نخبة بوست – كتب: د. تيسير شواش ( اختصاصي نفسي ومعالج سلوكي معرفي)
لماذا يتغير سلوك بعض الأشخاص واتجاهاتهم سلبا عندما يعينون في مراكز سلطة وقوة سواء سياسية، اقتصادية أو عسكرية؟ السبب متلازمة الغطرسة Hubris syndrome؛ إن أول من أطلق مصطلح الغطرسة هم قدامى الفلاسفة اليونانيين في أساطيرهم وربطوها بشكل رئيس بالنرجسية أو حب الذات.
ظهرت هذه المتلازمة في التصنيف الدولي العاشر للاضطرابات النفسية حيث اشتمل مؤخرًا في معايير للاضطرابات النفسية المعروفة (DSMIV-ICD10) التي وصفت النرجسية بأنه اضطراب في سمات الشخصية (Narcissistic Personality Disorder (NPD)).
جرت محاولات لبعض المختصين للتفريق بين اضطراب الشخصية النرجسية ومتلازمة الغطرسة من حيث تطور أعراضها وتلاشيها إذ أنه على عكس معظم الاضطرابات الشخصية، التي تظهر في مرحلة الشباب، فإن متلازمة الغطرسة المكتسبة قد تظهر عند الإنسان في أي عمر خاصة عندما يتم تعيينه في مركز سلطة ومسؤولية عالية، فتظهر لدى الشخص تغيرات سلبية متنوعة في السمات الشخصية أطلق عليها أون Owen عام 2009 متلازمة الغطرسة (Hubris syndrome) التي تشترك مع اضطراب الشخصية النرجسية في كثير من الأعراض.
نشر وزير الخارجية البريطاني السابق David Owen كتابه الشهير «The Hubris Syndrome» الصادر عام 2007. وذكر به تسمّم الشخصية بمهام السلطة Intoxication of power والتي تقود إلى تبديل طبائع السياسيين والمديرين العامّين إلى درجة السقوط في فخّ النرجسية والثقة العمياء بالنفس؛ وهذا يتوافق مع تعريف أوين Owen لمتلازمة الغطرسة بأنها التغيّر السلبي الذي يحدث في الشخصية وبشكل غير مسبوق إثر تعيين هذا الشخص في مركز سلطة وقوة سواء سياسية، اقتصادية أو عسكرية.
تشمل أعراض الغطرسة
- إظهار الثقة الزائدة وحب الذات الشديد فلا يراعي في عالمه إلا ساحة لممارسة السلطة على من هم دونه والمبالغة في قدراته الشخصية بعيدًا عن الواقع الذي يعيش فيه.
- التهور والاندفاع بالقرارات والقفز إلى النتائج وعدم الأخذ بآراء الآخرين ونصائحهم.
- الإصرار على الرأي قد ينتج عنها أخطاء فادحة تؤثر سلبًا على سير العمل وعلى مرؤوسيه وتقود إلى نتائج كارثية.
- الميل الى استخدام كلمة “نحن” في إشارة للتأكيد وتعظيم السيطرة لديه.
- يعتبر نفسه مميزا عن الآخرين ولا يتقبل النقد أو النصح من الآخرين.
- لديه الرغبة الشديدة أن يكون موضع مدح وثناء من الآخرين، وبعيد عن التفكير الواقعي والمنجزات الحقيقية التي حققها. نذكر بقول الله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.[الإسراء: ٣٧].
- لديه نكران لاشعوري بأنه باق في مركزه وعلى سلطته المطلقة وغالبًا عند إنهاء خدماته يصاب بصدمة كبيرة ويجد نفسه وحيدا منبوذًا ومكروهًا من قبل الآخرين وليس حوله أحد ممن كانوا ينافقون له واحتمال معاناته من الإحباط وردود الفعل الاكتئابية وأعراض الضغط النفسي المختلفة وقد يرافق ذلك لدى البعض مشاكل أسرية، تزول أعراض متلازمة الغطرسة بالتدريج وتأخذ وقتاً طويلاً لإعادة تكيفه بعد أن يتقبل واقعه.
تأثير متلازمة الغطرسة
هذه الحالة قد تطال الأفراد العاملين و المجتمع والدولة خصوصًا في حال اتخاذ قرارات خاطئة من قبل المسؤول المتغطرس، ولهذا حازت هذه الظاهرة على اهتمام الباحثين بالصحة النفسية والسياسيين وصناع القرار، إن المسؤول المتغطرس سيقود إلى تفكك مؤسسته وتدهورها؛ إذ سيؤثر على مرؤوسيه سلبًا ويعمد إلى زيادة الفرقة بينهم حيث يقرب من ينافقونه ويقدم لهم امتيازات ويبعد من يواجهونه ولا ينافقونه ويتعمد تهميشهم ويقلل من انجازاتهم وهذا ما يؤثر سلبًا على المعنويات ودافعية العاملين وعدم شعورهم بالأمان فيخشونه.
وفي الواقع لا يحترمونه ويتمنون الخلاص منه ونتيجة هذه الممارسات والقرارات المتسرعة والخاطئة من المسؤول المتعجرف تضعف الإنتاجية والتطور في أي مؤسسة.
وهذا ينطبق على بعض القيادات العسكرية والأمنية في مختلف مستوياتهم ممن اكتسبوا متلازمة الغطرسة نتيجة الاعتداد بمناصبهم واتخاذهم قرارات متسرعة خاطئة دون استشارة الزملاء والأخذ بنصائحهم مما قاد مرؤوسيهم وشعوبهم إلى مخاطر جسيمة ونشوب صراعات وحروب كانت نتائجها مأساوية على الوطن. يقدم التاريخ والحاضر العديد من الأمثلة. نذكر منها:
حملة نابليون المتغطرس على روسيا ومسيرته المأساوية إلى الوطن، التي كلفت حياة ما بين 400000 إلى 500000 جنديًا وضابطًا فرنسيا وقادت إلى هزيمته. وكذلك الحال مع هتلر وغطرسته التي قادة إلى هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها ملايين من المواطنين.
مثال على الأخطاء الاقتصادية حين أضاعت شركة ويسترن يونيـون فرصة ربح الملايين نتيجة قرار مديرها المتغطرس ويليام أورتن حين رفض عرض شراء فكرة اختراع الهاتف من قبل أليكساندر غراهام واعتبر أن فكـرة الاختراع الجديد شديدة السخافة، وبأنها “لعبـة كهربائية عديمة الفائدة”.
إجراءات وقائية لتجنب اكتساب هذه السمات السلبية
ينصح أن من تم تعيينه في منصب ذا أهمية وسلطة أيًا كان نوعها سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أن يذكر نفسه بقراءة هذا الموضوع مرارًا ويتعرف على أعراض الغطرسة ونتائجها السلبية القريبة والبعيدة ويذكر نفسه بأن المنصب غير دائم وأن اختياره لخدمة المؤسسة وتطويرها وأن منصبه تكليفاً وليس تشريفًا.
حبذا لو أن أصحاب القرار انتبهوا لهذه الظاهرة السلبية وعملوا على توعية من تم تعيينهم حديثًا في مناصب حساسة واقصاء من ظهرت عليهم أعراض الغطرسة من مواقعهم.