* الرداد: ارتياح حذر في إسرائيل لانهيار نظام الأسد وتحفظ تجاه النظام الجديد بقيادة “هيئة تحرير الشام“؛ ومن المستبعد حدوث تنسيق اسرائيلي مع الجولاني
* القطاطشة: الجولاني وفصائل المعارضة يشكلون خطراً على إسرائيل؛ واستقرار سوريا سيعيد ملف الجولان إلى الواجهة
* السبايلة: إسرائيل تتعامل مع سوريا كتهديد مباشر لأمنها وتضع كل الشروط التي تضمن مصالحها، بغض النظر عن هوية من سيكون على الأرض السورية
نخبة بوست – شذى العودات
مع سقوط نظام بشار الأسد – أحد أعمدة محور الممانعة الإيراني – دخلت المنطقة برمتها في مرحلة جديدة من التحولات الأمنية والجيوسياسية؛ فإسرائيل، التي اعتبرت انهيار الأسد “فرصة تاريخية”، سارعت إلى استغلال هذا المستجد بإلغاء اتفاقية “فض الاشتباك” لعام 1974، لتطلق حملة عسكرية شملت السيطرة على مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ والمنطقة العازلة، فضلاً عن استهداف منشآت عسكرية حساسة كمركز البحوث العلمية في دمشق ومستودعات أسلحة في السويداء ودرعا.
هذه التحركات لم تكن مجرد خطوات عسكرية وحسب، إنما رسائل موجهة للنظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع المعروف بـ “الجولاني”، زعيم هيئة تحرير الشام؛ هذا النظام الذي يتبنى خطاباً إسلامياً وسطياً ظاهرياً لكنه يحمل جذوراً متشددة، يثير قلقاً في إسرائيل، التي تخشى أن يتحول إلى تهديد مباشر لأمنها إذا ما قرر تبني موقف عدائي بشأن الجولان أو العلاقة مع إيران.
تصريحات نتنياهو التي نسبت سقوط الأسد إلى “الضربات الإسرائيلية لإيران وحزب الله” كشفت عن نوايا واضحة لإسرائيل: فرض واقع أمني جديد بغض النظر عن طبيعة النظام الذي سيحكم سوريا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، بما في ذلك استهداف المنشآت الاستراتيجية والمناطق السورية، تمت بتنسيق أو رضا ضمني من الجولاني؟ أم أنها تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية منفردة لتقويض أي تهديد محتمل من النظام الجديد؟
ومع غموض مواقف القوى السورية الجديدة واستمرار التحركات الإسرائيلية على الأرض، يظل مستقبل العلاقة بين إسرائيل والنظام الجديد بقيادة الجولاني مرهوناً بالتطورات القادمة، حيث يتقاطع صراع المصالح مع حسابات الأمن والاستقرار الإقليمي.
الرداد: ارتياح إسرائيلي “حذر” بسقوط الأسد و”قلق” من نظام الجولاني
وفي هذا الصدد؛ أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، باعتباره أحد أقطاب محور الممانعة الذي تقوده إيران، قوبل بارتياح حذر في إسرائيل.
وأوضح أن الأسد قدم خدمات واسعة لهذا المحور، رغم محاولاته تمييز مواقفه عن بقية أقطابه منذ السابع من أكتوبر الماضي، لكنه حافظ على فتح سوريا ومقدراتها أمام إيران وميليشياتها، وخاصة حزب الله، مما جعل سوريا قاعدة لميليشيات إيران ومعبراً لطرق إمدادها لحزب الله بالأسلحة.
وأشار الرداد إلى أن الارتياح الحذر في إسرائيل تجاه الإطاحة بالأسد يعود إلى عدم الثقة بالنظام الجديد، الذي يتشكل بقيادة هيئة تحرير الشام وزعيمها المعروف بـ”الجولاني“، والذي غير اسمه إلى أحمد الشرع.
وبين أن الجولاني أظهر خطاباً مدنياً وسياسات تشير إلى تناقض النظام الجديد مع سابقه في مختلف المجالات الداخلية والخارجية، إلا أن ارتباط هيئة تحرير الشام بتنظيمي القاعدة وداعش يثير القلق الإسرائيلي.
وأضاف أن الضربات الإسرائيلية لأهداف عسكرية تابعة للجيش السوري واحتلال أراض سورية، إلى جانب إلغاء اتفاق الهدنة بين سوريا وإسرائيل، تعكس رسالة إسرائيلية واضحة بأنها لن تسمح بوجود نظام سوري يهدد أمنها، بغض النظر عن سقوط الأسد.
وفي سياق متصل، أشار الرداد إلى وجود جدل داخل الأوساط الإسرائيلية بشأن البدائل المحتملة لنظام الأسد، متسائلين عما إذا كان من الأفضل القبول بنظام سني متطرف بدلاً من نظام بمرجعية شيعية متطرفة، خاصة أن كلا النوعين من التطرف يشتركان في عدائهما لليهود.
التنسيق الاسرائيلي مع الجولاني .. “مستبعد”
وفيما يتعلق باحتمالية التنسيق بين الجولاني وإسرائيل، استبعد الرداد وجود تنسيق مباشر لضرب أهداف الجيش السوري؛ ومع ذلك، يرى أن النظام السوري الجديد، المتوقع أن يتبنى نموذجاً مشابهاً للنظام التركي القائم على “علمانية إسلامية”، قد يتجه إلى تبني سياسة “اللاحرب واللاسلم” مع إسرائيل في المدى المنظور، مع التركيز على بناء الدولة ومعالجة القضايا الداخلية.
القطاطشة: الجولاني خطر حقيقي على إسرائيل ولن يتخلى عن مشروع تحرير الجولان
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد القطاطشة، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، وفصائل المعارضة السورية يشكلون خطراً حقيقياً على إسرائيل.
وأوضح أن إسرائيل استشعرت هذا الخطر خاصة أن الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان كانت منذ عام 1974 الأكثر أماناً، حيث لم تُطلق رصاصة واحدة منذ ذلك الحين.
وأشار إلى أنه باستثناء ما حدث مؤخراً من بعض الفصائل الفلسطينية التي أطلقت نيراناً خلال أحداث “طوفان الأقصى”، فإن الجولاني لن يكون إلا خصماً لإسرائيل.
وأضاف القطاطشة أن إسرائيل ستعمل على التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الإقليم للعودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1974؛ لكنه لفت إلى أن الجولاني، بعد استقرار سوريا، لن يرضى إلا بالمطالبة بتحرير الجولان بالكامل، مشيراً إلى أن هذه المطالبة تنسجم مع العقيدة الإسلامية التي تتحرك من خلالها هذه الجماعات، حيث لا يتصرف الجولاني بمفرده بل ضمن جماعات إسلامية تدعو إلى الجهاد.
وأشار القطاطشة إلى أن إسرائيل، في الماضي، دعمت الرئيس بشار الأسد في محاربته للجماعات الإسلامية المتطرفة، وهذا ما فعلته أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية.
لكنه أكد أن مشروع الجولاني، الذي يمثل جماعة إسلامية ذات عقيدة “سنّية حقيقية”، يتناقض مع مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن هذا المشروع لن يخدم الدول الحليفة لأمريكا. وأوضح أن الجولاني وحلفاءه يتبنون فكرة أن النموذج الإسلامي للحكم لا يعترف بالحدود، مما يجعله نظاماً توسعياً بطبيعته.
الجولاني يسعى لإقامة نظام جديد ..
وبالحديث عن مستقبل سوريا، أشار القطاطشة إلى أن الجولاني يسعى لإقامة نظام جديد من خلال انتخابات حرة ونزيهة تشمل كافة أطياف الشعب السوري.
وحذر من أن الجولان سيظل يمثل نقطة خلاف حادة مع إسرائيل، مشيراً إلى أن الأخيرة استبقت هذه التطورات من خلال تعزيز سيطرتها على ما تبقى من منطقة جبل الشيخ.
الجولان سيظل يمثل نقطة خلاف حادة مع إسرائيل التي استبقت هذه التطورات من خلال تعزيز سيطرتها على ما تبقى من منطقة جبل الشيخ
القطاطشة
وأضاف أنه بمجرد استقرار الوضع في سوريا، من المتوقع أن تعود إسرائيل إلى تطبيق خط الهدنة لعام 1974، لكنه شدد على أن مشروع الجولاني لا يصب في صالح الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وفي سياق آخر، أشار القطاطشة إلى أن إسرائيل ركزت ضرباتها الجوية على الأسلحة الاستراتيجية التابعة للنظام السوري، لكنها لم تستهدف الأسد شخصياً، لأنها تعلم أن هذه الأسلحة لم تشكل تهديداً مباشراً عليها في عهده.
واعتبر أن هذا يعكس قناعة إسرائيل بأن الخطر الحقيقي يكمن في الجماعات الإسلامية التي لن تتوقف عن استخدام السلاح بمجرد توليها السلطة.
وفيما يتعلق بالدعم الدولي، أشار القطاطشة إلى أن أفغانستان، بقيادة طالبان، كانت الدولة الوحيدة التي أعلنت تأييدها العلني للتحركات في سوريا، مما يعكس وحدة العقيدة والهدف بين طالبان والجولاني.
وأكد أن الجولاني لا يتخذ قراراته منفرداً بل يتشاور مع مجموعة من فصائل المجاهدين التي تركز حالياً على تصفية المجموعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وإيران، قبل أن تنتقل إلى مواجهة إسرائيل.
واختتم القطاطشة تصريحاته بالتأكيد على أن الجولاني لن يصفح أو يصالح مع إسرائيل، ولن يعترف بحدود عام 1974. وأضاف أن الجماعات الجهادية الإسلامية، التي تستند إلى سيرة السلف في الجهاد، لن تتخلى عن السلاح إلا بعد تحقيق هدفها بتحرير كامل الأراضي السورية، بما في ذلك الجولان.
الجولاني لن يصفح أو يصالح مع إسرائيل، ولن يعترف بحدود عام 1974؛ والجماعات الجهادية الإسلامية، التي تستند إلى سيرة السلف في الجهاد، لن تتخلى عن السلاح إلا بعد تحقيق هدفها بتحرير كامل الأراضي السورية
القطاطشة
السبايلة: إسرائيل تستبق التحولات بسوريا لضمان أمنها وحدودها
وفي نفس السياق، أوضح الخبير الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن إسرائيل تقوم حالياً بكل ما تحتاجه من إجراءات أمنية، بغض النظر عن هوية الأطراف الموجودة على الأراضي السورية.
وأشار إلى أن إسرائيل بدأت بإعادة رسم حدودها وتعميق نفوذها، بما في ذلك السيطرة على جبل الشيخ. وأضاف أنها تستهدف البنية التحتية التي يمكن أن تُستخدم لأهداف عسكرية، وتشمل ذلك كامل ترسانة الجيش السوري من صواريخ ومصانع كيماوية وطائرات، مؤكداً أن إسرائيل ستقصف هذه الأهداف في الأيام القادمة.
اسرائيل تستهدف البنية التحتية التي يمكن أن تُستخدم لأهداف عسكرية، وتشمل ذلك كامل ترسانة الجيش السوري من صواريخ ومصانع كيماوية وطائرات
السبايلة
وأكد السبايلة أن هذه التحركات تعني أن إسرائيل تتعامل مع سوريا كتهديد مباشر لأمنها، وتضع كل الشروط التي تضمن تأمين مصالحها، بغض النظر عن شكل وهوية من سيكون على الأرض السورية في المستقبل.
المشهد السوري مع اسرائيل مفتوحاً على سيناريوهات معقدة ..
مع إعادة إسرائيل رسم معادلاتها الأمنية في الجولان، يبقى المشهد السوري مفتوحاً على سيناريوهات معقدة؛ هل ستتمكن هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني من فرض معادلة جديدة تتحدى الوجود الإسرائيلي في الجولان، أم أن التحديات الداخلية والإقليمية ستفرض عليها تبني نهج براغماتي قد يغير قواعد اللعبة؟
وفي ظل التحركات الإسرائيلية المكثفة، من احتلال مواقع استراتيجية إلى استهداف القدرات العسكرية السورية، تتزايد التساؤلات حول مدى توافق هذه العمليات مع مصالح القوى الجديدة على الأرض، وما إذا كانت تمهيداً لتفاهمات غير معلنة أم بداية لصراع طويل الأمد؛ فالإجابات تظل معلقة، بانتظار ما تحمله الأيام المقبلة من تطورات قد تعيد صياغة حدود النزاع وسيناريوهات الحل.