نخبة بوست – كتب: المحامي حماده أبو نجمة
تستعد حكومة الاحتلال لمناقشة مشروع قانون جديد يهدف إلى تغيير شروط تملك الأراضي في الضفة الغربية، وهو ما يشكل خطوة تصعيدية خطيرة ضمن استراتيجية واضحة لفرض السيطرة على الأرض الفلسطينية، حيث يسعى المشروع الذي قدمه حزب “الصهيونية الدينية” إلى إلغاء القانون الأردني الساري منذ عام 1953 والذي يقيد بيع أو تأجير الأراضي في الضفة الغربية لغير الأردنيين، وهو قانون ظل ساريا منذ احتلال الضفة في عام 1967.
القانون الأردني يعتبر جزءا من النظام القانوني الساري في الأراضي المحتلة سندا لأحكام المادة 43 من لائحة لاهاي لعام 1907، وقد تم وضعه بهدف حماية الأراضي الفلسطينية من التملك الأجنبي في وقت كان يشهد محاولات مكثفة للاستحواذ عليها من قبل الحركة الصهيونية، ومع ذلك تزعم الملاحظات التفسيرية لمشروع القانون المقدم للكنيست أن التشريع الأردني كان مصمما خصيصا لتقييد تملك اليهود للأراضي، وتعتبره حكومة الاحتلال الحالية “غير مقبول” لأنه يميز بناء على الجنسية.
رغم القيود التي فرضها القانون الأردني إلا أن حكومات الاحتلال سعت منذ عام 1971 إلى الالتفاف عليه عبر وسائل قانونية غير مباشرة، مثل السماح للشركات المسجلة لدى الإدارة المدنية في الضفة الغربية بشراء الأراضي نيابة عن المستوطنين، هذه الإجراءات إلى جانب مصادرة مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية “لأغراض أمنية” أو “للاستخدام العام”، أدت إلى توسع الاستيطان الإسرائيلي بشكل غير قانوني، حيث تضم الضفة الغربية الآن أكثر من 134 مستوطنة يقطنها حوالي نصف مليون مستوطن.
مشروع القانون الجديد يتجاوز كونه إجراء تشريعيا داخليا، فهو يعكس توجها أيديولوجيا وسياسيا واضحا نحو ضم الضفة الغربية فعليا إلى السيادة الإسرائيلية، فتصريحات وزير مالية الاحتلال الذي وصف عام 2025 بأنه “عام السيادة في يهودا والسامرة”، تؤكد أن هذه الخطوة ليست معزولة، بل جزء من خطة شاملة لتكريس الاحتلال وضم الأراضي.
من الناحية القانونية يمثل المشروع خرقا واضحا للقانون الدولي الذي يعتبر الضفة الغربية أرضا محتلة ويمنع قوة الاحتلال من إجراء تغييرات جوهرية في النظام القانوني المحلي أو استخدام التشريعات لفرض واقع استيطاني جديد، كما أن السماح بتملك الأراضي على أساس تمييزي يعزز انتهاك اتفاقيات جنيف، التي تحظر نقل سكان الاحتلال إلى الأراضي المحتلة أو تغيير طابعها الديمغرافي.
إذا ما تم إقرار هذا القانون، فإن الفلسطينيين سيواجهون تحديات إضافية على صعيد ملكية الأراضي، حيث سيفتح الباب أمام مزيد من التوسع الاستيطاني على حساب الأراضي الفلسطينية، هذا التوسع لا يهدد فقط حق الفلسطينيين في أراضيهم بل يزيد من تعقيد الصراع ويعمق الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل سيطرة المستوطنات على الموارد الطبيعية والبنية التحتية.
تمرير هذا المشروع يتطلب مصادقة الكنيست بثلاث قراءات بعد القراءة التمهيدية، وهو ما يتطلب تحركا أردنيا وفلسطينيا ودوليا عاجلا لمواجهة هذا الخطر المتزايد، والمجتمع الدولي مطالب بممارسة ضغط حقيقي على الاحتلال لإيقاف هذه الانتهاكات التي تقوض النظام القانوني الدولي وتغلق الأفق أمام أي حل سياسي عادل وشامل، فمشروع القانون ليس مجرد تعديل قانوني بل هو خطوة أخرى نحو شرعنة الاحتلال وترسيخ نظام استيطاني غير قانوني.