* مجاهد: التنجيم والتنبؤات يعتمد على منهجيات غير علمية ولا تستند إلى أسس سليمة، مما يجعلها مجرد خرافات وأساطير قديمة
* القرعان: التنجيم أصبح ملاذاً للأفراد الذين يبحثون عن الشعور بالاطمئنان وسط الحروب والظروف المجهولة
* مدانات: المنجمون أدوات مجنّدة تستهدف الشعوب؛ وتسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة على مختلف الأصعدة
نخبة بوست – أماني الخماش
في طروحات غامضة، وتنبؤات سياسية لا تخلو من الإثارة والتعجب يخرج “المنجمون” عبر وسائل الإعلام بتوقعات لمجريات الأحداث القادمة، سواءً بتنبؤات لما هو مرتبط بمعطيات ميدان الساحة السياسية، أو بما يتعلق بمصير شخصيات سياسية بارزة.
وفي الآونة الأخيرة عزز استضافة وسائل الإعلام لهذه الشخصيات من تبني رواياتهم وسردياتهم، لاسيما عندما تأتي الأحداث وفقاً لما توقعوه، فيتم تداول مقاطع فيديو لتلك التنبؤات مرفقة مع الحدث الحاصل.
وقد شكك الكثيرون بأن هذه الأسماء قد تكون إحدى الأدوات السياسية المجندة بهدف الترويج للسيناريوهات القادمة، وبأن ما يصرحون به من تنبؤات هي إملاءات فرضت عليهم من قبل جهات معينة تسعى لتهيئة المجتمع لهذه الأحداث.
ظاهرة التنجيم تبلغ ذروتها في الحروب والأزمات
وفي هذا السياق، يرى المفكرون والعلماء أن ظاهرة التنجيم تزداد رواجاً في المجتمعات التي تبتعد عن العلم والمعرفة، حيث يصبح المنجمون شخصيات بارزة ينتظرها الناس لتقديم التنبؤات والتفسيرات حول مستقبل الأحداث.
وتبلغ هذه الظاهرة ذروتها خلال فترات الحروب والأزمات، حيث تشهد أنشطة التنجيم انتشاراً واسعاً؛ ففي ظل تداعيات الحرب على لبنان وغزة، أخذت ظاهرة التنجيم منحى خطيراً، مع حدوث بعض الأحداث التي أُرجِعَت إلى توقعات المنجمين.
ومن بين هذه التنبؤات، برزت نبوءة أحد المنجمين بحدوث “هستيريا” بسبب خروج هاتف عن سيطرة صاحبه، وهو ما ربطه البعض لاحقاً بحوادث تفجير أجهزة “البيجر” التابعة لحزب الله اللبناني في أيلول الماضي.
كما توقعت شخصية أخرى سقوط طائرة لن ينجو منها أحد، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى حادثة سقوط طائرة كانت تقل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي.
مجاهد: لا يوجد علاقة ما بين العلم والتنبؤات
من جهته، أوضح الخبير الفلكي عماد مجاهد أنه لا توجد علاقة بين التنبؤات التي يدّعيها المنجّمون وبين علم الفلك القائم على دراسة حركة الكواكب وفقًا للأطر العلمية.
وبيّن مجاهد أن التوقعات والتنبؤات ظهرت في العصور القديمة، قبل تطور العلم وفهم حركة الأجرام السماوية بشكل دقيق. وأوضح أن التنجيم نشأ نتيجة لعدم فهم الإنسان آنذاك لهذه الحركة، حيث كان القدماء يعبدون الكواكب السيارة ويعتبرونها آلهة، كما كانوا يفسرون الأحداث وتأثيراتها على حياة البشر بناءً على حركة الكواكب.
أما عن آلية المعرفة بالتوقعات التي يطلقها المنجمون، فقد أوضح مجاهد أن التنبؤات تُبنى على رصد حركة الكواكب وربطها بالموقع الجغرافي للدول، مع الاعتماد على حركة كل كوكب وكل منزلة. إلا أن هذه العملية تُتبع بطرق قديمة وغير علمية، مما يفقدها المصداقية.
وأضاف أن انتشار التنبؤات قد ازداد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، عازيًا ذلك إلى ميل الشعوب لمعرفة الغيب والمستقبل؛ وأشار إلى أنه إذا صادف وتحقّق أي من التوقعات التي يطلقها المنجمون، فإن ذلك يعزز من مصداقيتهم لدى الجمهور، ويزيد من الثقة بين المنجم ومتابعيه.
القرعان: التنجيم أصبح ملاذاً للأفراد في أوقات الحروب
من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية د. ميساء قرعان إن التنجيم من المنظور الاجتماعي، يعد ظاهرة قديمة تعود جذورها إلى الأزمنة الأولى، حيث كان الناس يعتمدون على النجوم والكواكب في محاولة لفهم وتفسير مستقبلهم وتوجيه قراراتهم الحياتية.
وأوضحت قرعان أن التنجيم لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في مختلف أنحاء العالم، إذ يلجأ العديد من الناس إلى الأبراج والتوقعات الفلكية كوسيلة لمواجهة غموض المستقبل وتقليل مشاعر القلق وعدم اليقين.
وأشارت إلى أن نظرية “الضبط المعرفي” تعتبر من بين التفسيرات الأساسية لتعلق الأفراد بالتنجيم، حيث تفترض هذه النظرية أن الناس يميلون إلى الرغبة في السيطرة على بيئتهم والأحداث التي تحيط بهم.
وعندما يكون المستقبل غامضًا أو مليئًا بعدم اليقين، يبدأ الأفراد في البحث عن وسائل بديلة تمنحهم شعورًا بالسيطرة حتى وإن كانت غير مؤكدة علميًا.
وبخصوص العلاقة بين التنجيم والحروب، قالت قرعان إن الدراسات تشير إلى انتشار التنجيم بشكل ملحوظ في فترات الأزمات والحروب، حيث يشعر الناس بقلق عميق حيال مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتهم. وفي ضوء ذلك، يصبح التنجيم ملاذًا للأفراد الذين يبحثون عن شعور بالاطمئنان وسط الظروف المجهولة.
وأضافت: “قد يكون التنجيم في هذه الفترات وسيلة للدعم النفسي، إذ يمنح الناس شعورًا بأنهم قادرون على الاستعداد للمستقبل أو أن هناك ‘نظامًا’ كونيًا يوجه حياتهم في ظل الاضطرابات المحيطة بهم.”
وأكملت قائلة: “يُعتبر التنجيم ظاهرة اجتماعية معقدة تعكس جوانب متعددة من حياة الأفراد واحتياجاتهم النفسية والاجتماعية. بينما يرى البعض التنجيم كتسلية أو وسيلة للتفاعل الاجتماعي، يجد آخرون فيه أداة تساعدهم على التكيف مع الظروف الصعبة.”
وأشارت قرعان إلى أن نظرية عدم اليقين تؤكد أن الإنسان يسعى دائمًا للبحث عن اليقين في عالم مليء بالتغيرات والمجهول.
ويعتبر التنجيم إحدى الوسائل التي يلجأ إليها الأفراد لمحاولة تفسير ما قد يكون مجهولًا لهم. فعند مواجهة ظروف غير مستقرة أو أوضاع صعبة، يتزايد الميل إلى التنجيم كوسيلة توفر إجابات “سهلة” وسريعة، تخفف من مشاعر الحيرة والقلق.
واختتمت حديثها بقولها إن دراسة التنجيم من منظور اجتماعي توفر فهمًا أعمق لاحتياجات الإنسان في ما يتعلق بالسيطرة واليقين والأمان، خاصة في عالم مليء بالتغيرات السريعة وعدم اليقين.
مدانات: المنجمون أدوات مجنّدة تستهدف الشعوب
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والمحلل السياسي المهندس شادي مدانات في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” أن موجة التنجيم التي اجتاحت الفضائيات وفتحت لها العديد من المنابر الإعلامية تندرج ضمن أدوات الإعلام المستخدمة لتحقيق مشروعين رئيسيين يستهدفان المنطقة، هما المشروع الإمبريالي والمشروع الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، واللذان يهدفان إلى إعادة تشكيل المنطقة على مختلف الأصعدة.
وأشار مدانات إلى أن المشروع الأمريكي يسعى لتفكيك المجتمعات من خلال أدوات متعددة تشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإعلامية. وأضاف أن هناك مراكز أبحاث أمريكية متخصصة خرّجت رؤساء ووزراء خارجية وساسة بارزين، تُعنى برسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة وإعداد خطط ومشاريع تهدف إلى إعادة بناء الأمم بما يتوافق مع الرؤية الأمريكية.
وفيما يتعلق بمصدر معلومات المنجمين، أوضح مدانات أن بعض التنبؤات قد يكون لها تفسير علمي يعتمد على قدرات شخصية لدى المنجم؛ ومع ذلك، عندما تكون التنبؤات دقيقة لدرجة مدهشة في العديد من الأحداث، يصبح من الصعب تصديقها.
تهيئة المجتمعات لقبول الأحداث كـ “قدر محتوم”
وأكد مدانات أن هذه التنبؤات تُستخدم في إطار إرغام المجتمعات على تقبل ما يحدث على أنه قدر محتوم، مما يساهم في نزع روح الرفض والتحدي والمقاومة. وبهذه الطريقة، يعتقد الناس أن ما يحدث هو قضاء لا يمكن تغييره، وبالتالي يبدو وكأن المنجمين قد توقعوه مسبقاً.
العقل الجمعي وثقافة التسليم ..
وعن أهداف هذه التنبؤات، أشار مدانات إلى أنها تُستخدم لتهيئة العقل الجمعي للشعوب لتقبل الأحداث المستقبلية، في إطار ما يُعرف بـ”ثقافة القطيع”، مما يؤدي إلى التسليم الكامل بكل ما يُنشر عبر وسائل الإعلام دون مجال للشك.
وضرب مثالاً باستخدام الإعلام كأداة لتضليل الرأي العام، قائلاً إنه قبيل احتلال العراق، تم ضخ رواية إعلامية واسعة النطاق عن وجود أسلحة دمار شامل في بغداد، مما جعل الرأي العام العراقي متقبلاً لهذه الرواية. وأضاف أن السيناريو نفسه تكرر في سوريا، حيث استُخدم الإعلام لتضليل الشعوب وتهيئتها للأحداث التي تلت ذلك
حجر نرد ام تهيئة المجتمعات؟
بالرغم من أن العديد من الباحثين والعلماء قد دحضوا حقيقة وجود ارتباط بين مجال التنجيم وبين العلوم الإنسانية والسياسية، إلا أن التنجيم لا يزال منذ القدم من المجالات التي تحظى بمتابعة واسعة، حيث يستقطب شرائح متعددة ومختلفة من الناس.
وفي هذا السياق، يبقى التساؤل الأهم: هل تعتبر التوقعات مجرد حجر نرد قد يصيب وقد يخطئ؟ أم أن المنجمين ينطقون بلسان من يسرب لهم المعلومات؟