* أبو نوار: الطرفان كانا في حاجة ماسة لهذه الهدنة؛ ونظرية وحدة الساحات انتهت وغزة أصبحت وحدها
* طلب: الاحتلال “سيتفرّد” بغزة؛ وإغلاق جبهة لبنان ستكون له انعكاسات خطيرة على قطاع غزة
* حوارات: من المبكر معرفة تداعيات فصل الجبهتين؛ ومن المتوقع حدوث “انفراج سياسي” لأن قرار المحكمة الدولية أضعف قوة الدعم الدبلوماسي لإسرائيل
* مدانات: لا يمكن “لوم” حزب الله على قرار إغلاق جبهة الإسناد؛ وعودة ترامب ستسهم بإنهاء الحرب على غزة
نخبة بوست – أماني الخماش
بعد مرور أكثر من عام على إعلان جبهة الجنوب اللبناني كجبهة إسناد لقطاع غزة، نجحت المساعي الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق تهدئة ووقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
اعلان نبأ الهدنة الاسرائيلية – اللبنانية أثار العديد من التساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على الحرب الدائرة في غزة، لاسيما وأن الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الثلاثة الماضية جعل من لبنان ساحة حرب رئيسية، وكثّف عملياته العسكرية، مرتكبًا العديد من المجازر بحق المدنيين.
ووفقًا لمؤشرات الميدان، يُرجّح أن تعمل إسرائيل على تصعيد عملياتها العسكرية في غزة، بعد عودة معظم الفرق والألوية التي تم نقلها إلى المناطق الحدودية بين لبنان وفلسطين؛ هذا التصعيد قد يؤدي إلى مضاعفة حجم المجازر في القطاع، ويزيد من تعقيد الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة .. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ترك حزب الله قطاع غزة لمصيره !؟
معطيات مختلفة بين الساحتين؛ ومحددات لإنهاء الحرب
في هذا السياق، وبالمقارنة بين الساحتين اللبنانية والغزية، يرى البعض أن الوضع في غزة أكثر تعقيدًا من نظيره في لبنان، نظرًا لتفاوت القدرات العسكرية بين غزة وإسرائيل، فضلًا عن فشل جميع المقترحات المطروحة لإنهاء الحرب في الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
وتتمثل أبرز هذه المحددات التي شددت حماس على الالتزام بها في: الوقف الدائم للعدوان الإسرائيلي على القطاع، الانسحاب الكامل من جميع المناطق داخل غزة، تقديم ضمانات بعودة النازحين إلى منازلهم، وأخيرًا، إبرام صفقة لتبادل الأسرى، باعتبارها شرطًا أساسيًا لإنهاء الحرب.
ابو نوار: السيناريو المتوقع في غزة ” التهدئة مقابل التهدئة”
من جهته، أوضح الخبير العسكري مأمون أبو نوار في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” أن هجوم السابع من أكتوبر نُفذ بعبقرية عسكرية، ولكن مع بداية الهجوم الجوي الذي تلاه الهجوم البري، أصبحت معطيات المشهد أكثر تعقيدًا وخطورة، وأضاف قائلاً “كلا الطرفين رفعا من مستوى الأهداف المتوقعة في هذه الحرب”.
وأوضح أبو نوار أن حركة حماس كانت تسير وفقًا للاستراتيجية المقاومة، لكن الأسلحة التي استخدمتها كانت ملائمة لحروب المدن والعصابات أكثر منها لحروب مع جيوش منظمة؛ مؤكدا أن المعادلة العسكرية في غزة لم تكن متكافئة، ولم تسهم في ردع إسرائيل أو دفعها نحو إنهاء الحرب.
ثغرات عسكرية .. ولكن
وأشار أبو نوار إلى أن هناك ثغرات عسكرية لدى كلا الطرفين، حيث أن إسرائيل كانت لديها طموحات كبيرة لتحقيق أهدافها في الحرب على غزة، لكنها لم تتمكن من تحقيقها حتى الآن، وفي المقابل، ذكر أن المقاومة في غزة لم تستطع حماية المدنيين، حيث اقتصرت عملياتها على نصب الكمائن والقنص، بالإضافة إلى بعض الاستهدافات المحدودة.
وأضاف قائلاً: “الأنفاق تشكل ركيزة الحرب في غزة، وهي حجر الزاوية فيها”؛ واصفًا الحرب على غزة بالحرب المتحركة، حيث تنسحب المقاومة من المناطق المواجهة لفترة قصيرة، ثم تعود لممارسة نشاطها العسكري في نفس المنطقة.
نظرية وحدة الساحات انتهت؛ ومعادلة الإيلام بلغت أعلى درجاتها
وفيما يتعلق باتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان، قال أبو نوار إن الطرفين كانا في حاجة ماسة لهذه الهدنة، حيث وصلا إلى معادلة الإيلام بأعلى درجاتها؛ وأضاف أن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة وتنامي المخاوف الإيرانية من إمكانية إعادة فتح ملفها النووي دفع طهران إلى اتخاذ قرار بوقف الحرب في لبنان.
وأوضح أن الأسباب التي أدت إلى الوصول إلى هذه الاتفاقية تعود إلى صعوبة استمرار حزب الله في هذه الحرب رغم قدرته على خوضها لفترات طويلة، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بلبنان، مما دفع الأطراف إلى اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار وتطبيق قرار 1701 دون تعديلات.
وتابع بقوله “نظرية وحدة الساحات انتهت، وأصبحت غزة وحدها رغم حاجتها إلى المساعدة، وقد يسهم ذلك في العودة إلى طاولة المفاوضات”، لافتا إلى أن إسرائيل حققت أهدافها في لبنان وسعت لإبعاد حزب الله من الساحة السياسية اللبنانية، بينما حافظ حزب الله على قدراته العسكرية رغم تدمير جزء منها، وستظهر نتائج نجاح المخططات الإسرائيلية ضد الحزب خلال الشهرين القادمين.
سيناريو التهدئة مقابل التهدئة ..
وأوضح أبو نوار أنه لا يمكن سحب اتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان وتطبيقها في غزة، وأن السيناريو المتوقع في غزة هو التوجه نحو معادلة “التهدئة مقابل التهدئة”، مع إبقاء الجيش الإسرائيلي تواجده في بعض مناطق القطاع.
وقال “تحقيق السيناريو المتعلق بالتهدئة مقابل التهدئة مرتبط بعودة ترامب وما يحمله من مخططات تجاه المنطقة، وتحديدًا الضفة الغربية”.
وأشار إلى أن الحل السياسي في غزة مرتبط بعاملين: الأول هو الوصول إلى صيغة اتفاق معينة لإتمام صفقة إطلاق الأسرى، والثاني هو الإعداد الكامل لليوم التالي للحرب ومعرفة من سيحكم القطاع، كما دعا أبو نوار الدول العربية إلى التعاون فيما بينها وتكثيف الجهود لإنهاء الحرب في غزة، وعقد صفقة لتبادل الرهائن.
طلب: عنوان المعارك المقبلة “كسر عظم”
في هذا الصدد، أوضح الصحفي والمحلل السياسي رجا طلب في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” أن إعلان وقف إطلاق النار في الجبهة الشمالية سيكون له تداعيات عسكرية وميدانية على قطاع غزة، حيث كانت جبهة لبنان تمثل جبهة إسناد حقيقية للقطاع، وساهمت في تخفيف الضغط العسكري على غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وأشار طلب إلى أن الجبهة اللبنانية أظهرت للاحتلال خطورة استمرار الحرب، وكادت أن تُغير المعادلة وتجبر إسرائيل على القبول بوقف إطلاق النار، بفعل الضربات المستمرة والقصف بالطائرات المسيرة التي استهدفت معظم المدن في فلسطين المحتلة، وخاصة حيفا وتل أبيب.
الاحتلال “سيتفرّد” بغزة ..
وفيما يتعلق بتأثير إغلاق جبهة الشمال على غزة، أكد طلب أن وقف العمليات على هذه الجبهة يعني أن الاحتلال سيستفرد بالكامل بقطاع غزة، وسيعاود البحث عن بؤر المقاومة لاستهدافها وتدميرها، لافتا إلى أن إغلاق جبهة لبنان ستكون له انعكاسات خطيرة على القطاع، في ظل الحصار المشدد المفروض على غزة، وغياب الإمدادات العسكرية للمقاومة.
مواجهة من نقطة الصفر ..
وأشار طلب إلى أن الاحتلال سيكثّف ضرباته للبنى التحتية في مواقع تواجد المقاومين، خصوصًا الأنفاق والمنازل التي تستخدمها المقاومة لنصب الكمائن واستدراج القوات الإسرائيلية لتفجيرها؛ كما سيسعى المقاومون إلى استهداف المدرعات ودبابات الميركافا التي تواجه صعوبة في التحرك وسط الدمار الهائل في غزة.
وأضاف “المعارك المقبلة ستكون مواجهة من النقطة صفر، وستدور تحت عنوان كسر العظم؛ وبعد عمليات التمشيط، سيبدأ الاحتلال مرحلة البحث الممنهج عن الأسرى، مستخدمًا استراتيجيات محددة، منها تفجير المباني التي يُعتقد أنها مفخخة، وفحص طبيعة المباني المدمرة باستخدام المسيرات لتصويرها وكشف ما بداخلها“.
حوارات: المجتمع الدولي بات مهيئاً لإنهاء الحرب على غزة
من جانبه؛ قال المحلل السياسي د. منذر حوارات إنه من المبكر معرفة تداعيات اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله ودولة الاحتلال، ومدى انعكاسه على الأحداث في غزة؛ لكنه في الوقت ذاته قد يساعد في خلق مناخ إيجابي يسهم في الوصول إلى اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة.
ولفت إلى أن تعقيدات ملف غزة كبيرة، وحماس لن تقبل بمطالب إسرائيل، خاصة وأنها تتضمن إنهاء وجود الحركة سياسياً وعسكرياً في القطاع. وأوضح قائلاً: “العقبة الأساسية في الملف الغزي هي إمكانية الوصول إلى عقد صفقة تبادل للرهائن.”
قرار المحكمة الدولية “أضعف” اسرائيل
وفيما يتعلق بانعكاس اتفاقية وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني على غزة، بين حوارات أنه لا يمكن معرفة تداعيات هذه الاتفاقية على القطاع في الوقت الحالي، إلا أنه من الممكن أن تحدث انفراجة سياسية، بالرغم من صعوبة معرفة ماهية هذه الاتفاقية وكيفية عقدها.
وأضاف: “المجتمع الدولي بات مهيئاً لعقد اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، في حال قدم الطرفان بعض التنازلات.”
وأشار إلى أن قرار محكمة العدل الدولية بإدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بارتكاب جرائم حرب في غزة قد يعزز من فرضية الذهاب باتجاه اتفاق وقف إطلاق النار؛ لا سيما وأن المجتمع الدولي سئم من أفعال إسرائيل الإجرامية.
مدانات: جبهة لبنان كانت إسنادًا لغزة .. وعودة ترامب قد ستساهم في إنهاء الحرب
بدوره؛ قال المحلل السياسي المهندس شادي مدانات إن جبهة لبنان كانت منذ البداية “جبهة إسناد”، وكان لها دور في تخفيف الضغط العسكري على المقاومة في غزة، حيث سحب الاحتلال من غزة بعض فرقه العسكرية ونقلها إلى جبهة لبنان.
وأشار إلى أن الجبهة الشمالية كانت جبهة لإشغال العدو، وليست جبهة حرب شاملة؛ وفي ضوء هذه المرحلة، سعت إسرائيل للتخلص من قوى المقاومة في الجنوب والشمال، سواءً هاجمت قوى المقاومة في غزة أو لم تفعل، وذلك في محاولة من الاحتلال لترجمة مشروعه “إسرائيل الكبرى”، والتمدد نحو الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية.
ولفت مدانات إلى أنه بعد تحقيق إسرائيل بعض أهدافها في غزة، اعتقدت أنها تملك القدرة الكافية لتطبيق السيناريو ذاته في لبنان، ورفع ذلك من سقف أهدافها في الحرب؛ وكان ذلك واضحًا في تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي سعى إلى إنهاء حزب الله، وإقامة منطقة عازلة بين الحدود، وإخراج الحزب من المعادلة السياسية في لبنان.
ثغرات أمنية لدى حزب الله
وأوضح مدانات أن الحزب يعاني من وجود ثغرات أمنية أدت إلى كشف مواقع إطلاق الصواريخ ومعرفة أماكن تواجد القادة؛ وقد عزز تفوق الاحتلال التقني من توجيه ضربات قاسية للحزب، إلا أنه لم ينل من قوته وقدراته العسكرية.
وقال “الضربات المتتالية لحزب الله، ولا سيما مرحلة اغتيال قادة الصف الأول، أدخلت الحرب في منعطف خطير، مشيرا إلى أن هذه الضربات قد أربكت الحزب، وساهمت في إطالة أمد الحرب بين لبنان وإسرائيل، حيث أن السيناريو المتوقع لهذه الحرب هو تطبيق معادلة إيلام العدو بشكل تدريجي، والعمل وفق مبدأ الردع “المدني بالمدني والمبنى بالمبنى.“
حزب الله قدم تضحيات كبيرة لمساندة غزة
وفيما يتعلق بقرار إغلاق جبهة الشمال على غزة، قال مدانات إنه لا يمكن لوم حزب الله على قرار إغلاق جبهة الإسناد، لا سيما وأنه قدم تضحيات جسيمة في سبيل مساندة غزة؛ كما أن تكاليف الحرب في لبنان كانت كبيرة على الإسرائيليين، مما دفعهم إلى التوجه نحو وقف إطلاق النار.
وأضاف: “المشهد في غزة مختلف عن لبنان، نظرًا لاختلاف المعطيات السياسية والعسكرية وميزان القوى.”
وقف إطلاق النار في غزة
وفيما يتعلق بإمكانية عقد اتفاقية وقف إطلاق نار في غزة، أشار مدانات إلى أن العاملين اللذين قد يضغطان على الجيش الصهيوني لإنهاء عدوانه على غزة هما: تكثيف فصائل المقاومة عملياتها العسكرية لاستنزاف إسرائيل، والعمل وفق معادلة إيلام العدو التي أثبتت نجاحها في لبنان.
وأضاف مدانات أن العامل الثاني الذي قد يسهم في تحقيق سيناريو إنهاء الحرب هو مضاعفة الخطر المحتمل من خروج أهالي الأسرى ورفع حدة غضبهم على الحكومة الإسرائيلية، لدفعها نحو عقد صفقة تبادل أسرى.
وأوضح مدانات أنه من الصعب الآن الوصول إلى اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، لا سيما وأن الجيش الصهيوني قد يستأنف نشاطه بشكل أكبر في غزة، في محاولة لتحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، والأهم التغطية على فشله العسكري في لبنان.
هل سنشهد هدنة قريبة في غزة ؟
لا يمكن استبعاد إمكانية الوصول إلى هدنة مؤقتة أو حتى وقف لإطلاق النار في غزة، إذا ما تم تقديم بعض التنازلات من الأطراف المختلفة، خاصة في ظل الضغوط الدولية التي بدأت تتزايد على إسرائيل.
لكن في الوقت نفسه، فإن غياب التوافق بين الأطراف والتعقيدات السياسية والميدانية تجعل من إتمام اتفاق هدنة قريب أمرًا غير مؤكد، ويعتمد بشكل كبير على التغيرات الميدانية والعوامل الخارجية المؤثرة على جميع الأطراف المعنية.