نخبة بوست – في 2011، كان الأمر واضحًا، احتجاج شعبي ومظاهرات سلمية مشروعة امتدّت لسبعة أشهر، لم تطالب بتغيير النظام، بل بإصلاحات سياسية ومؤسسية كانت متوقعة أصلا من الرئيس الشاب الذي عدل الدستور ليناسب عمره، ويرث منصب أبيه.
اتُّهم النظام باستخدام قوة مفرطة لإخماد التمرد الشعبي، وهنا امتدّت أيد خارجية وسلحت الانتفاضة الشعبية، وصار إسقاط الأسد بدعوى عدم ديمقراطيته ومقاومته للإصلاح مطلبا عربيا إقليميا عالميا، وحتى من دول ليس لها علاقة بالديمقراطية ومشاركة الشعب!
فقدت الدولة السورية سيطرتها على مساحات كبيرة من أرض سورية، وحصلت حالة نزوح من سورية إلى العالم كله، واستقبلت الأردن وتركيا أكبر عدد من النازحين السوريين، وهنا ظهر للعيان بداية حركة انفصال تمثلت في «الأكراد الشوام»، وبالطبع حَظي هذا التوجه الانفصالي بدعم أميركي إسرائيلي بحجة مواجهة داعش التي ظهرت على المسرح في مشروعٍ مشبوهٍ وإرهابي لإقامة دولة «إسلامية» في سورية.
وهنا، تبلور نزاعٌ مع تركيا التي توترت من تصاعد قوة الأكراد الشوام على حدودها وعلاقتهم مع حزب العمل الكردستاني المحظور في أرضها! إضافة إلى مسألة النازحين السوريين ورغبة تركيا في إعادتهم لبلادهم.
استعان النظام السوري بإيران، وهو الأمر الذي عقَّد علاقته مع الخليج العربي ودول عربية عدة، وصارت سورية مستقراً لقادة إيران العسكريين، واقتربت من أن تصبح قاعدة عسكرية إيرانية، وبالتأكيد طريقا لإمداد حزب الله بالسلاح.
عقَّد الحلف الأسدي الإيراني الموقف أكثر، وأمسى استهداف نظام الأسد مطلبا لأغلب الدول العربية ومن خلفها أميركا، وذلك في معرض حرب هؤلاء للنفوذ الإيراني في المنطقة! وهنا جاء دعم روسيا، وهذا الحلف وعلى أهميته للنظام، لكنه جلب له عداوة أميركا أولا وعداوة الدول العربية الموالية للسياسة الأميركية في المنطقة ثانيا.
في السنوات الأخيرة تصالح أغلب العالم العربي- ودون إبداء الأسباب – مع بقاء الأسد ونظامه في السلطة، وتحرك النظام بمساعدة إيران وحزب الله وروسيا واستعاد السيطرة على مساحات مهمة من أرض سورية، حتى أن تركيا بدأت محاولة مفاوضات لإنهاء النزاع وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
في المشهد، تُدرب وتمول وتهاجم إسرائيل اطرافا عدة، وتعمل على محاصرة وإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية، وطبعاً، قطع الإمدادات الإيرانية لحزب الله!
سورية دولةً ووطناً وشعباً هي البوصلة، سورية العنوان، هي الإرث والحضارة والتاريخ والجغرافية، سورية التي خذلها قادة الأحزاب الوحدوية كما خذلوا العراق قبلها، تستحق حكما رشيدا ديمقراطيا قبل 2011 وبعدها، تستحق سورية مشاركة الشعب في الحكم وتداولا سلميا للسلطة، ومن جانب آخر تستحق سورية جماعات ثورية غير مأجورة لهذه الجهة أو تلك، ومعارضة مستنيرة تنبذ الكراهية الطائفية والعرقية، معارضة تستحضر عوامل وحدة الأمة عوضا عن عوامل نزاعها العقدي والطائفي!
آخر الكلام، سورية مثالٌ عمليٌ على انهيار النظام العربي وفشل دوله جميعها، وهي ساحة مستباحةٌ لتصارع الكبار ولكن وفي نهاية المطاف من يلتقي مع العدو الصهيوني اليوم، إنما يلتقي مع السرطان المسؤول عن كل التشرذم والتشظي في الوطن العربي، ومن لا يستند في تقييمه ومواقفه إلى هذا المعيار إما مغرر به أو متآمر بوعيه أو دون وعيه.
معارك فلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان يجب أن تكون معارك للاستقلال، وليس للفرقة والاقتتال.
لقد آن الأوان للعمل على مشروع مؤتمر للشعوب العربية، وليس للدول العربية مؤتمر ممثل لكل شعوب الأمة حيث تجتمع قيادتها لوضع مشروع جديد للوحدة العقلانية والانبثاق نحو عالم عربي مستقل ديمقراطي متسامح قابل للتنوع الديني والعرقي، عالم عربي يخلق قطيعة معرفية وعملية مع أسباب التشظي والاختلاف نحو خلق فضاء وطني عربي مستقل عادل حيث فيه الشعب مصدر السلطات. المشاريع الكبيرة تبدأ بالأحلام وأحيانا بالهذيان جنابك.