نخبة بوست – مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة لفترة جديدة، تتجه الأنظار إلى رؤيته الاقتصادية التي تتسم بمزيج من الإجراءات الضريبية والجمارك والسياسات النقدية التي تسعى لتحقيق نمو اقتصادي داخلي وتحسين أوضاع المواطنين الأمريكيين. نحاول في هذا المقال استعراض أبرز معالم هذه السياسات، مع تحليل نقاط القوة والضعف فيها، وتقييم تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، خصوصاً الاقتصاد الأردني.

من أبرز معالم السياسات الاقتصادية، أولا، التخفيضات الضريبية، حيث يسعى ترامب لتمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها في قانون تخفيضات الضرائب لعام 2017، والتي تشمل تخفيض معدلات ضرائب الأفراد والشركات، وزيادة الإعفاءات الضريبية. بالإضافة إلى ذلك، يخطط لإلغاء سقف خصومات الضرائب على مستوى الولايات والمحليات وتخفيض معدل الضريبة على الشركات إلى 15% للشركات المصنعة داخل الولايات المتحدة.

ثانياً، إلغاء ضرائب مختارة، حيث تشمل خططه إلغاء الضرائب الفيدرالية على الإكراميات، والمزايا الاجتماعية، والعمل الإضافي. رغم أن هذه السياسات قد تخفف الأعباء الضريبية، إلا أنها قد تؤثر سلباً على تمويل برامج الضمان الاجتماعي. ثالثاً، زيادة الرسوم الجمركية، فمن أهم مقترحاته فرض رسوم جمركية تصل إلى 20% على الواردات بشكل عام، ورسوم تصل إلى 60% على الواردات الصينية. يهدف ذلك إلى تعزيز التصنيع المحلي وتقليل العجز التجاري، لكنه يثير مخاوف من ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين وبالتالي عودة موجات التضخم، واحتمال نشوب حروب تجارية.

رابعاً، تعزيز الإسكان والرعاية الصحية، فقد وعد ترامب بزيادة المعروض من المساكن من خلال تقليل اللوائح التنظيمية، وقدم وعوداً لجعل التمويل العقاري أكثر سهولة من خلال خفض أسعار الفائدة. كما أشار إلى خطط لتحسين الرعاية الصحية من دون تقديم تفاصيل محددة. خامساً، تحفيز التصنيع والاستثمارات، حيث يهدف ترامب لتحفيز الشركات على البقاء في الولايات المتحدة من خلال تخفيض الضرائب على الشركات المصنعة محلياً وفرض رسوم عقابية على الشركات التي تنقل إنتاجها للخارج.

بالطبع لهذه السياسات جوانب إيجابية منها: أولاَ، تعزيز التصنيع المحلي، فتخفيض الضرائب والرسوم الجمركية العقابية يشجع الشركات على تعزيز الإنتاج المحلي، مما يخلق فرص عمل ويقلل الاعتماد على الواردات. ثانياً، تحفيز الاستهلاك والاستثمار، فمن خلال تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات، سترتفع مستويات الدخل المتاح للاستثمار والإنفاق. ثالثاً، استهداف القاعدة الانتخابية، حيث أن تخفيف الأعباء الضريبية عن الشرائح الوسطى وكبار السن يمكن أن يعزز شعبيته لدى هذه الفئات.

ومع ذلك، فان لتلك السياسات انعكاسات سلبية نذكر منها مثلاً: أولاً، تأثير سلبي على برامج الضمان الاجتماعي، فقد يؤدي إلغاء ضرائب معينة إلى نقص التمويل اللازم لصناديق الضمان الاجتماعي، مما يعرضها لخطر الإفلاس بحلول 2031. ثانياً، ارتفاع الأسعار للمستهلكين، فالرسوم الجمركية المقترحة على الواردات ستؤدي إلى زيادة تكاليف السلع، مما يثقل كاهل الأسر الأمريكية كما ذكرنا سابقاً. ثالثاً، غموض السياسات، فبعض مقترحاته تفتقر إلى التفاصيل والوضوح بشأن كيفية تنفيذها ومصادر التمويل.

إلا أنه بلا أدنى شك، توفر السياسات المقترحة فرصا لتعزيز النمو الاقتصادي الداخلي، فعلى سبيل المثال، اذا نجحت السياسات الضريبية والجمركية في دعم التصنيع المحلي، فقد تشهد الولايات المتحدة انتعاشاً اقتصادياً. علاوة على ذلك فقد توفر الرسوم الجمركية فرصة للولايات المتحدة للتفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة أكثر ملاءمة.

وبالرغم مما ذكر تفتح هذه السياسات احتمالات لتعزيز مخاطر الحروب التجارية، فقد تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى ردود أفعال من الشركاء التجاريين، مما يضر بالصادرات الأمريكية. كما قد تعمل التخفيضات الضريبية الكبيرة على زيادة عجز الموازنة إذا لم تُعوض بزيادة الإيرادات من مصادر أخرى. كما أن سياسات ترامب التجارية قد تزيد التوترات مع دول مثل الصين وكندا والمكسيك.

فكما لاحظنا، تمثل سياسات ترامب الاقتصادية مزيجاً من التحفيز والتحديات. وبينما قد تحقق بعض الأهداف الداخلية على المدى القصير، فإن تأثيراتها طويلة الأمد، سواء على الاقتصاد الأمريكي أو العالمي، ستعتمد على كيفية تنفيذها ومدى استجابة الشركاء التجاريين.

أما بالنسبة للأردن، فتتميز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة بشراكة استراتيجية طويلة الأمد تستند إلى اتفاقيات تجارية واستثمارية متعددة تعزز النمو الاقتصادي وتوفر فرصاً للتعاون الثنائي. من أبرز هذه الاتفاقيات اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2000، والتي جعلت الأردن أول دولة عربية تحصل على مثل هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة. وقد ساهمت الاتفاقية في تعزيز الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأمريكية، خاصة في قطاعات مثل المنسوجات والصناعات التكنولوجية. كما أن الدعم المالي والتقني المقدم من الولايات المتحدة عبر برامج المساعدات والتمويل التنموي يساهم في تطوير البنية التحتية ودعم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الأردني، مما يعزز من قدرته على التنافسية في السوق العالمية.

شاركها.
Exit mobile version