نخبة بوست – كتب: د. عدلي قندح ( خبير اقتصادي)

استنادًا إلى تجارب مختلف الدول المتقدمة والنامية، واستنادا الى التطبيق الناجح للمبادئ الملائمة من النظريتين الكينزية والكلاسيكية، يتم التركيز على الدور المحوري للسياسة المالية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، تعزيز النمو، وتقليل عدم المساواة. سنناقش كل بند من بنود مشروع موازنة 2025 مع ربطه بمفاهيم اقتصادية رئيسية وتحديد أهم البنود التي تستوجب الانتباه.

تنبيات هامة: أخطر 5 بنود يجب الانتباه لها في مشروع موازنة 2025

  1. القفزة الكبيرة في فوائد الدين العام (20% من النفقات):
    o تمثل عبئًا كبيرًا على الموارد، مما يحد من قدرة الحكومة على تخصيص الأموال للتنمية، وتقليص دور السياسة المالية في التأثير الايجابي على معدلات النمو الاقتصادي.
  2. ضعف النفقات الرأسمالية وانخفاض نسبتها لاجمالي النفقات (11.8% من الإجمالي):
    o يعكس تركيزًا ضعيفًا على تحفيز النمو الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى تباطؤ طويل الأجل.
  3. الاعتماد المفرط على الضرائب على السلع والخدمات (68% من الإيرادات الضريبية):
    o يخلق ضغطًا على المستهلكين، ويزيد من التفاوت الاقتصادي.
  4. الاعتماد على القروض الداخلية والخارجية (74% من التمويل):
    o يزيد من مخاطر عدم الاستدامة المالية وارتفاع أعباء الفوائد مستقبلاً.
  5. الدعم بمختلف أشكاله (0.63 مليار دينار):
    o هذه البنود مهمة وتقع على عاتق الحكومات في أية دولة، ولكنها تحتاج إلى إعادة تصميم لتوجيهه إلى الفئات الأكثر حاجة، مع تقليل الهدر في الموارد.

أولًا: الإيرادات العامة
التحليل الاقتصادي:

  1. الإيرادات الضريبية (7.12 مليار دينار):
    o تشكل 74.5% من الإيرادات المحلية وتعتمد بشكل كبير على الضرائب على السلع والخدمات (68.1%).
    o من منظور اقتصادي، الضرائب على السلع والخدمات تُعتبر ضرائب غير تصاعدية تؤثر سلبًا على الطبقات الدنيا، مما قد يزيد من التفاوت الاقتصادي. وفق النظرية الكينزية، يجب تعزيز الضرائب التصاعدية مثل ضرائب الدخل لتقليل التفاوت الاجتماعي وزيادة العدالة الاقتصادية.
  2. الإيرادات غير الضريبية (2.37 مليار دينار):
    o تشمل عائدات بيع السلع والخدمات والإيرادات من الغرامات، وتُظهر محدودية التنويع في مصادر الإيرادات.
    o يجب تطوير موارد جديدة مثل عوائد الأصول العامة والاستثمارات الحكومية.
  3. المنح الخارجية (734 مليون دينار):
    o تشكل 7.1% فقط من الإيرادات، ما يعكس انخفاض الاعتماد على المنح مقارنة بالسنوات الماضية، وقد يكون ذلك أمر أيجابي من ناحية زيادة الاعتماد على الذات، ولكن يشير من ناحية ثانية الى تخلي المجتمع الدولي عن دوره المحوري في دعم الاقتصاد الاردني لما للدولة الاردنية من دور كبير في تحمل وزر الازمات الجيوسياسية والامنية في المنطقة، وبالرغم من الاحترام والتقدير الذي يوليه المجتمع الدولي للمملكة وللقيادة الهاشمية الفذة وللشعب الأردني والذي يجب أن يُترجم لدعم مالي واضح على شكل منح مالية كبيرة غير مستردة، واعفاءات من الديون الخارجية.
    o بالخلاصة نقول أن الانخفاض في حجم وأهمية المنح قد يُعد إيجابيًا من منظور الاستقلال المالي، لكنه يضع ضغطًا أكبر على الحكومة لتحسين كفاءة الإيرادات المحلية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الاخلاقية لدعم دولة معتدلة أثبتت عبر مئة عام انها دولة تنمية وسلام على كافة الاصعدة والمستويات.
    التوصية:
    • ضرورة تحويل النظام الضريبي ليصبح أكثر تصاعدية لتحقيق الاستدامة الاجتماعية، وتحفيز مصادر إيرادات غير تقليدية مثل الاستثمارات الحكومية والشراكات مع القطاع الخاص، وبنفس الوقت حث المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الاخلاقية لدعم الاردن ماليا بشكل صريح وواضح.

قندح يكتب: مشروع موازنة 2025؛ بين أعباء الدين وتحديات التنمية

ثانيًا: النفقات العامة
التحليل الاقتصادي:

  1. النفقات الجارية (11.04 مليار دينار، 88.2% من إجمالي النفقات):
    o تشير ارقام النفقات الجارية الى أن الحكومة ستقترض حوالي 809 مليون دينار لتغطية نفقاتها الجارية لان اجمالي الايرادات العامة ستغطي 92.4% من نفقاتها الجارية.
    o النسبة المرتفعة للنفقات الجارية من اجمالي النفقات تشير إلى هيمنة المصاريف غير التنموية، ما يعيق تحفيز النمو الاقتصادي. وفق النظرية الكينزية، الإنفاق الحكومي يجب أن يركز أكثر على النفقات الرأسمالية لتعزيز الإنتاجية.
    o فوائد الدين العام (2.2 مليار دينار):
     تمثل 20% من إجمالي النفقات، وهو مؤشر خطير على عبء الدين العام. من منظور اقتصادي، ارتفاع هذه النسبة يعيق تخصيص الموارد للقطاعات التنموية.
     نظرية ريكاردو 1772-1823)) وهو أحد أبرز علماء الاقتصاد الكلاسيكي، حول الدين الحكومي، تشير إلى أن الاعتماد على الدين يزيد من العبء على الأجيال المستقبلية ويقلل من مرونة السياسة المالية. بكلمات أوضح، أن تمويل العجز بالاقتراض اليوم يعني زيادة الضرائب مستقبلاً لسداد هذا الدين، مما يحمّل الأجيال القادمة أعباء مالية إضافية ويحدّ من قدرة الحكومات على استخدام السياسة المالية بمرونة في مواجهة الأزمات المستقبلية.

o الدعم بكافة أشكاله (حوالي 0.63 مليار دينار):
 دعم السلع، الوحدات الحكومية، والمعونة الوطنية يشكل أداة مهمة لتقليل الفقر، لكنه يحتاج إلى استهداف أكثر دقة لتقليل الهدر. نظريات العدالة الاقتصادية تؤكد على ضرورة إعادة تصميم برامج الدعم لتحقيق أقصى تأثير. حيث تؤكد نظريات العدالة الاقتصادية على أهمية إعادة تصميم برامج الدعم لضمان وصول الموارد إلى الفئات الأكثر احتياجًا وتحقيق أقصى تأثير تنموي واجتماعي مع تقليل الهدر. وهنا نشير الى أهمية برامج وأدوات الذكاء الاصطناعي في لعب دور محوري في تحسين هذه تصميم وأدارة هذه البرامج من خلال تحليل البيانات لتحديد المستحقين بدقة، وتصميم دعم مرن يتكيف مع الظروف المتغيرة. كما يسهم في خفض التكاليف التشغيلية والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية، مما يضمن كفاءة أكبر وعدالة أوسع في توزيع الموارد لتحقيق التنمية المستدامة.

  1. النفقات الرأسمالية (1.47 مليار دينار، 11.8% من الإجمالي):
    o وان كانت النسبة متدنية لكنني أرى أن الإنفاق الرأسمالي يعزز الإنتاجية الاقتصادية على المدى الطويل، مما يجعل زيادة نسبته أمرًا ضروريًا. وكاقتصادي يؤمن بأن الإنفاق الرأسمالي، مثل الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية، هو المحرك الأساسي لتعزيز الإنتاجية الاقتصادية والنمو المستدام على المدى الطويل، أرى أن يتم تعزيز هذه الاستثمارات بمثليلاتها من القطاع الخاص المحلي والخارجي. فالمشاريع الرأسمالية تسهم في تحسين كفاءة الاقتصاد من خلال خلق أصول طويلة الأجل تزيد من قدرة الاقتصاد الإنتاجية، مثل السكك الحديدية والناقل الوطني والموانئ والمرافق العامة، كما تفتح فرصًا لتوسيع النشاط الاقتصادي وزيادة العمالة. علاوة على ذلك، فإن زيادة الإنفاق الرأسمالي تعزز من جذب الاستثمارات الخاصة عبر توفير بيئة مواتية للأعمال. ومع ذلك، أشدد على أهمية تحقيق التوازن بين الإنفاق الرأسمالي والإدارة الحكيمة للدين العام لضمان استدامة المالية العامة دون الإضرار بالأجيال المستقبلية.
    التوصية:
    • إعادة هيكلة الإنفاق لتقليل النفقات الجارية، خصوصًا المتعلقة بفوائد الدين، وزيادة حصة النفقات الرأسمالية بما يعزز النمو المستدام.

ثالثًا: عجز الموازنة (2.28 مليار دينار)
التحليل الاقتصادي:

• يشكل العجز 22.3% من إجمالي الإيرادات. من منظور الفكر الاقتصادي الكينزي، فان العجز مقبول إذا كان يُستخدم لتحفيز الاقتصاد في فترات الركود.
• لكن في حالة الأردن، حيث نسبة كبيرة من العجز تُموَّل بالدين، فقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الفوائد المستقبلية، كما أوضحنا أعلاه، مما يضع قيودًا على السياسة المالية.
التوصية:
• وضع خطة لتقليص العجز تدريجيًا عبر تحسين كفاءة التحصيل الضريبي والحد من الإنفاق غير الضروري.


رابعًا: موازنة التمويل
التحليل الاقتصادي:

• تمثل القروض الداخلية والخارجية غالبية التمويل (6.34 مليار دينار).
o وفقا لنظرية النموذج الكلاسيكي فأن زيادة الاقتراض قد يؤدي إلى إزاحة الاستثمار الخاص (Crowding Out)، ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد طويل الأجل.
• الاعتماد على القروض الداخلية بشكل خاص يزيد من مخاطر التضخم وضعف القوة الشرائية.
التوصية:
• تطوير أدوات تمويل مبتكرة، مثل السندات التنموية الموجهة لتمويل مشاريع محددة، وحسب ما يشير مشروع “موازنة التمويل” فان الحكومة ستقترض، فقط، مبلغ 31.4 مليون دينار من الخارج لتمويل مشاريع رأسمالية، وكان من الأجدى أن تكون النسبة الكبيرة من القروض الخارجية لهذه الغايات.



توصيات لتعزيز كفاءة موازنة 2025 بناءً على التحليلات السابقة

  1. إعادة هيكلة برامج الدعم:
    o توجيه الدعم بشكل دقيق إلى الفئات الأكثر استحقاقًا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتجنب الهدر.
    o التركيز على دعم الإنتاجية بدلاً من الاعتماد على الدعم النقدي المباشر، بما يعزز التنمية المستدامة.
  2. تقليص أعباء الدين العام:
    o تسريع جهود سداد الدين الخارجي المرتفع واستبداله بقروض أقل تكلفة أو مصادر تمويل طويلة الأجل.
    o تحسين إدارة الدين العام عبر خفض نسب فوائد خدمة الدين من خلال مفاوضات لإعادة جدولة القروض أو تخفيض تكلفتها.
  3. تعزيز الإنفاق الرأسمالي:
    o زيادة نسبة الإنفاق الرأسمالي في الموازنة، مع التركيز على مشاريع ذات جدوى اقتصادية عالية، مثل البنية التحتية التكنولوجية والطاقة المتجددة، التي تدعم الإنتاجية والنمو طويل الأمد.
    o الاستفادة من الشراكات مع القطاع الخاص لتمويل المشاريع الكبرى دون تحميل الموازنة أعباء إضافية.
  4. تعظيم الإيرادات غير الضريبية:
    o تطوير استراتيجيات لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يعزز عائدات الرسوم والمساهمة في تقليل الاعتماد على الإيرادات الضريبية.
    o تحسين كفاءة إدارة أصول الدولة لتحقيق دخل أعلى من الإيجارات والرسوم الحكومية.
  5. تطوير استراتيجية لتمويل عجز الموازنة:
    o الاعتماد على أدوات تمويل مبتكرة مثل إصدار سندات خضراء أو استثمارات في المشاريع المستدامة لجذب رؤوس الأموال الدولية.
    o تقليل الاعتماد على الاقتراض الداخلي الذي قد يضغط على السيولة المحلية ويرفع تكلفة الاقتراض للقطاع الخاص.
  6. تعزيز العدالة الضريبية:
    o إصلاح النظام الضريبي لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال إدخال الاقتصاد غير الرسمي ضمن النظام الرسمي، مع ضمان التدرج في تطبيق الضرائب على الشرائح المختلفة لتحقيق العدالة.
  7. إصلاح القطاع العام:
    o ترشيد النفقات الجارية عبر تحسين كفاءة الأجهزة الحكومية واعتماد التحول الرقمي لتقليل التكاليف.
    o مراجعة هيكل الرواتب والمعاشات لتحسين الكفاءة دون التأثير على العدالة الاجتماعية.
  8. تعزيز الشفافية والمساءلة:
    o نشر تقارير دورية عن أداء الموازنة ومتابعة تنفيذ المشاريع الرأسمالية لضمان الكفاءة والحد من الفساد.
    o استخدام مؤشرات أداء واضحة لقياس فعالية الإنفاق وتحقيق الأهداف التنموية.
  9. الانتقال لمرحلة اعداد موازنات مفتوحة وذكية Smart Open Budget
    الانتقال إلى مرحلة إعداد موازنات مفتوحة وذكية يتطلب تبني نهج يعتمد على البيانات والتحليلات المتقدمة لتحقيق كفاءة أعلى ومرونة في اتخاذ القرارات المالية.
    o موازنات مفتوحة: يعني أن البيانات المالية تكون متاحة للجميع بشكل شفاف، مما يعزز المساءلة. ينبغي أن يتمكن المواطنون والقطاع الخاص من الاطلاع على تفاصيل الموازنة وتتبع تنفيذها في الوقت الفعلي.
    o موازنات ذكية: يجب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المالية بشكل ديناميكي، بما يمكن من التنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية المستقبلية وتعديل السياسات المالية في الوقت المناسب.

الهدف الأساسي
تحقيق التوازن بين ضبط المالية العامة وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، مع تقليل العبء على الأجيال القادمة وزيادة مرونة السياسة المالية لمواجهة التحديات المستقبلية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version