نخبة بوست – ملفُّ رفعِ الحدِّ الأدنى للأجور لا شكَّ أنَّه ملفٌّ من الملفَّاتِ على مستوى عالٍ من الأهمية، وكيف لا وهو ملفٌّ يمسُّ طبقةً كبيرةً وشريحةً واسعةً من أغلبيةِ المجتمعِ الأردنيِّ وخاصَّةً الطبقةَ الفقيرةَ منه في القطاعينِ العامِّ والخاصِّ، ملفٌّ ينتظرهُ وينظرُ له الأردنيونَ في شوقٍ واشتياقٍ، وهو بالمثلِ ينتظرُ من يتعاملُ معه من المسؤولينَ الأردنيينَ أصحابِ القرارِ في الجهاتِ المختصَّةِ والمعنيةِ بكلِّ شفافيةٍ وموضوعيةٍ ومسؤوليةٍ وجديَّةٍ إذا ما ثبتَ إمكانيةُ تنفيذه، كونَهُ ملفًّا يناقشُ دخلَ كلِّ مواطنٍ في هذا الوطنِ العظيمِ وينعكسُ على مستوى معيشته.
مقترحُ القرارِ المنظورُ على طاولةِ الحكومةِ جاءَ بتوصيةٍ برفعِ الحدِّ الأدنى للأجورِ من 260 دينارًا أردنيًّا إلى 300 دينارٍ أردنيٍّ، وهو رفعٌ من واقعِ الطبقةِ الفقيرةِ غيرُ مرضي، ولإثباتِ ذلكَ لو ضربنا مثالًا لعائلةٍ مكونةٍ من خمسةِ أفرادٍ (الأب، الأم، ثلاثةُ أولادٍ)
سنجدُ أنَّ احتياجاتِ هذه الأسرةِ ستتجاوزُ حاجزَ 400 دُونَ دخلٍ ملكيَّةٍ خاصَّةٍ موزَّعةً شهريًّا كالآتي (20 د مصروفٌ مدرسيٌّ، 50 د إفطارٌ صباحيٌّ، 120 د وجبةُ غذاءٍ، 20 د وجبةُ عشاءٍ، 60 فاتورةُ مياهٍ وكهرباءٍ، 10 د فاتورةُ دواءٍ للحالاتِ الطارئةِ، 50 د أجورُ مواصلاتٍ نقلٍ عامٍّ، 20 د حلوياتٌ وبدلُ رفاهيةٍ) المجموعُ يُقاربُ 355 دينارًا دونَ البحثِ في تفاصيلِ الحالاتِ الأخرى.
لنقولَ إنَّه قرارٌ بالاتجاهِ الصحيحِ ويبعثُ في نفسِ المواطنِ الكادحِ شعورًا مريحًا أنَّهُ هناكَ رسائلُ من صاحبِ القرارِ في الحكومةِ بأنَّهُ يتفاعلُ بشكلٍ حقيقيٍّ مع دعوةِ التكليفِ الملكيِّ في كلِّ مرةٍ لكلِّ حكومةٍ بالتركيزِ على تحسينِ أوضاعِ المواطنِ ومعيشته، لكنَّ شيئًا يحدثني في نفسي وفكري ومنطقي يدفعني بأن أشعرَ وأنظرَ بأنَّ أمرًا ما سيجعلُ هذا القرارَ بالقرارِ المَحظورِ.
ولأكونَ متفائلًا كعادتي على الأقلِّ سيؤجلُ والسببُ أنَّ هكذا قرارًا، نعم يصبُّ في مصلحةِ تحسينِ مستوى الخدماتِ المعيشيةِ للمواطنِ الأردنيِّ، لكنه بحاجةٍ قبلَ اتخاذِ هذه الخطوةِ إلى تحسينِ البنيةِ التحتيةِ الاقتصاديةِ والإداريةِ، ومراجعةِ القراراتِ الحكوميةِ السابقةِ، ومصارحةِ الشعبِ عن السببِ لاتخاذها وشرحها
الحكومةُ صرحتْ عن موازنةِ 2025 بقرابةِ 12 مليارًا ونصفِ دينارٍ أردنيٍّ، 10.5 مليارِ دينارٍ أردنيٍّ ستذهبُ للنفقاتِ العامةِ أغلبُها رواتبُ قطاعٍ عامٍّ، و1.5 مليارِ دينارٍ أردنيٍّ لخدمةِ مشاريعَ رأسماليةٍ إنتاجيةٍ، والإيراداتُ المتوقعةُ 10.5 مليارِ دينارٍ أردنيٍّ، أي بعجزِ 1.5 مليارِ دينارٍ أردنيٍّ، أي إنَّنا لا نملكُ الكثيرَ لنقدمهُ للقطاعِ العامِّ.
بما يخصُّ القطاعَ الخاصَّ، هذا القرارُ أو المقترحُ سيكونُ بينَ مطرقةِ (ارتفاعِ كلفِ التشغيلِ وحساباتها من طاقةٍ وباقةِ قراراتِ إقرارِ الضرائبِ وسياسةِ الجبايةِ من رسومٍ وجماركٍ وضرائبَ دفعها ويدفعُها رأسُ المالِ وتمَّ رفعُها تكرارًا ممنهجًا بتوصياتِ برنامجِ الإصلاحِ الاقتصاديِّ الأردنيِّ بداعي حمايتهِ من تقلباتِ تداعياتِ الأوضاعِ في الأسواقِ العالميةِ سلبًا، قبلَ فترةِ وباءِ الكورونا وما بعده، ويُسجَّلُ للبنكِ المركزيِّ دورهُ).
وليكونَ ما بينَ سنديانِ ضعفِ الاستثمارِ وضعفِ القوةِ الشرائيةِ للمواطنِ وضعفِ العجلةِ الاقتصاديةِ وتداعياتِ الأحداثِ السياسيةِ الحاليةِ في المنطقةِ عليها، ولعلَّ هذا ما يدفعنا دائمًا للبحثِ عن أسواقٍ خارجيةٍ جديدةٍ لمنتجاتٍ أردنيةٍ جديدةٍ، بعدَ غلقِ الأسواقِ العربيةِ المحيطةِ.
حتَّى لو قلنا تجردًا بعيدًا عن العاطفةِ أنَّ الأيدي العاملةَ الأردنيةَ هي منتجٌ وجبَ وضعُ برنامجٍ حكوميٍّ لتأهيلهِ بما تحتاجهُ أسواقُ العملِ الخارجيةِ والمحليةِ حسبَ متطلباتِ واحتياجاتِ السوقِ، هو أحدُ الحلولِ السريعةِ إلى حينِ ضبطِ معادلةِ رفعِ حدِّ الأدنى للأجورِ وملفِّ الإنتاجِ وعوائدها وأرباحها لدى رأسِ المالِ.
حيثُ لا نريدُ تكرارَ تجربتنا في ملفِّ المالكينَ والمستأجرينَ، وإعادةَ النظرِ في منظومةِ الضرائبِ وخفضها ولا نطالبُ بإلغائها وعكسَ الفرقِ على الرواتبِ
هذا الموقفُ أسجلهُ ليسَ انحيازًا لرأسِ المالِ، فمن يثبتُ قدرتَهُ على رفعِ مستوى الحدِّ الأدنى للأجورِ ولا يفعلُ، هذا من الواجبِ مراجعتُهُ، وإنْ لم يلتزمْ كانَ لزامًا توجيهُ لهُ تهمةٌ اقتصاديةٌ باستغلالِ العمالةِ الوطنيةِ.