نخبة بوست – كتب: محمد صبيح الزواهرة
حينما تكون بلا شخصية سياسية واضحة، يصبح الفرد فريسة سهلة لأي سلطة تسعى لتشكيل مواقفه وتوجهاته. تتحول إلى كائن قابل للتوجيه، تبدأ في الدفاع عن قراراتها وأيديولوجياتها بحماس، ولكنك تجد نفسك في حالة من الارتباك والفراغ الذهني عندما تتبدل تلك القرارات فجأة بفعل تقلبات سياسية أو اقتصادية.
في هذه اللحظة، تجد نفسك صامتًا، مشوشًا، تائهًا في تفسير هذا التحول المفاجئ، لأنك لم تكن تمتلك رأيًا سياسيًا مستقلًا في الأصل. لم يكن موقفك ناتجًا عن تفكير أو تحليل عميق، بل كان مجرد انعكاس لما يفرضه عليك الخطاب السائد، الذي اقتنع به دون تدقيق أو تمحيص.
الشخصية السياسية الفارغة في هذا السياق لا تضر فقط على مستوى الفكر السياسي، بل تؤثر بشكل عميق في الصحة النفسية للفرد. عندما يفقد الشخص القدرة على تحديد مواقفه بناءً على قناعاته الذاتية، يبدأ في العيش في حالة من الارتباك الداخلي. هذه الشخصية تصبح ضحية للتأثيرات الخارجية، سهلة الانقياد لتغيرات الحكومة أو الخطاب السياسي، فكل تحول في الأيديولوجيا أو السياسة يؤدي إلى انزياح مفاجئ في مواقفه، مما يخلق في داخله حالة من عدم الاستقرار النفسي.
من الناحية النفسية، فإن “الذهن الفارغ” يخلق حالة من القلق المستمر، حيث يعيش الفرد في حالة من الفراغ الفكري والعاطفي. لا يشعر بالاتصال مع ذاته أو مع المجتمع، بل ينجذب نحو كل فكرة تُطرح عليه دون أن يكون لديه القدرة على فهم دوافعه وراء قبول هذه الأفكار. يصبح الشخص سهل التوجيه ويعاني من انعدام الوعي الذاتي، مما يعزز من شعوره بالضياع.
دور الإعلام في هذا السياق يصبح حاسمًا، فهو يُعتبر أداة قوية لتوجيه وتشكيل الوعي الجمعي. في عالم مليء بالقنوات الإعلامية المختلفة، يتم استخدام الإعلام لتوجيه الرأي العام وترسيخ أفكار وقيم معينة، بما يخدم مصالح السلطة أو القوى السياسية. من خلال الرسائل المتكررة والمحتوى المنمق، يخلق الإعلام واقعًا موازياً، يستهلك فيه الأفراد الأخبار والمعلومات التي تساهم في تشكيل مواقفهم، بل وتوجيه عقولهم إلى حيث تشاء القوى المسيطرة.
الإعلام، بنوعيه التقليدي والرقمي، يمكنه أن يعزز من حالة “الذهن الفارغ” عبر تكرار روايات معينة ومهاجمة أو تشويه أي أفكار معارضة. يتلاعب بعقول الناس ويجعلهم يتبنون مواقف سياسية أو اجتماعية دون أن يكون لديهم الوعي الكامل لما وراء تلك المواقف. يصبح الإعلام أداة لتشكيل “الحقيقة” وفقًا للمصالح السياسية، وتزداد قدرة الإعلام على التأثير عندما يكون الأفراد غير مدربين على التفكير النقدي أو يمتلكون شخصية سياسية غير مستقلة.
هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على التأثير النفسي للفرد، بل يمكن أن تتسرب إلى المجتمع ككل، فيصبح المجتمع فاقدًا للتوازن النفسي والجماعي. في السياقات السياسية المتأزمة مثلما يحدث في سوريا أو مناطق أخرى تشهد صراعات حادة، يتجلى الذهن الفارغ في النفس السياسية للمواطنين، فيصبحون ساحة للصراع بين القوى المتصارعة التي تسعى لإعادة تشكيل أفكارهم ومواقفهم.
التغيرات السياسية السريعة تُعمق شعور الفرد بالعجز النفسي والتوتر الداخلي، ويؤدي ذلك إلى شعور دائم بعدم الاستقرار والضياع، مما يهدد تماسك الهوية الفردية والجماعية على حد سواء.
في هذا السياق، يصبح فقدان الوعي السياسي والفكري تهديدًا حقيقيًا ليس فقط للاستقرار السياسي، بل للصحة النفسية للمجتمع ككل