نخبة بوست – استعادت الباقورة والغمر إلى حضن الوطن الأردني وفرض سيادة الدولة الأردنية عليهما من براثن احتلال الثكنة العسكرية الإسرائيلية، حدث واجب على كل أردني عدم المرور عنه مرور الكرام، لما يحمله ويمثله هذا الحدث من رمزية ورسائل سياسية وحقائق تاريخية، ليس للأجيال الأردنية الماضية فقط، بل للأجيال الحاضرة والمستقبلية.
لعل الباقورة والغمر كغيرها من الأراضي والقرى الأردنية اللواتي لا يعرف أسمائها الكثير من جيل الشباب الأردني الحالي وجيل المسؤولين الأردنيين الحاليين، لكن يحتم علينا اليوم أن نكتب ونقول إن عودة العلم الأردني فوق سارية أراضي الباقورة والغمر قصة تستحق أن تتضمنها مناهجنا الدراسية، ومادة في مساق الثقافة السياسية والعسكرية، وليعلموا أن هذا التحرير جاء ثمرة نضال وصبر وصراع عسكري سياسي مرير منذ بداية نشوء الكيان الإسرائيلي، والصراع معه، هو ثمرة إصرار على استرجاع وتحرير الأرض المحتلة دون التفريط بشبر كما أعلنها الملك عبد الله الثاني بن الحسين عند إعلانه في العاشر من تشرين الثاني 2019 (في الدورة العادية لمجلس النواب 19)، الانتهاء وإلغاء العمل بملحقي اتفاقية وادي عربة 1/ب 1/ج الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر وفرض سيادتنا الوطنية الأردنية كاملة على كل شبر فيهما، وهذا الإعلان الذي جاء بمثابة رد قوي على حكومة الثكنة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وما يصدر عنها من تهديدات والتلويح بفزاعات الوطن البديل، وأن هذه الحكومة أصبحت لا تمثل طرفًا في السلام الذي كلنا نناضل لأجله ولأنه النتيجة العادلة للقضية الفلسطينية وحق لشعبها بعد هذه التضحية وللأردن بعد طول حالة عدم الاستقرار وحرمانه من مشاريع النهضة والتنمية، هذا اليمين الديني الصهيوني المتطرف أصبح خطرًا وحان الأوان من استبداله.
اتفاقية وادي عربة لمن يطالب بإسقاطها، عليهم أن يعرفوا وإذا كانوا يعرفون، عليهم أن يعترفوا ويطلعوا الناس أن الوفد المفاوض الأردني أظهر شجاعة وبسالة ومهنية وطنية في الدفاع وعدم التخلي عن أي من الحقوق الأردنية لا في الأرض ولا في الماء ولا السماء، وما هي إلا شجاعة وبسالة استمدت من إرث وميراث شرف الميادين في مؤتة واليرموك واللطرون وباب الواد والكرامة في شهادة على عمق تاريخ اشتباك التوأمين الأردني والفلسطيني مع هذه الثكنة الصهيونية على طريق تحرير الأرض والإنسان.
وادي عربة اتفاقية سياسية كانت رؤية هاشمية للسلام في المنطقة العربية ذات أبعاد أمنية وقعها الأردن ليس لحاجة اقتصادية أو فتح مجالات التطبيع الشعبية وعلاقات التبادل التجارية، إنما لحماية السيادة ووحدة الأراضي الأردنية حيث وضعت حدا وشكلت سدا لأطماع الثكنة العسكرية الإسرائيلية التوسعية، وبوابة لدعم وإسناد الشعب الفلسطيني والإسهام في توضيح حدودنا الجغرافية التي كانت لا يعترف بها الكيان ولا يذكرها أو يعرف مفرداتها التي لا توجد في قاموس نظامه السياسي لأن الكيان لا دستور ولا حدود له، وما محاولة بعض وزراء حكومته الحالية من المتطرفين اليمينيين الدينيين بالاستمرار بإنكار هذه الحدود والتطاول إلى ما هو أبعد من ذلك بنسف الوجود الأردني إلا دليل واضح على هذا الهوس الأهوج، ذلك الوجود الذي عززه صمود الشعب الفلسطيني وحرم الكيان من فكرة يهودية الدولة، وصمود شعبنا الأردني ودعم وتأييد قيادته باسترداد أرضه، في رد مفاده، أننا لا نفرط بشبر من وطننا فكيف إذا ما شعرنا بتهديد لأمن دولتنا فإننا لن نكون إلا رصاصة في جبين ذلك الكيان.
ذكرى استعادة الباقورة والغمر جسدت وشكلت أيقونة لنموذج النضال السياسي والعسكري وعبقرية التأليف والتوليف والتوفيق بينهما وحسن التوقيت واختيار الوقت في استخدامهما وترويض العقبات في وجههما للوصول إلى الأهداف المرجوة واستعادة الحقوق المشروعة، الأمر الذي يوصلنا إلى نتيجة أو خلاصة للاستفادة من تجربة استعادة الباقورة والغمر هو أن إخضاع المعركة والصراع العربي الإسرائيلي للمعادلة الصفرية في الظروف والمعطيات الحالية صعب، وإذا علمنا أن المعادلة الصفرية تعني منتصرًا أو خاسرًا، لكن علينا أن نبقى طرفًا صعبًا فيها، وهذا يتحقق بمدى صلابة صمودنا وقوة جبهتنا الداخلية ومستوى وعينا السياسي، والإعداد الاستراتيجي المناسب للتعامل مع كل حالة وحدث مرحلي بما يناسبه سياسيًا أو عسكريًا أو كلاهما، والصبر إلى أن تتهيأ المناخات الملائمة لتحسين مكانك وموقعك داخل معركة الصمود والصبر والتحرير.
لأختم هذه المقالة من مأثور أمثالنا وحكاياتنا الشعبية (الصبر زين وله جميلان: صبر جميل وحق وافي) و(أبيات للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد: أن مخرزًا نُسي تحت الحمولة على ظهر جمل..
قالوا وظل.. ولم تشعر به الإبل
يمشي، وحاديه يحدو.. وهو يحتمل..
ومخرز الموت في جنبيه ينشتل
حتى أناخ بباب الدار إذ وصلوا
وعندما أبصروا فيض الدما جفلوا
يا صبر أيوب، لا ثوب فنخلعه
إن ضاق عنا.. ولا دار فننتقل
لكنه وطن، أدنى مكارمه
يا صبر أيوب، أنا فيه نكتمل
وأنه غرة الأوطان أجمعها
فأين عن غرة الأوطان نرتحل؟!)