نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
في خطاب مفاجئ في الهزيع الأخير من ليل الثلاثاء 3 ديسمبر 2024، أعلن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول فرض الأحكام العرفية، وهي خطوة لم تشهدها البلاد منذ أكثر من أربعة عقود.
وجاءت هذه الخطوة وسط أزمة سياسية متصاعدة بين الرئيس والحزب الديمقراطي المعارض الذي يسيطر على البرلمان؛ مما أثار صدمة واسعة، حيث تضمن اتهامات من الرئيس للمعارضة بالتورط في أنشطة معادية للدولة وتعاطف مع كوريا الشمالية.
وفي خطابه الذي بث على الهواء مباشرة، أشار الرئيس يون إلى أن الوضع السياسي في البلاد بلغ مرحلة تهدد “النظام الدستوري”.
فتضمنت إجراءات الأحكام العرفية نقل السلطة مؤقتاً إلى جنرال في الجيش للإشراف على تنفيذ القرارات، ونشر قوات عسكرية حول البرلمان، مع هبوط مروحيات عسكرية على سطح المبنى؛ كما شملت فرض رقابة على وسائل الإعلام، وإجبار العاملين في المجال الطبي على إنهاء الإضرابات والعودة للعمل خلال 48 ساعة.
وبعد الإعلان مباشرة، دعا زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، أعضاء حزبه إلى التوجه للبرلمان والتصويت ضد الأحكام العرفية؛ فتمكن النواب من تجاوز الحواجز العسكرية المحيطة بالبرلمان وعقدوا جلسة طارئة بعد منتصف الليل، وصوت 190 نائباً من أصل 300 ضد القرار، مما أدى إلى إلغاء المرسوم الرئاسي بعد أقل من 6 ساعات على إعلانه.
وخرج آلاف المواطنين إلى الشوارع في العاصمة سيول ومدن أخرى احتجاجاً على القرار، ورفع المتظاهرون شعارات تدعو إلى حماية الديمقراطية ومحاسبة الرئيس، ورغم الانتشار العسكري؛ لم تسجل حالات عنف واسعة النطاق.
التراجع عن القرار والتحقيقات اللاحقة
وبعدها؛ وفي الساعات الأولى من صباح الأربعاء، أعلن الرئيس يون تراجعه عن الأحكام العرفية في بيان رسمي، مؤكداً أنه سيحترم تصويت البرلمان؛ فرغم ذلك، دافع عن موقفه السابق، مشيراً إلى أن الظروف التي دفعته إلى اتخاذ القرار ما زالت قائمة.
وفي أعقابها؛ فتح الادعاء تحقيقاً مع الرئيس ووزير الداخلية ووزير الدفاع السابق بشأن أدوارهم في محاولة فرض الأحكام العرفية.
إشارات خطاب يون.. بين تهديد الديمقراطية وشبح الأحكام العرفية
ولتحليل خطاب يون؛ فمن الواضح أنه كان مغتاظاً من البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة؛ فقد وصف في خطابه البرلمان بأنه “وحش يدمر النظام الديمقراطي الليبرالي”
أما الإشارة إلى خطر كوريا الشمالية و“القوى المعادية للدولة”؛ فيظهر منها أنه كان يسعى إلى كسب دعم اليمنيين المحافظين الذين يصفون الليبراليين بأنهم “شيوعيون”.
واعتبر إعلانه تذكيراً مروعاً بفترة يسعى الكثير من الكوريين إلى نسيانها؛ ولاحظ الناس أن المذيعين في التلفزيون كان يرتعدون وهم يقرأون الخبر.
واستمرت الأحكام 3 سنوات من 1979 إلى 1981، ولكن البلاد كانت تحت الحكم العسكري لعقود من الزمن قبل ذلك، لم ينته إلا في 1987.
وفي تلك السنوات؛ كانت كوريا الجنوبية تسيطر عليها الشكوك، فالناشطون المعارضون للحكومة يوصفون بالشيوعيين والجواسيس ويتعرضون للاعتقال والقتل.
ومع ذلك فإن يوان أشاد في حملته الانتخابية بالجنرال المستبد شون دون هوان، وقال عنه إنه أحسن إدارة شؤون الحكومة، باستثناء قمع الناشطين المدافعين عن الديمقراطية.
واضطر بعدها إلى الاعتذار، وقال إنه “لم يدافع ولم يشد بحكومة تشون”؛ ولكن ذلك يعطي فكرة عن نظرة الرئيس لمفهوم السلطة.
وانتشرت شائعات في الأوساط السياسية الكورية الجنوبية منذ شهور بأن يون يعتزم فرض الأحكام العرفية، وأعلن قياديون في المعارضة وأعضاء في الحزب أن ذلك احتمال وارد، ولكن أغلبهم استبعد الفكرة باعتبارها خيار متطرف.
فمنذ التحول الديمقراطي في أواخر الثمانينات، أصبحت الأحكام العرفية قضية حساسة، ترتبط بانتهاكات الحقوق وقمع المعارضة.
واختلفت ردة الفعل هذه المرة؛ حيث أظهرت المؤسسات الديمقراطية قوتها من خلال تصويت البرلمان السريع ضد القرار، مما يعكس تطور النظام السياسي في البلاد.
تداعيات القرار: انهيار البورصة الكورية وانخفاض تاريخي للوون
عانت كوريا الجنوبية بعد إعلان القرار من تداعيات اقتصادية؛ فشهدت البورصة الكورية الجنوبية اضطرابات حادة، حيث انخفض مؤشر “كوسبي” بنسبة 1.44%، وتراجع مؤشر “كوسداك” بنسبة 1.97%.
كما تراجعت أسهم الشركات الكبرى مثل “سامسونغ للإلكترونيات” بنسبة 1% و”هيونداي موتور” بنسبة 2.4%.
وعلى إثره، انخفض الوون الكوري الجنوبي إلى أدنى مستوى له منذ عامين، حيث سجل 1443.40 مقابل الدولار؛ ومع التراجع عن القرار، تعافى الوون جزئياً ليصل إلى 1413.80 مقابل الدولار.
وأعلن البنك المركزي الكوري عن تقديم سيولة غير محدودة للحفاظ على استقرار الأسواق المالية؛ كما خصصت الحكومة 10 تريليونات وون (7.07 مليار دولار) لتأمين الاستقرار المالي في البلاد.
كيف أشعل تراجع الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية ردود الفعل الدولية؟
وفيما يخص ردود الفعل الدولية؛ أعرب البيت الأبيض عن ارتياحه لتراجع الرئيس يون عن الأحكام العرفية، وأشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أن واشنطن تتابع الوضع عن كثب، مؤكداً دعم الديمقراطية في كوريا الجنوبية.
ودعت الصين مواطنيها في كوريا الجنوبية إلى توخي الحذر، وأعربت عن قلقها بشأن الاستقرار في المنطقة.
من جهتها، عبرت روسيا عن قلقها من تأثير الأزمة على الوضع الإقليمي، وحثت على الحوار لحل الخلافات.
وتلاها، دعت ألمانيا والمملكة المتحدة الأطراف الكورية إلى ضبط النفس، مع التأكيد على أهمية احترام القوانين الديمقراطية.
ما الذي يلي الأزمة؟
سياسياً؛ يواجه الرئيس يون تحدياً كبيراً للبقاء في منصبه، خاصة مع تصاعد الضغوط من البرلمان والمعارضة؛ إذا تم عزله، سيتولى رئيس الوزراء مهامه مؤقتاً، على أن تجرى انتخابات رئاسية خلال 60 يوماً.
وفتحت الشرطة الكورية الجنوبية أمس الخميس تحقيقاً مع الرئيس يون سوك يول بتهمة التمرد، وأكد رئيس دائرة التحقيقات في الشرطة الوطنية وو كونغ-سو أمام مجلس النواب أن التحقيق بدأ بعد إعلان الرئيس الأحكام العرفية لمدة ست ساعات، قبل أن يتراجع عنها تحت ضغط من النواب والمتظاهرين.
وقدمت ستة أحزاب معارضة مذكرة لإقالة الرئيس يوم الأربعاء، متهمة إياه بارتكاب انتهاكات خطيرة للدستور والقانون؛ من المتوقع أن يتم التصويت على المذكرة يوم السبت الساعة 19:00 بالتوقيت المحلي (10:00 بتوقيت غرينتش) وفقاً لوكالة “يونهاب”.
فتحتاج المذكرة لدعم ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية، وهو ما يتطلب انضمام ما لا يقل عن ثمانية نواب من الحزب الحاكم “قوة الشعب” إلى جانب المعارضة، التي تمتلك 192 مقعداً من أصل 300 في البرلمان، بينما يحتفظ الحزب الحاكم بـ108 مقاعد.
كما وسّع الادعاء العام في كوريا الجنوبية نطاق التحقيقات ليشمل وزير الداخلية ووزير الدفاع السابق لدورهما المزعوم في فرض الأحكام العرفية.
وإقتصادياً؛ تحتاج الحكومة إلى خطوات سريعة لاستعادة ثقة المستثمرين وتثبيت الأسواق المالية.
هل تكررت الأخطاء أم تعلمت كوريا الجنوبية من دروس الماضي؟
فرغم تراجع الرئيس يون عن قرار الأحكام العرفية تحت ضغط المعارضة والمواطنين؛ تبقى التساؤلات قائمة: هل كانت هذه الأزمة مجرد عثرة في مسار الديمقراطية الكورية؛أم أنها مؤشر لتحولات أعمق قد تهدد الاستقرار السياسي في البلاد؟ وهل يمكن أن تُعيد كوريا الجنوبية ترسيخ الثقة بمؤسساتها الديمقراطية بعد هذا الزلزال السياسي؟