نخبة بوست – أيّ إعلان اتفاق لوقف إطلاق النار لعدوان الثكنة العسكرية الإسرائيلية الغاشم على قطاع غزة والضفة الغربية دون تحقيق الهدف الرئيسي والحقيقي وراء هذه الحرب الوحشية، الذي يتمثّل في تغيير واقع معادلة الديمغرافيا الفلسطينية لصالح الديمغرافيا الإسرائيلية، والذي لو تمّ أو إذا ما تمّ فإننا أمام إعلان ما يُسمّى مشروع الدولة اليهودية، الذي هو حلم يراود الطرف والفئة المتطرفة الدينية اليمينية داخل كيان الثكنة الإسرائيلية، هذا الإعلان سيكون انتصارًا لشعبنا الفلسطيني الذي سطّر أروع أمثلة الصمود والتضحية والتصدّي والصبر في مواجهة الموت والقتل والبحث عن أيّ فرصة أو وسيلة، حتى من المستحيل، للبقاء فوق أرضه والحفاظ على إرثه وتاريخه وهويّته ومعاناته، حيث كلها، ما قصده درويش في شعره: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
هذا الإعلان المنتظر لن يخضع لحسابات المحللين العسكريين والسياسيين من حيث تناول وصف التضحيات وحجم الخسائر البشرية الفادحة ومن دمار وتدمير وتغيير ملامح التضاريس الجغرافية، ولن يكون فيه الخاسر أو المنتصر شخوص أو قيادات أو فصيل أو جيش أو قوات نظامية عسكرية.
انتهاء مسار المعركة العسكرية، الذي لم يغب عنه المسار السياسي التفاوضي، الذي سترتفع وتيرته ويزداد دوره ليصل إلى مستوى يتم وصفه بمسار المعركة السياسية، التي كانت أولى نتائجها إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق رئيس حكومة الثكنة ووزير دفاعها، في بداية لرسم نهاية مصير ومستقبل هؤلاء ومنحهم وسم (مجرم حرب).
التحضير والإعداد للمسار السياسي الذي لا يقلّ أهمية عن الإعداد في المسار العسكري، حيث فيه سيتم تحديد والتأكيد على الأهداف والحقوق المشروعة للقطاع والضفة والأراضي الفلسطينية المحتلة وتحقيقها، وأهمها تحسين الظروف المعيشية وإعادة الإعمار وخروج قوات الكيان الصهيوني من كافة أراضي قطاع غزة، وعودة النازحين لبيوتهم آمنين مطمئنين. وعليه، هناك مسؤولية مشتركة تقع على عاتق القيادات الفلسطينية في إنهاء حالة الانقسام وتدشين مرحلة المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة وطنية موحّدة لإدارة المرحلة القادمة ومواجهة المخطط الصهيوني والمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. وعلى الجانب العربي، أهم ما نحتاجه هو عودة روح تضامنه وإعادة ترتيب بيته وعودة من غادره إلى حضنه مجددًا وتفعيل دور التكامل الاقتصادي والسياسي.
في وطننا الأردني علينا أن نعزّز مشاعر الفخر بمواقفنا الوطنية العروبية السياسية الصلبة المتقدمة عربيًا ودوليًا تجاه القضية الفلسطينية، والثبات على موقفنا السياسي وحرصنا وإعطاء الأولوية لمصالحنا الوطنية العليا في الوصول إلى تسوية سياسية وحل عادل للصراع القائم في المنطقة، الذي يعود أساسه لفكرة ومبدأ الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني للأرض العربية وممارساته الاستيطانية العنصرية ورفضه التعايش وفق القوانين والأعراف الدولية والإنسانية وتجاهله لسنوات عدة للمبادرات العربية والدولية لإرساء بذور السلام والاستقرار في المنطقة. حيث ثبت للعالم أجمع أنّه طالما هناك احتلال قائم ويقتات على زعزعة الاستقرار، سيبقى مصير المنطقة قاتمًا وعلى صفيح ساخن قابل للانفجار، ويترك مستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة أمام مصير مجهول وبيئة خصبة للتطرف والإرهاب الذي لا دين ولا وطن له، ليسود الظلام بدلاً من السلام والوئام الذي ينشده العالم عامةً والمنطقة العربية خاصةً، مهد الحضارات والديانات والثقافات الداعية للنهضة والازدهار وأولى نماذج المجتمعات الإنسانية والإعمار.
أختم بمقتطف من مقال لأحد أساتذة العلوم السياسية الإسرائيلية (بروفيسور ألون بن مائير)، يعترف بواقع المرحلة الحالية بجرأة ومنطقية بعنوان “عام من الحساب”، يقول فيه: “إن إسرائيل قادرة لأجيال قادمة على الفوز في كل معركة ضد الفلسطينيين، ولكنها لن تفوز أبدًا في أي حرب من شأنها أن تخضع الفلسطينيين إلى الأبد. إن الفلسطينيين وُجدوا ليبقوا ولن تتمكن أي قوة أو ظرف من إبعادهم. يجب على إسرائيل أن تتقبل حقوق الفلسطينيين. وإذا كان هناك شيء واحد ينبغي للإسرائيليين أن يتعلموه من الأعوام السبعة والخمسين الماضية، فهو أن الاحتلال لن يكون مستدامًا أبدًا. أكثر من سبعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وغزة وفي إسرائيل ذاتها، وهو ما يعادل تقريبًا عدد اليهود الإسرائيليين، ولن يخضع هؤلاء لوضع من الدرجة الثانية أو للاحتلال مهما كانت المعاناة وطول أمد القتال ضد إسرائيل.”