نخبة بوست – سبل أبو رمان

مع تصاعد الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطنين في الأردن، شهدت الأسواق موجةً متزايدة من الارتفاعات في أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها منتجات الألبان، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الاحتياجات اليومية للعائلات؛ وجاءت هذه الارتفاعات السابقة لتشمل منتجات الألبان والأجبان بنسبة تجاوزت 20%، مما دفع الشارع الأردني للتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذه القفزة السعرية المفاجئة.

ووسط هذه التطورات، برز دور الشركات الأجنبية التي دخلت بقوة إلى السوق المحلي من خلال استحواذها على عدد من الصناعات الوطنية الرئيسية، مثل استحواذ شركة “المراعي” السعودية على شركة “حمودة” الأردنية، في صفقة ضخمة تُقدر بنحو 263 مليون ريال سعودي، ما يعكس اهتمامًا إقليميًا متزايدًا بقطاع الصناعات الغذائية في الأردن.

هل تسيطر الشركات الأجنبية على أسعار الألبان في الأردن؟
تعبرية – زجاجات الحليب على خط الإنتاج في أحد المصانع

وتتداخل عدة عوامل اقتصادية محلية وعالمية في تعقيد مشهد الأسعار، بدءًا من ارتفاع تكاليف الإنتاج العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة والنقل، وصولًا إلى التأثيرات غير المباشرة التي قد تفرضها الشركات الكبرى المستحوذة على السوق المحلي، مما قد يعزز من سيطرتها ويترك المستهلكين في مواجهة أسعار تفوق قدرتهم الشرائية.

وهنا يبرز التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على تحقيق توازن بين فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية التي تساهم في نمو القطاع وتوفير فرص عمل، وبين ضمان استقرار الأسعار وحماية حقوق المستهلك، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون.

ومن هذا المنطلق، تصبح الحاجة ملحّة لتطوير سياسات رقابية واضحة على أسعار السلع الأساسية في قطاع الصناعات الغذائية، لضمان توافر المنتجات الأساسية بأسعار عادلة، وعدم ترك المواطن ضحية للتنافس التجاري الذي تفرضه ديناميكيات السوق المفتوح.

سيف: تعزيز الأمن الغذائي أولوية قصوى

وفي هذا الصدد، بيّن الوزير الأسبق د. خالد سيف، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الأمن الغذائي الوطني كان يمثل أولوية قصوى، وزادت أهمية تعزيزه بشكل ملحوظ بعد جائحة كورونا، وهو ما ركز عليه جلالة الملك مرارًا في توجيهاته.

كما أوضح سيف أن القطاع الخاص لعب دور المحرك الأساسي للأمن الغذائي، وكان من الضروري حماية مقدرات الوطن في هذا القطاع، وتطوير صناعات الأغذية والزراعة، مع الحرص على تقديم الدعم اللازم لهذه القطاعات بكل السبل الممكنة.

تبلغ الضريبة العامة المفروضة على مبيعات منتجات الألبان؛ من اللبن واللبنة والأجبان البيضاء والمطبوخة 10% في عام 2019

وأشار إلى أن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي للفترة 2021-2030 جاءت لتعكس مدى أهمية هذا الملف والفرص المتاحة، حيث وُجدت فرص استثمارية واعدة في قطاع الأغذية؛ تشكل إغراءً للاستثمار الأجنبي، بشرط الالتزام بضوابط تحمي المستثمر الأردني وتراعي قوانين المنافسة، لتجنب تبعات التركز الاقتصادي.

قطاع صناعة الأغذية في الأردن واجه تحديات كبيرة، منها ارتفاع تكاليف التشغيل وفاتورة الطاقة العالية، إضافة إلى تأثير ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد العالمية، مما زاد من العبء على المصانع والمنشآت الغذائية

وطالب بإعادة النظر في الأعباء الضريبية والجمركية على هذا القطاع؛ بما يسهم في دعمه وتحقيق نمو مستدام، يمكّن هذه الشركات من تحقيق الأرباح وتوفير فرص عمل للشباب الأردني.

وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، أعرب سيف عن ترحيب الأردنيين الدائم بالاستثمار الأجنبي، وسعيهم لجعل الأردن وجهة جاذبة للاستثمارات التي تدعم الاقتصاد الوطني.

وأكد على أن تحقيق ذلك يتطلب إعادة النظر في قوانين الاستثمار، خاصة مع تزايد المنافسة الإقليمية على استقطاب الاستثمارات، لاسيما في قطاع الأغذية.

الحاجة إلى استراتيجية وطنية للأمن الغذائي كانت ملحة، حيث شكل إعداد وتنفيذ هذه الاستراتيجية تحدياً وفرصة في آن واحد، ليس فقط للحكومة الأردنية، بل أيضًا للشركاء المحليين والدوليين الذين دعموا الأردن في بناء قدرته على مواجهة الأزمات ووقف التباطؤ الاقتصادي

وعلق على أن الأمن الغذائي كان شرطاً أساسياً لتحقيق الأمن الإنساني والوطني، وساهمت هذه الاستراتيجية في تحقيق النمو والاستقرار، وعززت مكانة الأردن كمركز للاستقرار والسلام في الإقليم.

وفي ختام حديثه، أعرب سيف عن أهمية وضع خطط لإنقاذ الشركات الوطنية ومصانع الأغذية التي واجهت ضائقة مالية، من خلال ضخ استثمارات ذكية عبر البنوك المحلية أو القطاع العام؛ للحفاظ على هذه العلامات التجارية العريقة وضمان استمرارها عبر الأجيال، ودعمها ببرامج تسهيلات ضريبية وجمركية لتحقيق استدامتها.

دية: المواد الغذائية الأساسية ليست تحت “رحمة” السوق وحده

وفي نفس السياق، أوضح الخبير الاقتصادي منير دية، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، بأن التصنيع الغذائي، وخاصة المواد الغذائية الأساسية مثل الألبان والأجبان التي تدخل في حياة المواطن اليومية، تعتبر من الأساسيات التي يجب أن تخضع لمعادلات تصنيع واضحة، بحيث تكون الكلف محددة بشكل دقيق.

ويرى أنه من الضروري تحديد سقوف سعرية لهذه المواد لضمان عدم تركها لأهواء ورغبات الشركات أو المستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب؛ إذ أن هذه السلع ترتبط مباشرة بقوت المواطن اليومي وتعد جزءاً أساسياً من الأمن الغذائي.

عملية تعبئة الحليب في الزجاجات داخل مصنع الألبان، ضمن سلسلة الإنتاج لضمان تزويد الأسواق بمنتجات طازجة

وأكد دية على أن السعر يجب أن يعتمد على معادلات تصنيع وكلف واضحة، وبالتالي فإن تحديد سقوف سعرية واضحة أمرٌ بالغ الأهمية.

كما يجب على الحكومة أن تتولى مسؤولية الرقابة الصارمة على هذه المنتجات الغذائية الأساسية لحماية المواطن من التلاعب في الأسعار أو تحقيق أرباح مبالغ فيها من قِبل المستثمرين

وأشار إلى أنه من غير المقبول ترك المواد الغذائية الأساسية التي تمس حياة المواطن وقوته اليومي تحت رحمة السوق وحده، سواء كانت تنتج من مصانع محلية أو أجنبية؛ ومن الضروري أن تكون هذه السلع خاضعة لرقابة حكومية تضمن وضوح معادلات التصنيع والكلف والأرباح، بما يحقق مصلحة المستثمر.

في الوقت نفسه يحافظ على توافر السلع بأسعار تتناسب مع قدرات المواطن الشرائية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة

وأضاف دية بأن الاستقرار في رواتب المواطنين وتراجع الدخول إلى جانب الارتفاعات المعيشية تشكل ضغوطاً اقتصادية إضافية؛ ما يجعل من الضروري وضع رقابة مشددة على السلع الأساسية التي تدخل في حياة المواطن اليومي، وعدم تركها دون متابعة أو رقابة حكومية.

كما لفت دية إلى أهمية تسهيل الإجراءات وتقديم دعم للمستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، وذلك عبر تخفيض التكاليف التشغيلية المرتبطة بالطاقة، المياه، الضرائب، الرسوم وغيرها.

هذا التخفيض من شأنه الحد من الزيادات المحتملة في أسعار المواد الأساسية وتجنب تأثير التضخم الذي بات المواطن عاجزاً عن تحمله

واختتم دية بأنه على الرغم من كون السوق الحر جزءاً من السياسة الاقتصادية، إلا أن المواد الغذائية الأساسية، التي تمس الأمن الغذائي والمعيشي، تتطلب رقابة حكومية لضمان عدم استغلال المواطن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأكد على ضرورة وضوح الأسعار وتحديدها، بما يلبي احتياجات المواطن من جهة، ويضمن أيضاً عدم المبالغة في الأسعار بهدف تحقيق أرباح زائدة من جهة أخرى.

هل تستطيع السياسات الرقابية إنقاذ السوق الأردني من تقلبات الأسعار؟

وفي ضوء الارتفاعات المتسارعة في أسعار السلع الأساسية، يبقى التساؤل معلقاً حول مستقبل الأمن الغذائي ومدى قدرة السياسات الرقابية على كبح جموح الأسعار وضمان توافر السلع للمواطنين بأسعار مقبولة؛ فبينما تبرز أهمية الاستثمار الأجنبي ودوره في تحفيز الاقتصاد، يبقى التحدي في كيفية تحقيق توازنٍ دقيق بين تشجيع هذه الاستثمارات وحماية المستهلك من تداعيات السوق الحر، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version