نخبة بوست – أصبحت القدرة على تحمل تكاليف السكن مسألة متزايدة الأهمية على مستوى العالم. في مدن مثل نيويورك، لندن، وطوكيو، ارتفعت أسعار العقارات بشكل كبير، مما جعل امتلاك المنازل بعيد المنال لكثيرين.

وقد أدت حالة عدم اليقين الاقتصادي، مثل التضخم، ارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات سلاسل التوريد، إلى زيادة تكلفة البناء، المواد، والعمالة، مما أثر بالتالي على قيم العقارات وأسعار الاستئجار في جميع أنحاء العالم.

أصبحت القدرة على تحمل تكاليف السكن مسألة متزايدة الأهمية على مستوى العالم. في مدن مثل نيويورك، لندن، وطوكيو، ارتفعت أسعار العقارات بشكل كبير، مما جعل امتلاك المنازل بعيد المنال لكثيرين.

وقد أدت حالة عدم اليقين الاقتصادي، مثل التضخم، ارتفاع أسعار الفائدة، واضطرابات سلاسل التوريد، إلى زيادة تكلفة البناء، المواد، والعمالة، مما أثر بالتالي على قيم العقارات وأسعار الاستئجار في جميع أنحاء العالم.

وتنطبق هذه الظاهرة كذلك على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث أدت عوامل مثل النمو الاقتصادي، التحضر، والمبادرات الحكومية إلى زيادة الطلب على السكن.

ففي المراكز الناشئة والتقليدية في الشرق الأوسط متمثلة بالقاهرة وإسطنبول والدوحة والرياض ومدن مثل دبي، ارتفعت أسعار العقارات بشكل كبير، مما يجعل قرار التملك والشراء أكثر تعقيدا مقارنة بخيار الاستئجار.

ويعتبر شراء المنزل من أكبر الاستثمارات التي يمكن للفرد القيام بها، إذ يوفر الاستقرار وإمكانية زيادة رأس المال على المدى الطويل، ولكنه يتطلب تكلفة أولية عالية ويحتاج إلى الصيانة الدورية.

في المقابل، يُعدّ الاستئجار خيارا أكثر مرونة وأقل تكلفة من حيث الالتزامات الشهرية، مما يتيح للأفراد التكيف مع الظروف الاقتصادية والحياتية المتغيرة.

وهناك مجموعة من العوامل المالية والاجتماعية والشخصية التي تؤثر في قرارات الشراء أو الاستئجار:

1- المعايير الرئيسية في اتخاذ القرار

يتطلب اتخاذ القرار المناسب دراسة متأنية لمجموعة من الجوانب الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار المالي والاختيار بين الاستئجار والشراء.

  • الجاهزية المالية
  • متطلبات الاستثمار المسبق 

وفقا لتقرير نشرته جريدة المال في فبراير/شباط 2023، تمثل الجاهزية المالية العامل الأول والأساسي الذي يجب مراعاته عند التفكير في شراء أو استئجار منزل. حيث يتطلب شراء منزل في القاهرة مثلا دفع تكاليف أولية كبيرة تشمل دفعة مقدمة تتراوح عادة بين 15% و20% من قيمة العقار، إضافة إلى الرسوم الإضافية مثل التسجيل والضرائب العقارية والتكاليف القانونية.

هذه المصاريف تشكل عبئا ماليا على العديد من الأفراد، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

على الجانب الآخر، يعتبر الاستئجار أقل تكلفة من حيث الالتزامات الأولية، حيث يقتصر على وديعة تأمينية وإيجار مسبق لشهر أو شهرين.

ويتيح هذا الخيار للأفراد مرونة مالية أكبر دون الحاجة لتحمل التكاليف المرتبطة بالشراء، مما يجعله أكثر جاذبية في حالات محددة مثل التنقل المؤقت أو العمل بعقود قصيرة الأجل.

  • الالتزامات الشهرية

من المعروف أن تكاليف السكن الشهرية تلعب دورا محوريا في اتخاذ القرار. بالنسبة للمالكين، تشمل التكاليف الشهرية الأقساط العقارية، التأمين، الضرائب، ورسوم الصيانة، التي قد ترتفع بشكل كبير مع زيادة قيمة العقار أو الخدمات المجتمعية المرتبطة به.

في المقابل، يوفر الاستئجار مرونة أكبر، حيث تكون التكاليف الشهرية أقل بكثير، كما يُعفى المستأجرون من مسؤولية الصيانة الدورية، التي عادة ما تكون مسؤولية المالك.

  • ظروف السوق وإمكانات ارتفاع قيمة العقارات

تؤثر ظروف السوق بشكل كبير على قرار الاستئجار أو الشراء. وتتباين أسعار العقارات- في تركيا مثلا- بين المناطق المركزية والأطراف بناء على عوامل مثل الموقع الجغرافي، توفر الخدمات، وجودة البنية التحتية.

وفي بعض المناطق، يمكن أن تكون الزيادة في قيمة العقارات فرصة استثمارية واعدة، بينما قد يكون الاستئجار خيارا أكثر حكمة في أسواق ذات تذبذب كبير أو نمو غير مؤكد.

وفقًا لتقرير صادر عن “غلوبال بروبرتي غايد” لعام 2024، ارتفعت أسعار المنازل في تركيا بنسبة 42% سنويًا حتى مايو/آيار 2024. أما في إسطنبول، فقد ارتفع متوسط سعر العقار بنسبة 31.6% .

  • معدلات ارتفاع الأسعار

تُعتبر معدلات ارتفاع أسعار العقارات عاملا رئيسيا يؤثر على قرار الاستئجار أو الشراء. في العديد من الأسواق، تشهد العقارات زيادات سنوية ملحوظة في قيمتها بسبب عوامل مثل الطلب المرتفع، والتوسع الحضري، والاستثمارات الحكومية في البنية التحتية.

هذه الزيادات تجعل من شراء العقارات فرصة استثمارية واعدة، خاصة في المناطق التي تسجل معدلات نمو مطردة في الأسعار.

ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الزيادات عبئا على المشترين، حيث تصبح تكلفة الشراء أعلى بمرور الوقت، مما يدفع البعض إلى تفضيل الاستئجار كخيار أقل التزاما.

يُضاف إلى ذلك أن معدلات النمو تختلف بين المناطق المركزية والمحيطة، ففي المناطق الحضرية ذات الطلب المرتفع، تكون الزيادات أكبر بكثير مقارنة بالمناطق الطرفية التي تظل أسعارها أكثر استقرارا.

  • مؤشر الاستئجار مقابل الشراء

يُعد مؤشر الاستئجار مقابل الشراء أداة مهمة لتقييم مدى جدوى شراء عقار مقارنة بالاستئجار. يعتمد هذا المؤشر على مقارنة تكلفة الاستئجار السنوية مع تكلفة شراء العقار، ويُستخدم لتحديد ما إذا كان من الأفضل ماليا أن يقوم الفرد بالشراء أو الاكتفاء بالاستئجار.

في المناطق المركزية ذات الأسعار المرتفعة، مثل المدن الكبرى، يكون الاستئجار غالبا أكثر جدوى على المدى القصير، حيث يتيح للأفراد السكن في مواقع مميزة بتكلفة شهرية أقل دون الحاجة لتحمل التكاليف الأولية العالية للشراء. على النقيض، في المناطق الأقل طلبا، يمكن أن يكون الشراء خيارا أفضل، خاصة إذا كانت الأسعار معقولة وتوفر العقارات إمكانات للنمو في القيمة بمرور الوقت.

تؤدي هذه الفروقات في الأسعار بين المناطق المركزية والأطراف إلى تأثيرات كبيرة على قرار الشراء أو الاستئجار، حيث يعتمد الخيار الأمثل على ميزانية الفرد واحتياجاته الشخصية، والهدف من امتلاك العقار، سواء للسكن أو الاستثمار.

  • تكلفة الاقتراض وأنواع القروض العقارية

أدى الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة في المنطقة إلى زيادة كبيرة في تكلفة القروض العقارية، في وقت تجاوزت معدلات الفائدة على الرهون العقارية نسبة 5% ببعض البلدان، وفقا لتقرير نشرته ذا ناشيونال.

وقد أثر هذا الارتفاع بشكل مباشر على التكاليف الشهرية للمشترين الجدد، مما جعل المدفوعات الشهرية أعلى بكثير، ودفع الكثير من المشترين المحتملين إلى التفكير في الاستئجار كخيار مؤقت.

ورغم أن تملّك العقارات يوفر فوائد مالية طويلة الأجل، فإن تأثير أسعار الفائدة المرتفعة على المدفوعات الشهرية قد يجعل خيار الاستئجار أكثر قابلية للتطبيق في الوقت الراهن.

من جهة أخرى، يوضح تقرير صادر عن رويترز أن انخفاض أسعار الفائدة عادة ما يشجع على الاقتراض ويزيد من القدرة على شراء العقارات، حيث إن انخفاض تكاليف الرهن العقاري يجعل من السهل على المشترين الحصول على التمويل اللازم لشراء المنازل.

  • نمط الحياة الشخصي ومرونة العمل

يؤثر نمط الحياة الشخصي ومستوى الاستقرار المهني بشكل مباشر على قرار الاستئجار أو الشراء. بالنسبة للأفراد الذين يحتاجون إلى التنقل بشكل متكرر بسبب ظروف العمل، يعد الاستئجار الخيار الأمثل لما يوفره من مرونة وسهولة الانتقال.

وعلى العكس، يمثل الشراء خيارا أكثر استقرارا للأفراد الذين يخططون للبقاء في مكان معين لفترة طويلة.

  • قوانين الإقامة

يعد التنقل أحد أهم الاعتبارات للمغتربين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يفضل العديد منهم خيار الاستئجار بسبب المرونة التي يوفرها، خاصة في دول تجتذب الكثير منهم مثل قطر والسعودية، حيث يعتمد غالبية المغتربين على عقود عمل مؤقتة أو قصيرة الأمد.

وفقا لتقرير نشرته فايننشال تايمز، فإن التغييرات في قوانين الإقامة وسوق العمل قد تجعل البقاء طويل الأمد غير مؤكد، مما يجعل امتلاك عقار التزاما ماليا وثقيلا على الأفراد الذين قد يحتاجون للانتقال سريعا أو تغيير أماكن عملهم.

  • الصيانة والمسؤولية

إلى جانب اعتبارات التنقل، يلعب عامل الصيانة والمسؤوليات المرتبطة بملكية العقار دورا رئيسيا في دفع العديد من المغتربين والمهنيين نحو خيار الاستئجار.

وفي الشرق الأوسط، تتضمن ملكية العقارات تكاليف صيانة عالية، مثل رسوم الخدمات المجتمعية في المجمعات السكنية، ورسوم الترميم، إلى جانب الصيانة العامة للمرافق، التي قد تكون مرتفعة.

2- متى يكون شراء المنزل خيارا مفيدا؟ هذا الأهم

  •  بناء الثروة والاستقرار

يعتبر الاستثمار في العقارات من أفضل وسائل بناء الثروة في المنطقة إذ يمكن أن تؤدي ملكية العقار إلى الحصول على إقامة أطول، كما يمكن أن يؤدي إلى زيادة رأس المال.

  • مزايا ضريبية والحصول على الإقامة

في العديد من الدول، توفر برامج الإقامة الجديدة للمستثمرين العقاريين ميزة إضافية للملكية، حيث يُمنح الأجانب الذين يشترون عقارات بقيم معينة فرصة التقدم للحصول على إقامة طويلة الأمد إلى جانب مزايا ضريبية.

وتقدم بعض الدول مبادرات حكومية تهدف إلى تشجيع المواطنين على امتلاك العقارات ودعم الاستقرار الاقتصادي من خلال تقديم تسهيلات مالية متنوعة.

ومن أبرز هذه التسهيلات توفير قروض عقارية بمعدلات فائدة منخفضة أو تقديم دعم مباشر للفائدة، مما يسهم في تخفيف الأعباء المالية على المشترين وزيادة القدرة الشرائية للأفراد.

إضافة إلى ذلك، تتبنى بعض الحكومات برامج تمويل مرنة تمتد على فترات زمنية طويلة، مما يمنح المواطنين فرصة تسديد القروض بسهولة ومن دون ضغوط مالية كبيرة.

  • فوائد اجتماعية وعاطفية

القرارات المتعلقة بالسكن لا تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل تشمل فوائد اجتماعية وعاطفية مهمة. حيث يمنح شراء المنزل شعورا بالاستقرار والانتماء، حيث يتيح تكوين روابط طويلة الأمد مع المجتمع ويحقق شعورا بالفخر الشخصي، كما يوفر حرية التعديل والتصميم بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية.

في المقابل، يقدم الاستئجار مرونة وراحة نفسية، حيث يُعفي المستأجر من التزامات طويلة الأمد ويتيح له التنقل بسهولة وفقا للظروف. بذلك، يعتمد الاختيار بين الاستئجار والشراء على تفضيلات الفرد وأولوياته الاجتماعية والعاطفية.

3- متى يكون الاستئجار خيارا أفضل؟ هذا الأهم

  • الملاءمة والمرونة

في مدن مثل دبي والدوحة، يُعتبر الاستئجار خيارا أكثر جدوى من حيث التكلفة مقارنة بالشراء، خاصة في المناطق الراقية التي تشهد ارتفاعا في أسعار العقارات، إذ يوفر الاستئجار مرونة تتيح للسكان التنقل بسهولة دون الارتباط بتكاليف شراء مرتفعة أو التزامات طويلة الأجل.

كما يسمح الاستئجار للأفراد بتخصيص جزء أكبر من دخلهم للاستثمار في مجالات أخرى أو لتطوير مسيرتهم المهنية، حيث لا يترتب عليهم تحمل أعباء مالية إضافية تتعلق بالصيانة والضرائب العقارية، التي عادة ما تكون على عاتق المالك.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستئجار يمنح المستأجرين حرية اختيار مواقع مختلفة للسكن تتناسب مع تغير احتياجاتهم، سواء لأسباب وظيفية أو شخصية، مما يجعل هذا الخيار ملائما للكثيرين الباحثين عن مرونة أكبر وتكاليف أقل في ظل تقلبات السوق العقاري.

  • تجنب تكاليف الصيانة

في مناطق ذات بنى تحتية قديمة مثل أجزاء من القاهرة وعمّان، يُعتبر امتلاك العقارات خيارا مكلفا، نظرا لتكاليف الصيانة العالية التي تتطلبها المباني القديمة للحفاظ على سلامتها وقيمتها.

وتتضمن هذه التكاليف إصلاحات أساسية تشمل أنظمة الكهرباء والمياه، وتجديد الأسطح الخارجية، وإعادة تأهيل المناطق المشتركة، وهي مصاريف قد تشكل عبئا ماليا كبيرا على الملاك.

في المقابل، يتيح خيار الاستئجار للمستأجرين تجنب هذه التكاليف، حيث تكون مسؤولية الصيانة عادة على عاتق المالك أو إدارة المبنى.

وهذا يعفي المستأجرين من تكاليف غير متوقعة قد تزداد مع تقدم عمر العقار. كما يتيح لهم السكن في مواقع مميزة داخل هذه المدن دون الالتزام بتكاليف الصيانة الباهظة التي قد تؤثر على استقرارهم المالي.

4- ملامح سوق العقارات في مناطق رئيسية بالشرق الأوسط

  • قطر: في الدوحة، الطلب المرتفع في المناطق الفاخرة مثل اللؤلؤة يجعل الشراء استثمارا طويل الأجل جذابا. ويبلغ متوسط تكلفة المنزل في المواقع الممتازة حوالي 3 ملايين ريال قطري (820 ألف دولار)، بينما يظل الاستئجار خيارا شائعا بين الوافدين وفقا لتقرير صادر عن صحيفة “غلف تايمز”.
  • تركيا: مع ارتفاع معدلات التحضر، شهدت سوق العقارات في تركيا نموا كبيرا، خاصة في إسطنبول، حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل حاد. ويبلغ متوسط تكلفة المنزل في إسطنبول حوالي 5 ملايين ليرة تركية (180 ألف دولار). لكن التقلبات في سعر الصرف ومخاوف التضخم تجعل امتلاك العقار أكثر صعوبة حسب ما ذكره تقرير لغلوبال بروبرتي غايد.
  • السعودية: أثرت مبادرة رؤية 2030 بشكل كبير على سوق العقارات في الرياض وجدة، مما زاد الطلب على العقارات السكنية. ويكلف المنزل النموذجي في الرياض حوالي 1.8 مليون ريال سعودي (480 ألف دولار)، ويشجع شراء المنازل من خلال الحوافز الحكومية، لكن يظل الاستئجار خيارا مفضلا بسبب المرونة بحسب تقارير من نايت فرانك العقارية.
  • مصر: تواجه القاهرة، التي تشهد نموا سكانيا سريعا، تحديات في القدرة على تحمل التكاليف، خاصة مع تقلب الجنيه المصري. متوسط سعر المنزل في القاهرة حوالي 1.5 مليون جنيه مصري (48 ألفا و500 دولار). ويعد الاستئجار حلا عمليا للكثير من السكان في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع التضخم، وفقا لبيانات ذكرها موقع كولدويل بانكر.
  • الإمارات: يُعرف سوق العقارات في دبي بنموه السريع وارتفاع الأسعار. بمتوسط سعر منزل حوالي 2.5 مليون درهم (680 ألف دولار)، يختار الكثيرون الاستئجار لإدارة النفقات الشهرية حسب تقارير من ذا ناشونال يو إيه إي.
المصدر : الجزيرة
شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version