لا يمكن للمتابع إلا أن يتوقع أن وجود أعضاء حزب جبهة العمل الاسلامي في مجلس النواب الجديد بهذا العدد هو فرصة تاريخية غير مسبوقة لهم؛ إما بالمطالبة أو عقد صفقات لفتح ملفات كانت مغلقة؛ حتى كادت أن تصبح في “طيّ النسيان”؛ باعتبار حلها هو أحد معايير نجاح الحركة الإسلامية في أهم تجربة نيابية لها عبر التاريخ.
وفي ظل ترقب الشارع الأردني لآداء “الإخوان” تحت قبة البرلمان تعود إلى الواجهة الملفات الراكدة منذ سنوات والتي تلامس مطالبهم التاريخية أو المستحدثة؛ منها ما يخصهم مباشرة كحزب، ومنها ما يتعلق بمواقفهم الشعبية ومنعا لمحاسبتهم لاحقا على عدم فتحها، والتي في مقدمتها:
جمعية المركز الإسلامي
السقا: ملف الجمعية وطني بامتياز ..
وضمن إطار تعليقه على هذه القضية، قال أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي المهندس وائل السقا، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن هذا الملف وطني بامتياز، حيث قدمت هذه الجمعية يد العون والمساعدة والخدمة لمئات الآلاف من الأردنيين، وقد وضع أيضًا مئات الآلاف من الأردنيين ثقتهم وأموالهم في هذه الجمعية الخيرية التي كانت عنوانًا للنجاح والتميز؛ بحسب قوله.
وأضاف السقا أن الأجهزة الرسمية الحكومية ما زالت تماطل في تطبيق القانون الذي برأ القائمين على الجمعية من التهم المسندة إليهم، وما زالت وزارة التنمية الاجتماعية تعين الهيئة المشرفة والإدارية المؤقتة، واصفًا إياها أنها تمارس التغول على الهيئة العامة التي تم تغيير بنيتها وتشكيلها عبر هذه السنوات، والتي ثبت بعد ذلك عدم صحة التوجه الرسمي في اتهام القائمين عليها.
وتابع السقا حديثه، إن هذا كله أدى لتراجع العمل داخل الجمعية وأذرعها، وتراجع الخدمات وحجمها ونوعيتها، والإضرار بالجمعية وسمعتها وأدائها في استهداف مباشر لكل قوى العمل المجتمعي التي تقدم الخير والعون للمجتمع، علاوةً على أنه لغاية هذه اللحظة، لم تجرِ انتخابات حسب القانون، واصفًا هذه الإجراءات بـ “المخالفة للقانون.”
هذه التصريحات لم تعطنا، ولو حتى طرف الخيط، لمعرفة كيف سيتمثل موقف الإخوان المسلمين تجاه قضية جمعية المركز الإسلامي، لا سيما أن الحكم الفاصل بينهم وبين الحكومة هو “القانون”، ولا سلطة للإخوان هنا وإن كان لديهم وجود نيابي، وهذا قد ينذر بأن تبقى هذه القضية “عالقة”.
العبادي: محاولات “الإخوان” لإعادة الجمعية “لن تنجح”
من جانبه، توقع الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور صلاح العبّادي أن تسعى جماعة الإخوان المسلمين للضغط على الحكومة من خلال نواب حزب جبهة العمل الإسلامي لاستعادة جمعية المركز الإسلامي لتكون تحت “عباءة” الجماعة، مؤكدا أن هذه المحاولات “لن تنجح” لأن قرار ملف الجمعية مرتبط بجانب قضائي.
ولفت العبّادي إلى أهمية “جمعية المركز الإسلامي”، باعتبارها كانت تلعب دورًا مهمًا ومفصليًا في حقبة من مراحل تطور جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لاسيما أن بداية عملهم كان من خلال النشاط الخيري والدعوي، بعيدًا عن الجانب السياسي، حتى تطور الأمر في العقود الأخيرة لممارسة العمل السياسي.
وأشار العبّادي إلى أن أهمية جمعية المركز الإسلامي بالنسبة للجماعة تكمن في أنها تمتلك أصولًا مالية ضخمة، تتمثل في المستشفى الإسلامي بفرعيه في عمّان والعقبة، ومدارس، وأصول مالية كبيرة، بالإضافة إلى فروع الجمعية المنتشرة في العديد من محافظات المملكة.
ورأى العبّادي أن ملف جمعية المركز الإسلامي يجب أن يبقى في معزل عن الجماعة لخدمة الصالح العام، مشيرًا إلى الدور الخيري الكبير الذي تقوم به الجمعية لمساعدة الأسر الفقيرة والعفيفة من خلال تقديم مساعدات مالية لفئة كبيرة من المجتمع. وبالتالي، فإن مصلحة المستفيدين من الجمعية، من الفقراء والأيتام والطلبة الذين يلتحقون بالمدارس التي تملكها الجمعية، تتطلب أن تبقى الجمعية بعيدة عن جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يكون لهم أي دور في إدارة ملفها.
الاتفاقيات مع إسرائيل
أعادت عملية “طوفان الأقصى” الشعبية والنيابية بإلغاء أي اتفاقيات تجارية مع العدو الإسرائيلي إضافة إلى اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية “وادي عربة”، وهذه المطالب هي مطالب دائمة للمعارضة الأردنية، وتزداد حدتها عند أي تحرك في الساحة الفلسطينية.
فيما يتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية مع العدو الاسرائيلي (كتصدير الفواكة و الخضار لإسرائيل واتفاقيات الماء والكهرباء و الغاز) التي أثيرت في الآونة الأخيرة امتعاضات شعبية حولها وخاصة مع دخول السابع من أكتوبر.
يبقى السؤال الذي يطرح هنا هو: كيف سيتعامل المجلس القادم مع هذه الاتفاقيات وخاصة أنه في عام 2019، خصوصا في ظل وجود قرار سابق للمحكمة الدستورية يقضي بأن هذه الاتفاقيات لا تتطلب موافقة مجلس الأمة بشقيه (النواب والأعيان) كون الاتفاقية وقعت بين “شركتين لا حكومتين.”
السقا: أي علاقة مع الكيان من وجهة نظر الحزب مرفوضة
من هنا يقول السقا، إن الكيان الصهيوني في نظر جبهة العمل الإسلامي هو العدو الرئيسي للأمة العربية والإسلامية، وإن صراعنا معه هو صراع وجود وليس صراع حدود.
وبالتالي، فإن أي علاقة مع هذا الكيان من وجهة نظر الحزب مرفوضة، سواء كانت على شكل تطبيع أو علاقة دبلوماسية أو اتفاقيات.
وأوضح السقا بأن معاهدة السلام (التي صوت ضدها نواب حزب جبهة العمل الإسلامي في مجلس النواب) واتفاقية الغاز وتصدير الخضار والفواكه إلى الكيان “مرفوضة”، وتابع قوله: نحن مع إلغائها جميعًا ومع مقاطعة الكيان الصهيوني مطلقًا.
العبادي للإخوان: مسؤولياتكم كبيرة للوقوف إلى جانب الوطن بعيدًا عن أي حسابات أخرى
من جانبه، وفيما يتعلق بمعاهدة السلام والاتفاقيات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أشار العبّادي إلى الموقف السياسي المتقدم للدولة الأردنية، والذي يتقدم كثيرًا على الموقف الشعبي، خصوصًا وأن الحكومة كانت واضحة منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر.
ونوه إلى أن معاهدة السلام عندما وُقعت كانت من أجل مصالح الشعب الفلسطيني، وضمان تنقل الفلسطينيين بين البلدين بسهولة ويسر، خصوصًا الذين يقصدون المملكة للعلاج أو زيارة أقاربهم، عدا عن ضمان إيصال المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني والإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفيما يتعلق بموضوع تصدير الخضار والفواكه إلى إسرائيل، لفت العبّادي إلى قرار وزارة الزراعة الأردنية الذي أوقف التصدير إلى إسرائيل، رغم الضغوطات التي حاول البعض ممارستها من أجل إعادة فتح التصدير، لكن الحكومة رفضت كل هذه الضغوطات، في إطار نظرتها الموضوعية.
وعوّل الدكتور العبّادي على أعضاء الحزب في مجلس النواب الحالي مسؤوليات كبيرة للوقوف إلى جانب الوطن والقرارات السياسية التي تنحاز إلى مصلحة الوطن، بعيدًا عن أي حسابات أخرى.
نقابة المعلمين
وضمن الحديث حول ملف نقابة المعلمين، إن ما يعيد ملف نقابة المعلمين للساحة اليوم هو اختيار مصطفى الرواشدة وزيرًا للثقافة في حكومة جعفر حسان، والذي كان نقيبًا للمعلمين عام 2012، في المقابل، نجح نقيب المعلمين الأسبق ناصر النواصرة بعضوية مجلس النواب في المجلس الحالي “العشرين”، بالاضافة الى ابراهيم الحميدي وهدى العتوم العضوين السابقين في مجلس نقابة المعلمين
وبهذا، تكون نقابة المعلمين الأردنيين قد صدرت شخصيات مؤثرة في قضية نقابة المعلمين إلى ساحة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ليتواجها معًا.
إذ كان الرواشدة دائمًا ما يؤكد على رفضه لوجود أي تيارات داخل نقابة المعلمين، فيما يعتبر النواصرة محسوبًا على (جماعة إخوان المسلمين) وقائدًا لإضراب المعلمين الأخير، وهذا يطرح تساؤلات بشأن عودة نقابة المعلمين وإعادة مزاولة نشاطها بعد قرار إغلاقها في يوليو 2020 وحل مجلس إدارتها من قبل المدعي العام، لغاية هذه اللحظة، رغم أن قرار المحكمة النهائي في يونيو 2022 يفضي إلى إعادة فتح النقابة.
السقا: لم تجر انتخابات لنقابة المعلمين رغم حصولهم على حكم قضائي
وعلى صعيد متصل، طالب السقا، بإنفاذ القرار القضائي وإجراء انتخابات نقابة المعلمين لتقوم بخدمة منتسبيها والوطن، مشيرًا إلى المادة (16) فقرة 2 من الدستور الأردني والتي تنص: “أن للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور“.
وتابع السقا أن نقابة المعلمين مؤلفة وفق أحكام الدستور، ولا يجوز منع هذا الحق أو تقييده. وقد أخذت نقابة المعلمين حكمًا قضائيًا بإعادة انتخاب مجلسها حسب القانون، ولم تقم السلطة التنفيذية بإجراء هذه الانتخابات، واصفًا الإجراءات بالمخالفة “لأحكام الدستور”.
العبادي: ملف نقابة المعلمين متعلق بقرار قضائي
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور صلاح العبّادي إن جماعة إخوان المسلمين قد تسعى، ومن خلال حزبها السياسي، لفتح العديد من الملفات المهمة، والتي في مقدمتها نقابة المعلمين، رغم أن ملف النقابة متعلق بقرار قضائي، لكن الجماعة ستسعى إلى إثارته تحت قبة البرلمان من خلال نوابها.
فالإخوان ما زالوا ينتظرون تنفيذ القرار القضائي الذي يفضي إلى إعادة فتح النقابة وتسهيل انتخاب لجنة مؤقتة لاستعادة دورها الحيوي في خدمة المعلمين في المملكة.
ذوقان: مشكلة الأخوان مع الحكومة ليست النقابة ولا البرلمان إنما المناهج
“بدوره، قال الخبير التربوي د. ذوقان عبيدات إن الحكومة خاضت تجربة سابقة بإعطاء الإخوان نقابة المعلمين ولن تكررها لسببين: فقدان الثقة الشعبية في الحكومة، والسبب الثاني: لا تستطيع الحكومة تلبية مطالب المعلمين.”
“وتابع عبيدات أن إخوان المسلمين كسبوا مجدًا كبيرًا من دخولهم للنقابة، فالنقابة هي التي دعمت إخوان المسلمين وليس العكس، على حد قوله.”
“وأفاد ذوقان بأن الحكومة لن تسمح للإخوان بالسيطرة على نقابة المعلمين ‘حتى لو بعد حين’، والمشكلة، وفقًا لذوقان، هي مشكلة المعلم.”
“وتابع ذوقان حديثه بالقول إن المعلمين يمكن السيطرة عليهم من قبل الإخوان المسلمين إذا اتفق الطرفان في مسألة النقابة، لكن لا تستطيع الحكومة مجاراة أحد في مسألة النقابة.”
“أما في حال إجراء انتخابات نقابة المعلمين، أشار ذوقان بأن الإخوان سيفوزون بالانتخابات ‘بشكل كاسح’؛ نظرًا لكون المجتمع الأردني متأثرًا كثيرًا بالتفكير الإسلامي والإخواني، وهذا التفكير له سببان: الأول أن الدين يسيطر على عقول المسلمين، وهذا حق، والثاني أن الحكومة ليس لها دعم في صفوف أحد، حتى الأحزاب التي أنشأتها الحكومة لا تستطيع دعمها إن تأمنت بـ 20 صوتًا من أصوات المعلمين.”
“وقال ذوقان إن النقابة مهمة للإخوان أكثر من البرلمان، مضيفًا إلا انه من أهم مشكلات الإخوان مع الحكومة هي “قضية المناهج”، فالإخوان غير راضين عن المناهج الحديثة إطلاقًا، يريدون العودة إلى مناهج القرن الخامس عشر والسادس عشر، ولا يريدون الفن والموسيقى أو الحديث عن نماذج أردنية فنية.”
ووفقًا لحديثه، أشار ذوقان بأن الإخوان لديهم هدف أسمى يريدون تحقيقه، يتمثل في الوصول إلى حل مع الحكومة يتمثل في المناهج أولًا، والتعليم ثانيًا، ثم النقابة.
إذ بين ذوقان أن الإخوان المسلمين يمكنهم التنازل عن نقابة المعلمين في سبيل تسلمهم المركز الوطني للمناهج، وهم لديهم نفوذ كبير في المركز الوطني للمناهج، وخاصة في اختيارهم لتأليف المناهج.
وبدوره انتقد ذوقان العاملين في المناهج قائلًا: إن جهل الحكومة في أمور المناهج جعلها تسلم المناهج لأشخاص لا فكر لهم ولا ثقافة ولا معرفة فنية في المناهج، وأقصد العاملين في المركز الوطني للمناهج، ولا أقصد المجلس الأعلى للمناهج، لأنه لا يوجد فيهم أحد قادر على أن يضع منهجًا حداثيًا أو يدافع عن منهج. “ولو أعطوا المناهج للإخوان المسلمين رح نخسر كثير.’
وفي الختام، يبقى السؤال الأهم: من هو (على الشجرة) اليوم؛ الحكومة أم الإخوان المسلمون؟ فالملفات أعلاه هي ملفات مصيرية للطرفين؛ لا تملك الحكومة أن تتنازل عن أي ملف منها، ولا يملك الإخوان التنازل عن أي واحد منها، ليكون المشهد تصعيديًا كلما تم ذكر أي منها.
ويبقى السؤال عن قدرة الحركة الإسلامية على التحالف مع المستقلين للوصول إلى الثلث المعطّل، بما يمنحها مساحة أوسع للمناورة في الشعارات العامة لصالح القضايا الحزبية الرئيسية، ذات العلاقة بالمال الحزبي والنفوذ الميداني؛ وبما يحقق مكاسب شعبية تؤسس للانتخابات المقبلة أمام جمهورها كإنجازات، وليس توزيع الحجج بعدم القدرة على التنفيذ.”