نخبة بوست – المركز الفلسطيني للدراسات والأبحاث (مسارات)
لا شك أن الآثار المترتبة على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها تفرض بحث السيناريوهات المحتملة لإدارة الحكم في قطاع غزة. ولذلك، يأتي هذا التقرير الإستراتيجي في إطار المساهمة في قراءة المشهد الراهن ومآلاته في الفترة القادمة، وفي ظل قراءات متعددة تأخذ اتجاهات محددة.
سيناريوهات العدوان على غزة
يطرح التقرير ستة سيناريوهات رئيسية محتملة، مع إمكانية نشوء مسارات لسيناريوهات فرعية لبعضها، بما تتضمنه من مزايا وعيوب، ومواقف اللاعبين الأساسيين، كالأطراف الداخلية “الفلسطينية” والخارجية “الإسرائيلية والإقليمية والدولية”، وتأثيرها في كل سيناريو، وإمكانية تطبيقه أو تحقيقه، مع الأخذ بالاعتبار قدرة كل سيناريو على وقف العدوان الإسرائيلي بشكل شامل ودائم، واستعادة الحياة في قطاع غزة واستمراريتها، وفرض الأمن وتعزيز السلم الأهلي، والحيلولة دون تشكل حالة من الفوضى تدفع باتجاهها دولة الاحتلال، إضافة إلى ضمان وحدة وتكامل النظم السياسية والإدارية والاقتصادية بين الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار نظام سياسي موحد، وبناء أوسع دعم عربي وإقليمي ودولي لخيارات الفلسطينيين.
لذلك، يركز التقرير على السيناريو المفضل الذي يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته، حتى إن لم يكن تحقيقه الأكثر ترجيحًا في ضوء العوامل والمؤشرات الراهنة المؤثرة في أوزان ومسارات كل من السيناريوهات المحتملة أو الممكنة. كما يقدم التقرير خيارات سياساتية موجهة لتوفير مقومات تحقيق السيناريو المفضل.
أدّى الحصار طويل الأمد على قطاع غزة، واستمرار سيطرة دولة الاحتلال عليه – على الرغم من الانسحاب منه وإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في محيطه – وتكرار الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية عليه، إلى تدهور متواصل في مسار التنمية، وإلى أزمة إنسانية مفتوحة، في ظل استمرار فصله عن الضفة الغربية. فأمسى سكان غزة، بمن في ذلك النساء والفتيات والأشخاص ذوو الإعاقة، ضحيةً للإهمال على مختلف الصعد. وقد أصبحت عمليات التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد القطاع أكثر فتكًا مع مرور الوقت، كما يتبيّن من عمليات الإبادة والتجويع والتدمير المنهجي غير المسبوق منذ بدء العدوان الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد أفضى ذلك إلى تدهور وضع الفئات الهشّة بشكل غير مسبوق؛ ما جعلها في وضع أسوأ بكثير من النساء والفتيات والأشخاص ذوي الإعاقة في المنطقة العربية والعالم.
أعادت الحرب على قطاع غزة من جديد القضية الفلسطينية على سلم أولويات المجتمع الدولي الذي يعني زيادة إدراك الأهمية لمعالجة جذور استمرار الصراع ومسبباته، عبر السعي إلى إطلاق مسار سياسي يعيد الأمل لعملية سياسية تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، على الرغم من استمرار تمسك أطراف دولية وازنة، في مقدمتها الولايات المتحدة، بمقاربة قائمة على اشتراط إقامة هذه الدولة بعملية تفاوضية ثنائية تُمكّن إسرائيل من ممارسة الفيتو على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتجسيد الدولة المعترف بها من معظم دول العالم.
ينبغي أن يتجاوز المجتمع الدولي طريقة عمله التي حاول طوال الثلاثين عامًا الماضية الاستمرار في مفهوم فرض الاستقرار، من خلال الحلول الجزئية والانتقالية، ومنح الحكومة الإسرائيلية الاستفراد بالفلسطينيين، والولايات المتحدة التفرد بإدارة العملية السياسية من دون النظر بجدية إلى الأسس والمعايير الكفيلة بتوفير حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ما ولّد الأزمات وتكرار موجات المواجهة، وصولًا إلى الجولة الحالية التي بدأت يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين تهيئة أنفسهم، واتخاذ الإجراءات الواجبة للجهوزية الفلسطينية للبدء بالمسار القادم القائم على الكفاح متعدد الأشكال لتجسيد الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، بعيدًا عن إعادة اجترار مسار التفاوض الثنائي على الحقوق الفلسطينية التي أعاد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية تأكيد طابعها غير القابل للتصرف أو الانتقاص.
شكلت حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 منعطفًا كبيرًا في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بأبعاده العربية والدولية، وذلك بوصفها أخطر الحلقات في مخططات الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967، لا سيما من حيث الإبادة الجماعية، وتدمير البنى التحتية وجميع مقومات الحياة، وتوفير الظروف للتهجير القسري في قطاع غزة بعد خضوعه للحصار المستمر لمدة 17 عامًا، وكذلك السياسات والممارسات الإسرائيلية الرامية إلى تسريع مخططات الاستيطان والضم وتدمير البنى التحتية والاقتصادية.
عانت غزة مرارًا في الماضي من العدوان العسكري، لكن حرب الإبادة في العام 2023 لم يسبق لها مثيل، من حيث حجم الموت والدمار والمعاناة الإنسانية، وما خلّفته من تداعيات سترتدّ على الأجيال المقبلة. ولم يشـهد أي عدوان عسكري آخر في العصر الحديث مثل هذا الأثر على السـكان في مثل هـذه الفترة الزمنية القصيرة، حيث فاق عدد الضحايا في الأيام المئة الأولى من الحرب عدد الضحايا في حروب الإبادة التي شهدتها حروب الكونغو وليبيريا والبوسنة والهرسك وسيراليون.
ستؤثر الحرب على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والمآلات السياسية في المستقبل، كما أنها تتسع لتشمل “جبهات الإسناد”، في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتهدد بمزيد من الصراعات العنيفة واتساع نطاقها الجغرافي بشكل يؤثر في مستقبل الشرق الأوسط بشكل عام، ومستقبل القضية الفلسطينية بشكل خاص، من دون أن تنجو إسرائيل ذاتها من هذه التأثيرات. وتبقى التقديرات في هذه المرحلة مبدئية، فالمعطيات والتداعيات قد تتعدد لدرجة لا يمكن لنموذج استيعابها بدقة وبطريقة شاملة ليصل إلى سيناريو وحيد محدد.
يأتي هذا التقرير، الذي جرى العمل لإنجازه خلال المدة (كانون الأول/ ديسمبر 2023 – أيلول/ سبتمبر 2024)؛ بهدف استشراف سيناريوهات آثار العدوان على قطاع غزة، وتداعيات السيناريوهات (الممكنة والمحتملة والمفضلة) على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى شكل الإطار السياسي الذي سيكون في المستقبل. وقد استخدم فريق العمل مناهج وأدوات الدراسات المستقبلية المتعددة لزيادة درجة اليقين في النتائج. وخلص إلى أن السيناريو المفضل يتمثل في تشكيل حكومة إنقاذ/ طوارئ وطنية انتقالية يتم التوافق الوطني على شكلها وبنيتها وصلاحياتها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
“نخبة بوست” تنشر التقرير كاملا ضمن الملف المرفق هنا: