نخبة بوست – بالتأكيد لم يبالغ الكاتب والشاعر العربي السوري (ممدوح عدوان) حين قال ساخراً : الكُل يريد امتهان السياسة دون معرفة بأدنى أبجديّاتها ! وضارب طبل من الدرجة العاشرة يأخذ حصة في التلفزيون الرسمي أضعاف ما يأخذه أهم مفكر أو مثقف.
في كانون أول ديسمبر 2021 كنت في زيارة الى لندن وحضرت مزاد في دار المزادات البريطانية Bonham في ضاحية Mayfair الراقية في لندن ؛ المزاد كان عبارة عن بيع رسالة لرئيس وزراء بريطانيا Winston Churchill أرسلها لصديقه Sir Frederick Ponsonby ، يعود تاريخ الرسالة الى آب 1929، وقتها كان تشرشل نائباً في مجلس العموم البريطاني عن منطقة Epping : فحوى الرسالة أن تشرشل شعر في الجلسة الاخيرة لمجلس العموم البريطاني ان المجلس لم يأخذ بنصائحه حول قضايا مهمة مثل الهند وتهديدات ألمانيا النازية وقتها، وقال في رسالته لل Sir Frederick ( عندما أصبح غير قادر على ان العب دور فعّال داخل مجلس العموم يكون هذا هو الوقت المناسب لترك معترك السياسية وممارسة مهناً أكثر إمتاعاً وأوفر ربحاً ) ،،، تم بيع الرسالة ب 5600 جنيه استرليني.
لطالما أدّت النُخب ورجال الفكر أدواراً محورية في الظروف التاريخية و الصعبة لبلدانها.
في الأردن، هناك حالة غضب وعتب وفوضى الأحوال والأفكار وغياب الاستقرار النفسي واهتراء الثقة السياسية ! و بنسب مختلفة وحسب كل قضية ، وإذا ما سلمنا بحقيقة كل ذلك ،، سأنطلق من مغامرة الاعتراف بتفشي ظاهرة الاغتراب السياسي Political Alienation لدينا التي أصبحت حقيقة يدركها كل من هو منشغل بالرأي العام والحياة السياسية ! والتي تعتبر شكل من أشكال المشاعر السلبية تجاه ما يحدث على جميع الأصعدة ! وتُعَدُّ أحد الاختلالات العميقة التي تعيق أي نظام سياسي يبحث عن الاستقرار !
أصبح مصطلح الفقر السياسي من أقوى المصطلحات التي يمكن إسقاطها على حياتنا السياسية في الأردن ! فـ على الرغم من التابوهات الكثيرة عندما يتعلق الحديث عن الحمولة السياسية وعن أدوات السياسة إلا أنها لا زالت تفتقر الى الجاذبية بسبب عدم التمرحُل والنُضج وغياب التفكير الصائب في فقه الأولويات ! وكلُّ الاحصائيات والمؤشرات تشير الى عزوف واستنكاف النُّخب عن الاهتمام بالشؤون السياسية.
يجب أن نعرف أن الحسابات الخاطئة هي أسوأ الحسابات ! وتفرق عن حسابات أخرى من حيث حجم آثارها ونتائجها ! ولأننا شهود على مراحل مُعيّنة بحُلوها ومرها ، رأينا الكثير من كل شيء ،، ما عدا القليل الذي يقع في خانة الحكمة والرشد السياسي ،،، فالتحديات متداخلة وتتطلب قدرات ورجالات من نوع استثنائي لمواجهتها، واعتبار السياسة خاصة بمن يحكم ويدير شؤون البلاد مفهوم خاطىء ! فحين تبتعد النخب ورجالات الفكر عن الاهتمام بالشؤون السياسية للبلاد فإن قواعد اللعبة تتغير وتكون نتائجها سيئة ،،، وما نشاهده حالياً أن غالبية الوجوه في حوارات وكتابات ومواقع مسؤولية ضعيفة المنطق هزيلة المعرفة ، خسارتها فادحة ، ونفعها معدوم ، وضررها حاصل ،،، وأي باحث او محلل يستطيع ان يقدم قراءة لمشهد ما ،، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي ،، إلا في الاردن حالياً ! فمن الصعب وما ندَر ان نجد كاتباً أو محللاً يسلط قلمه بشفافية دون نفاق أو تطبيل ! لاعتقاده أنه سيدخل مرحلة الحماية ! و سينتظر مغنمٌ آجل في الطريق.
نعم .. السلوك والمزاج العام للأردنيين يأخذ السلبية ، والناظر من النافذة يرانا نعيش عاصفة متواليات ساهم الكل فيها أدت الى تجريف السياسة وشيطنة مفاهيمها واختفاء السياسيين ! حيث تُركت الساحة لمجموعات عنقودية وشبكات زبائنية احتكرت السياسة والنفوذ والتجارة و أوصلتنا إلى أعتاب تشكّل ظاهرة إقطاع سياسي.
الإقصاء المُمنهج وضعف الوعي السياسي ترك الدولة دون مشروع ينهض بالأردن وينقله من حالة الجمود ونمطية هذا الواقع المتحجر الى حيوية التغيير والى خلق أحلام جديدة غير متابعة ، وأَزمة الثقة تتسع ودخلت مرحلة صعبة ! وهيكل العلاقة تصبح من أكبر التحديات … وحديث الأردنيين صباح مساء عن الحاجة إلى مشروع وطني أو حوار تقوده طبقة سياسية ناضجة للإمساك بخيوط المواقف لإنقاذ الأردن من تراجعه الزماني والتصدّي لجملة التهديدات الصهيونية التي تترافق مع احتدام صراع الأجندات والمشاريع في المنطقة والإقليم.
بين الفعل ورد الفعل ! وبين الرد والرد على الرد ! نقول بصوت عالٍ انتبهوا للأردن.