على حساب العمالة الخارجية.

وأضاف أن ترامب يتبنى سياسة اقتصادية حمائية، حيث يسعى لفرض قيود ورسوم جمركية على الواردات، خاصة من الصين، حيث يرغب في خوض حرب تجارية منذ بداية عهده.
ترامب يعتزم وضع قيود مشددة على المنتجات الأجنبية وتعزيز الصناعات والسلع الأمريكية المحلية، بما يدعم الصناعات الأمريكية على حساب الواردات الأجنبية
وتطرق دية إلى أن ترامب يدعم بشدة صناعة الوقود الأحفوري والنفط، ولا يجد في الطاقة البديلة بديلاً ملائماً، حيث يعتبر التغير المناخي “مبالغاً فيه”، ويسعى للعودة إلى دعم قطاع النفط على حساب الطاقة المتجددة، مؤكداً أن هذه السياسة تأتي في إطار تعزيز صناعة النفط الأمريكية، خاصة في ظل احتياطات الولايات المتحدة الكبيرة من النفط، مما يجعلها تتجنب المنافسة مع الصناعات المستندة إلى الطاقة البديلة.

وأردف دية قائلاً إن ترامب يسعى لتحقيق مصالح الناخب الأمريكي، خاصة بعد أن سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ ومجلس النواب، مما يعني أن الكونغرس بات تحت سيطرتهم بشقيه.
ترامب يبحث عن حرية تامة في تنفيذ سياساته الاقتصادية دون معارضة تُذكر من الديمقراطيين، مما يفسح المجال لتطبيق شعار “أمريكا أولاً” كخيار أساسي في صناعة القرار
وأكد دية أن هذه السياسات ستؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة على العديد من الدول، ومنها دول الاتحاد الأوروبي والصين، إذ قد تكون التأثيرات سلبية على تلك الدول، في حين أن بعض الدول الأخرى، مثل الأردن، قد تستفيد في بعض الجوانب، كتخفيض الفائدة والذي سينعكس إيجاباً على كلفة الدين العام على الأفراد والحكومة.
الاقتصاد العالمي يعيش في منظومة مترابطة، مما يعني أن سياسات ترامب الاقتصادية سيكون لها تأثيرات واسعة على مستوى العالم
واختتم دية حديثه بالتأكيد على أن الأردن سيتأثر بما يجري على الساحة العالمية سواء بشكل إيجابي أو سلبي، مع بعض الجوانب التي قد تشهد استفادة الأردن مثل انخفاض كلفة الدين، بينما ستكون بعض الدول مثل الصين والاتحاد الأوروبي “ضحايا” لهذه السياسات، في ظل تركيز ترامب على خدمة الاقتصاد الأمريكي كأولوية أولى، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات غير متوقعة على الاقتصاد العالمي.
“أمريكا أولاً” ولكن بأي ثمن؟
في نهاية المطاف، فإن عودة ترامب للسلطة في 2024 تفتح صفحة جديدة من التحديات الاقتصادية للعالم، حيث يحمل شعاره “أمريكا أولاً” تداعيات قد تكون بعيدة المدى على التوازن الاقتصادي الدولي.
وبينما يسعى ترامب لتقوية الاقتصاد الأمريكي، تبقى آثار سياساته على الاقتصادات الأخرى، خاصة في الدول النامية، غير واضحة وتستدعي المتابعة الدقيقة؛ فالدول حول العالم، بما فيها الأردن، قد تجد نفسها مضطرة للتأقلم مع تأثيرات سياسات ترامب على أسعار الفائدة، وتقلبات الدولار، وصعود العملات الرقمية، في سعيها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وسط هذه المتغيرات الجذرية.