نخبة بوست – دخلت أمس لائحة أو قائمة الأجور للأطباء الصادرة عن نقابتهم حيز التنفيذ، في خطوة أو قرار سيرفع نسبة الأجور على كشفية الطبيب بمختلف تخصصاته إلى نسبة 100٪.
هذا الارتفاع لن يكون انتقائيًا أو تصاعديًا، ولن يراعي أو يُميز الفروق الطبقية، أو يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به المواطن والوطن الأردني، والمحيط العربي خاصةً، والدولي عمومًا، جراء آثار الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة العربية والإقليمية والعالمية. هذه الآثار التي لمس الجميع تبعاتها وألقت بظلالها الثقيلة وأعبائها على كاهل المواطن الأردني، فأتعبت فكره وأرهقت عضده وأوجعت خاصرته بتراكماتها التي حاصرته من كل الجهات.
لقد أصبح المواطن يرزح تحت وطأة أقساط رسوم الجامعات، وشراء المواد الغذائية، وحمى فواتير الكهرباء والمياه والملابس والمرض، إضافة إلى المصاريف المدرسية اليومية، وإيجار المنازل، والمواصلات، وغيرها من النفقات.
كل ما سبق يمثل لائحة نفقات ومصاريف للفرد والأسرة الأردنية. وقد اختلف خبراء وعلماء الاقتصاد الاجتماعي الأردنيون حول تحديد خط الفقر في الأردن، والذي تراوحت الروايات بشأنه بين 500 دينار إلى 700 دينار شهريًا للفرد. وإذا افترضنا صحة هذا الرقم، أو قربه من الواقع، واعتبرنا أن التعداد السكاني في الأردن يبلغ نحو 11 مليون نسمة، تشكل القوى العاملة منهم نحو 3 ملايين موزعين بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى القطاع العسكري، ومع احتساب عدد أفراد أسرهم وطلبة الجامعات، نجد أنهم يشكلون نصف التعداد السكاني.
لتفادي المبالغة في الافتراضات، ولتجنب نسف حجج الاعتراض على قرار رفع الأجور الطبية، سنعتبر جميع هؤلاء تحت مظلة التأمين الصحي الحكومي أو الخاص. ومع ذلك، فإن معدل رواتب أغلب هذه الشريحة يتراوح بين 350 دينارًا و500 دينار في أحسن الأحوال، مما يجعلهم ضمن طبقة الفقراء والبؤساء. ومن هذه الرواتب تُقتطع رسوم التأمين الصحي.
أما النصف الآخر من السكان، الذين لا تقل معاناتهم عن الأول، فهم عمال المياومة، والعاطلون عن العمل، وأصحاب المهن الحرفية، وأعضاء النقابات المهنية، وأصحاب المشاريع التجارية والصناعية الصغيرة. هؤلاء غالبًا لا يمتلكون أي نوع من التأمين الصحي، أو يضطرون للجوء إلى التأمينات الصحية الفردية الاختيارية أو الإجبارية كما في النقابات.
في ظل ذلك، تلجأ غالبية الفقراء والبؤساء، بمن فيهم بعض الأطباء أنفسهم، إلى تأمين الديوان الملكي الهاشمي الأردني للحصول على الإعفاءات الطبية. الديوان، الذي لم يتوانَ يومًا عن تقديم المساعدة، بات يتحمل أعباءً إضافية نتيجة تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية.
من هنا، ندعو السلطتين النيابية (التشريعية) والحكومية (التنفيذية) إلى بحث ملف التأمين الصحي الشامل، ولو تطلب الأمر فرض رسوم رمزية. فهذا الملف يستحق الجهد لأجل أغلبية أبناء الشعب الأردني الذي طالما كان الإنسان فيه هو الأغلى.
رسالة الفقراء والبؤساء في هذا الوطن إلى أطباء القطاع الخاص:
لا ننكر دوركم المهني والإنساني وحقكم في تحسين أوضاعكم المعيشية، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب المواطن. رفع الأجور بهذا الشكل لن يُحسّن أوضاعكم، بل سيضعف قدرة المواطن على دفع تكاليف الكشفية التي تضاعفت. كما سيزيد الضغط على زملائكم في القطاع الحكومي المرهق أساسًا، ما يخرج عن نطاق إمكانيات المواطن خاصة مع إضافة فاتورة الدواء.
نستذكر هنا موقف نقابة الصيادلة عام 2018، حين وقف مجلسها ونقيبها زيد الكيلاني في وجه رفع الضريبة على الدواء، رافعين شعار “لا ضريبة على المرض”، وهو موقف وطني متميز أثبت دور النقابات المهنية في الدفاع عن حقوق المواطنين.
العبرة ليست في رفع الأسعار على المواطن الفقير، بل في تحسين الأجور ومستوى المعيشة وتعزيز التضامن داخل المجتمع الأردني. علينا أن نبني مجتمعًا أقوى وأكثر استقرارًا، ليبقى الأردن الأغلى والأعز، آمنًا مطمئنًا ومستقرًا.