نخبة بوست – محرر الشؤون المحلية
أزمة الأطباء وشركات التأمين ما زالت تراوح مكانها، بحيث يتشبث الطرفان بمواقفهما، وسط غياب واضح لأطراف تسعى إلى تقريب وجهات النظر واعتماد لغة العقلانية والحلول الوسطى.
الأطباء يعبرون عن استيائهم من ضعف التعرفة التأمينية التي لا تغطي الكلفة الحقيقية للخدمات الطبية؛ بينما تدافع شركات التأمين عن موقفها بضرورة ضبط المصاريف وتحقيق التوازن المالي.
هذه الخلافات لم تؤثر فقط على الطرفين؛ بل امتدت لتطال المواطنين الذين باتوا يشعرون بأنهم الحلقة الأضعف، خاصة مع محدودية الخيارات المتاحة لهم في ظل تعطل الاتفاقيات وارتفاع تكاليف العلاج.
“نخبة بوست” بحثت عن جذور هذه الأزمة وسبل معالجتها، حيث توجهنا إلى الدكتور خالد الكلالدة عضو مجلس الأعيان والطبيب المعروف، لمعرفة رؤيته حول الوضع الراهن في القطاع الصحي وتعليقه على أسباب الجدل الدائر حول التأمين الصحي وسبل تجاوزه.
الكلالدة: غياب تمثيل المريض يكشف عن فجوة خطيرة في معادلة المصالح الصحية
وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الأعيان والرئيس السابق للهيئة المستقلة للانتخاب، الدكتور خالد الكلالدة، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، بأن الأطراف التي تُعنى بالخدمات الصحية المقدمة للمواطن تتألف من ثلاثة عناصر أساسية؛ أولاً، متلقي الخدمة، وهو المريض، وثانياً، مقدم الخدمة الذي يشمل الطبيب والمستشفى والمختبر والأشعة والخدمات المساندة، أما العنصر الثالث فهو الجهة التي تتحمل فاتورة العلاج، والتي يمكن أن تكون المريض نفسه، أو صندوق تأمين سواء كان عامًا أو خاصًا، أو شركات التأمين.
وأوضح الكلالدة أن الجهتين الثانية والثالثة “مقدمو الخدمة والجهات التي تتحمل الفاتورة” لديهما تمثيل واضح وتنظيم لعملهما، في حين أن المريض؛ وهو الطرف الأساسي والأكثر تضررًا، لا توجد أي جهة تمثله أو تدافع عن حقوقه.
وأضاف أن جميع الجهات التي تشرف أو تنظم عمل الأطراف الأخرى تسعى لتحقيق عوائد مالية مربحة، وهو الهدف الرئيسي لوجودها؛ ما يخلق تضاربًا واضحًا في المصالح المالية بين هذه الأطراف، باستثناء المريض غير المؤمن الذي يتحمل المعاناة الأكبر.
وأشار الكلالدة إلى أن هناك فئتين عمريتين، هما الأطفال دون سن السادسة وكبار السن فوق الستين عامًا، تحظيان بمكرمة ملكية تمكنهما من تلقي العلاج في المؤسسات العامة دون تحمل أي تكاليف مالية.
المريض غير المؤمن.. الحلقة الأضعف في معادلة تضارب المصالح الصحية
وأكد الكلالدة أن هناك تضارب مصالح مالي بين جميع الأطراف المعنية في المعادلة الصحية باستثناء المريض غير المؤمن، الذي يجد نفسه في مواجهة صعبة مع تكاليف العلاج؛ ما يضطره إلى اللجوء للإعفاءات الطبية المكلفة وغير المنظمة بشكل كافٍ.
وأكمل أن هذه الإعفاءات، التي تُمنح بعد معاناة طويلة أحيانًا، تزيد من العبء على النظام الصحي، وتجعل الحاجة إلى تأمين صحي شامل أمرًا ملحًا، بدلًا من الاكتفاء بالتغطية الصحية الحالية التي يتم الترويج لها دون تحقيق العدالة الكافية.
وبيّن الكلالدة إنه بات من الضروري تدخل الجهات الرسمية التي ليست طرفًا في مسألة الربح والخسارة، مستندةً إلى قوة القانون، للوصول إلى معادلة مناسبة تضمن ديمومة واستمرارية صناديق التأمين الصحي، وفي الوقت نفسه تحافظ على حقوق جميع الأطراف، سواء كانوا متلقي الخدمة “المريض” أو مقدميها “الأطباء، المستشفيات، المراكز التشخيصية مثل الأشعة والمختبرات والعلاج الطبيعي”.
التأمين الصحي الشامل .. “حل أمثل“
وفي إطار الحديث عن الحلول الممكنة، دعا الكلالدة إلى العمل على تحقيق نظام تأمين صحي شامل يشمل جميع المواطنين، ويكون مبنيًا على معادلة تساهم فيها الجهات المشغلة للنسبة الأكبر من أقساط التأمين، بدلًا من ترك الفاتورة تتحملها الخزينة العامة وحدها.
وتطرق الكلالدة إلى أن أزمة غسيل الكلى تُعد مثالًا واضحًا على المشاكل التي يعاني منها النظام الصحي؛ فالجهات المسؤولة عن تحمل نفقات هذا العلاج، إلى جانب وزارة الصحة، لا تفي بالتزاماتها تجاه صندوق معالجة قصور الكلى، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الجهات المقدمة للخدمة.
وأوضح أن المستشفيات، في محاولتها لتجنب الخسارة، ترفع تكاليف العلاج لتتمكن من الاستمرار في تقديم هذه الخدمة التي أصبحت أساسية.
وأضاف أن الجهات الرسمية تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن تفاقم هذه الأزمات بسبب غياب التنظيم الفعال والإدارة المدروسة.
واختتم الكلالدة تصريحاته بالتأكيد على أن الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف يتطلب تدخلًا مباشرًا من الجهات الرسمية المعنية بالصحة والاقتصاد، مع التركيز على كرامة وصحة متلقي الخدمة؛ وذلك باعتماد حلول مبتكرة وخلاقة بعيدًا عن التكرار أو اجترار الأساليب القديمة، مشيرًا إلى أن تحقيق تأمين صحي شامل ومنظم هو المفتاح لضمان استدامة الخدمات الصحية وتحقيق العدالة للمريض والمجتمع ككل.
تحديات الإصلاح الصحي ..
يكشف المشهد الراهن في القطاع الصحي عن ضرورة ملحّة لإعادة النظر في السياسات والقرارات المتعلقة بالأجور والخدمات الصحية؛ فتحقيق توازن عادل بين مصالح مقدمي الخدمات والجهات الممولة يتطلب حلولًا مبتكرة وشاملة تراعي أولويات المواطن المريض وحقوقه.
وأمام هذه التحديات، هل يمكن تحقيق إصلاح جذري يضمن استدامة الخدمات الصحية ويحقق العدالة للجميع، مع تعزيز الشفافية والشراكة الفاعلة بين جميع الأطراف المعنية؟