نخبة بوست – إسقاط نظام الأسد تم بتوافق وقتي لقوى دولية متعارضة، حيث غلّبت هذه القوى: إيران، تركيا، روسيا، أميركا، ومعها إسرائيل، هدف إسقاط نظام الأسد على أي تناقض آخر بينها.
اختيار ساعة الصفر لبدء عملية «ردع العدوان» بقيادة هيئة تحرير الشام، مع بدء وقف إطلاق النار في لبنان، هو حصاد لنتائج الضربة الموجعة التي تلقاها حزب الله لبنيته العسكرية واغتيال السيد حسن نصر الله والصف الأول والثاني، وربما الثالث من قيادات الحزب، والانتقال إلى إسقاط النفوذ الإيراني في سورية عن طريق إسقاط نظام الأسد، ومن ثم قطع طريق إمداد السلاح لحزب الله.
خسارة إيران نفوذها في سورية قسرًا أو بصفقة ما، خسارة كبيرة لإيران، تعتبر نقطة تحول في ديناميكية وعلاقة القوى الدولية التي ترسم مستقبل المنطقة.
تلاقت أهداف إسرائيل وأميركا مع أهداف تركيا في إسقاط نظام الأسد، وقبلت جميعها التحالف مع هيئة تحرير الشام التي كانت على ما يبدو جاهزة لعقد صفقات سياسية وعسكرية بعيدة عن أيديولوجيتها. هدف تركيا الأساسي هو تشكيل منطقة توازن سني/تركي على حدودها وصولاً إلى مدينة حلب، التي فجأة – حسب حزب الخليفة أردوغان – صارت عثمانية، ويرفع على قلعتها علم تركيا. هاجس تركيا، إضافة إلى إعادة اللاجئين السوريين من أرضها، هو منع أي تشكيل كردي فعّال في سورية يدعم حزب العمال الكردستاني.
القائد العسكري الجولاني قدم أداءً سياسيًا مفاجئًا، وأعتقد أنه أفضل من أدائه العسكري، حيث لم نسمع عن معارك بينه وبين جيش الدولة التي يبدو أنه انهار وترك أسلحته وعتاده بسبب سحب الغطاء الروسي، حتى تشعر أن الجولاني وقادته في الميدان كأنهم من دعاة إقامة دولة مدنية دستورية، وليس دولة إسلامية كما هي عقيدة فصيله وعقيدة أكثر الفصائل المنضوية تحت لوائه، ورغم استخدام خطاب «ديني» ومظهر «ديني»، ورغم رمزية الحديث للناس من الجامع الأموي، إلا أن الجولاني اعتمد خطابًا مدنيًا، وطمأن مكونات الشعب السوري بما فيها من الأكراد والعلويين، برسائل طمأنة يبدو أنها كانت اشتراطًا دوليًا لمساندته في حملته العسكرية.
سقوط نظام الأسد سيظل محل سجال وتقييم وانقسام، ولكن الحقائق التي ظهرت على الأرض تثبت أن لا المقاومة ولا الممانعة ولا تحرير فلسطين ولا حتى استعادة الأندلس تبرر غياب سيادة القانون وغياب حقوق الإنسان، وأن الضمان الحقيقي لأي نظام أو حاكم هو احترام حقوق مواطنيه الإنسانية وعدم الظلم وعدم البطش بهم، فواضح أن السوريين، أغلبهم بما فيهم مسؤولون سابقون في نظام الأسد، انقلبوا عليه في يوم فرار الرئيس.
لنطوِ صفحة النظام السابق، وأرجو أن لا نسمع عن ظهور وجه الرئيس الدكتور على القمر، أو على حبة بطاطا. يجب أن نتواضع جميعًا أمام خيارات الشعب السوري، فلا يجوز لنا التنظير أو رفض خياراته، صحيح أن الفصائل المسلحة استعانت بقوى ليست بالضرورة بعيدة عن مشاريع أميركا وإسرائيل بالتقسيم، ولكنها على الأقل لم تدخل دمشق على دبابة أميركية كما حصل في العراق.
انتهى حكم 53 سنة في أقدم جمهورية «ملكية» وانتهى وحسب رغبة الشعب السوري الذي من حقه أخذ خياراته، ولا يجوز لنا ممارسة فوقية فكرية أو سياسية عليه.
هل ينجح «الإرهابي» التائب في عملية انتقال سلمي للسلطة؟ هل ينجح في العمل بإخلاص ضد مخططات تقسيم سورية؟ هل ينجح في إعادة المهجرين والنازحين؟ إن سورية ديمقراطية دستورية، تعلن حالة عفو عام عن الماضي، وتدعو مكونات الشعب السوري كلها لقبول سيادة القانون والتنوع وحقوق الإنسان، قد تعيد دورًا رياديًا لسورية في المنطقة، وتعيد إحياء طموحات سورية والسوريين القديمة الجديدة لبدء مشروع عربي وحدوي يعمل على استقلال الدول العربية عن المشروع الإمبريالي الصهيوني.
أداء «الإرهابي» التائب مبشر، ومع علمي أن هناك عوامل تناقض داخل هيئة تحرير الشام، وبينها وبين فصائل أخرى قد تستغلها إسرائيل لخلق دولة فاشلة في سورية، وهو ما يجعل مستقبل سورية مفتوحًا على كل الاحتمالات، وبعضها لا يسر، وأعرف أن الإسلاموية السياسية كانت وبالًا على شعوب المنطقة، وأعرف أن حركة التنوير والديمقراطية ضعيفة، وقصّرت في النضال من أجل مبادئها، ولكن سورية مستقرة ديمقراطية تقوم على حكم سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان أقرب لتكريس المقاومة والممانعة للمشروع الصهيوني الأميركي منها للممانعة والمقاومة الدكتاتورية القمعية.
هل نعمل على دعم توجه مدني ديمقراطي في سورية؟ فإن العالم العربي بحاجة إلى مشروع فكري سياسي تنويري لا ينحصر فقط في مهاجمة الإسلاموية السياسية، بل يتعداه لتقديم طرح متكامل للمستقبل، تقبل فيه شعوب المنطقة بالتنوع العرقي والديني والسياسي، وتقيم حكم سيادة القانون وسلطة الشعب… يا ريت نفهم على بعض جنابك.