نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية

عندما تتقاطع جراح الشعوب، تنشأ روابط تتجاوز الجغرافيا والسياسة، لتتجذر في أعماق التجربة الإنسانية؛ فمنذ أكثر من عقد، غاص الشعب السوري في دائرة قاسية من الحرب والتهجير، تجربة جعلته أقرب لفهم أوجاع الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة واللجوء لعقود، وبينما ينهض السوريون اليوم من رماد معاناتهم، نتجه الأنظار إلى الكيفية التي ستعيد بها سوريا صياغة علاقاتها مع الإقليم وقضاياه المُلحة.

وفي قلب هذه التحولات، تبرز القضية الفلسطينية كاختبار جوهري لتوجهات الشعب والسلطة السورية المقبلة؛ فهل ستستمر سوريا، التي لطالما اعتُبرت جزءًا من المحور الداعم لفلسطين، في هذا النهج؟ أم أن أولويات الداخل الملتهب ستطغى على الاهتمام بالخارج؟ وعلى الجانب الآخر، كيف ستتفاعل إسرائيل مع أي تغير في ديناميكيات السلطة السورية، خاصة في ظل سياستها التي تسعى لترسيخ معادلة عسكرية تخدم مصالحها الاستراتيجية؟

جابر: معاناة السوريين والفلسطينيين تعزز التضامن بين الشعبين

وفي هذا الصدد، قال الباحث المختص بالشأن السوري وقضايا الشرق الأوسط في معهد السياسة والمجتمع، حسن جابر، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن الشعب السوري، بعد المعاناة التي عاشها على مدار 13 عامًا من القمع واللجوء والتهجير، أصبح أكثر تفهمًا لمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة لنحو ثمانية عقود.

عاش الشعب السوري ظروفًا مشابهة للمعاناة الفلسطينية، ما يجعله أكثر إصرارًا على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة

وأكد على أن التجربة المشتركة في المعاناة عززت من حجم التضامن بين الشعبين بدلاً من أي حديث قد يدور عن تحولات سلبية تجاه القضية الفلسطينية.

وحول المواقف السياسية للسلطة السورية المستقبلية تجاه إسرائيل؛ أوضح جابر بأن الحديث عن مواقف سياسية تجاه إسرائيل في هذه المرحلة الانتقالية السورية لا يزال مبكرًا.

وأكمل أن الأولوية الآن في سوريا تتمثل في إنهاء المرحلة الانتقالية وإيصال البلاد إلى بر الأمان بدون أي مشاكل داخلية؛ مشيراً إلى أنه وفور انتهاء الأزمات الداخلية، فمن المتوقع أن تتجه أي حكومة سورية قادمة إلى الاشتباك في القضايا الإقليمية، والتي في مقدمتها القضية الفلسطينية بطبيعة الحال.

النظام السوري السابق كان قد دخل في سلسلة من المفاوضات مع إسرائيل في التسعينيات، لكنها توقفت باغتيال إسحاق رابين

ولفت إلى أن النظام السوري السابق كان قد توصل إلى تفاهمات واتفاق أولي مع إسرائيل، والذي تحول ليُعرف باسم “وديعة رابين” بعد اغتياله سنة 1995، وهي الصيغة التي اعتمدها النظام السوري السابق كأساس لأي مفاوضات مستقبلية.

وشدّد على أن النظام السوري كان يوظف رموز القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيته، لكنه لم يكن له دور فعّال في مسار الصراع الفلسطيني، وتحديدًا خلال حكم بشار الأسد.

وحول القصف الإسرائيلي الأخير، استبعد جابر أن يكون هناك توجه إسرائيلي لاحتلال أراضٍ جديدة على سبيل الضم؛ قائلاً:

يمكن فهم الهدف من القصف الإسرائيلي الأخير من منظور تحليلي؛ بأنه لإضعاف القدرات العسكرية التي تركها النظام السوري السابق، وتثبيت المعادلة العسكرية القائمة، حيث تظل السماء السورية مكشوفة لإسرائيل كما هو الحال منذ سنة 2012

كما بيَّن على أن إسرائيل تحاول الحفاظ على استثناء الجولان من أي تفاهمات أو محاولات لاستعادته، والتي قد تعُبر عنها النخب السياسية الجديدة في سوريا، مشيرًا إلى أن توسع إسرائيل الأخير قد لا يتجاوز ما يمكن أن يوصف بـ“المنطقة العازلة”.

مستقبل غامض أم فرص جديدة؟

وتبقى التساؤلات قائمة حول الكيفية التي ستعيد فيها سوريا صياغة علاقاتها الإقليمية، خاصة في ظل التحولات الداخلية والمعطيات الجديدة على الساحة السياسية.

فهل ستتمكن سوريا من تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية، لتعود لاعبًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية، وخاصة تجاه القضية المركزية وهي القضية الفلسطينية؟ أم أن أولوية تحقيق الاستقرار الداخلي قد تجعلها تبتعد عن المشهد الإقليمي؟ وكيف ستتعامل إسرائيل مع أي تغييرات قد تطرأ على السياسة السورية، في ظل سعيها الدائم لترسيخ معادلات تخدم تفوقها الإقليمي؟ هذه الأسئلة وغيرها تحمل بين طياتها مستقبلًا مليئًا بالتحديات، ولكنه قد لا يخلو من الفرص، وهو ما قد تكشف عنه الأيام المقبلة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version