نخبة بوست – صدرت الإرادة الملكية السامية في الثامن عشر من أيلول لعام ألفين وأربعة وعشرين “18/9/2024” بتكليف دولة رئيس الوزراء جعفر حسان لتشكيل الحكومة الأردنية العشرين في عهد الملكية الرابعة، وهي الحكومة رقم “103” منذ عهد تأسيس الإمارة.
وفي هذا المقال؛ لن نذهب بربط تسمية الحكومة برئيس وزرائها كما جرت العادة وأصبحت ثقافة دارجة يتداولها المستوى الرسمي والشعبي، بل سوف نذكرها حسب ترتيبها ما بين الحكومات، أسوة بوصف مجلس النواب.
وللمصادفة أن كلا المؤسستين الحالتين تحمل رقم “20” في الترتيب، لعلها تكون بداية نشر ثقافة جديدة في المحاسبة والمسائلة للمسؤول بناءً على موقعه ومركزه وتراتبيته
ولتنويع سلطة القرار لغاية تأصيل مفاهيم المركزية واللامركزية وتوسيع الصلاحية وتجديد الأداء والتخفيف من رتابة البيروقراطية المحافظة، ضمن الحدود المقبولة؛ لتكون مساهمة في تفعيل القرارات وتحقيق الإنجاز، بدلًا من أن تكون تحديًا وعائقًا وأحد عناصر تأخير مخططات العمل والعطاء والتطوير والنماء.
ولعل زيارة رئيس الوزراء اليوم إلى الزرقاء وتدشين مقر مجلس اللامركزية في المحافظة إشارة على ما طرحناه أعلاه
ما يهمنا اليوم ونتناوله في طرحنا ونقاشنا حول جعفر حسان بعيدًا عن الألقاب، وبعيدًا عن خصوصية شخصيته وسيرته الذاتية وتفحص خبراته العملية، إذ يمكن لأي منا الاطلاع عليها من خلال محرك البحث والمواقع الإلكترونية الرسمية، لكن الاطلاع عليها يعطينا الانطباع والخلفية والقدرة على توقع نهجه في إدارته ورئاسته للحكومة الأردنية العشرين وسلوك شخصيته الاعتبارية وتوجهاته في التعامل مع الملفات وتصنيفها حسب الأولوية، ذلك بناءً على ما جاء في كتاب الإرادة الملكية السامية الذي اقتبس منه هذا النص:
إن ذلك يتطلب فريقًا وزاريًا طموحًا ومؤمنًا برؤية التحديث، وعلى قدر من الكفاءة والمسؤولية الوطنية والجرأة والمثابرة في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول التي تخدم المواطنين لتجاوز العقبات، فالحكومة تتحمل مسؤوليات عظيمة وثقيلة هي مساءلة عنها، ويجب أن تكون مهام الوزراء واضحة ومحددة بأهداف سنوية قابلة للقياس، تخضع للمتابعة والتقييم المستمرين وفق رؤية التحديث الشاملة، لا يعيقها تردد أو توجهها مصالح، سوى مصلحة الوطن، ولا ينقصها عزم أو جهد أو إرادة في تنفيذها، ويلمس المواطن آثارها الإيجابية
وهنا يكمن واجبنا أن نعبر عن آرائنا ووجهة نظرنا حول بدايات تحرك ونشاطات هذه الحكومة وليس تقييمها؛ فالعبرة والحاجة للتقييم تكون عند النهايات ومدى مستوى الإنجاز لما جاء بمضمون التكليف الملكي الذي أكد على أهمية ما يلي:
- التأكيد على الاشتباك والتفاعل الميداني على المستوى الشعبي والعمل خارج إطار وحدود الجدار المكتبي.
- متابعة مسيرة مرحلة التحديث ومساراتها الثلاث والانطلاق منها وعليها في وضع البرامج والخطط، والتركيز على مسارات التحديث الإداري والاقتصادي، كون الأول وللأمانة قطعت فيه الحكومة التاسعة عشرة شوطًا جيدًا قد يحتاج إلى إجراءات بعد التعديلات والتغييرات الواجبة بعد الاطلاع على مخرجات نتائج نماذجها السياسية الأولية.
- اعتماد نهج القيادة التشاركية والتنسيقية ما بين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية لضمان استمرارية أعمال المؤسسة الديمقراطية والدستورية ومواكبة لمرحلة التحديث ومتابعتها بما تحتاج من تشريعات وكفاءات من الكوادر.
- التركيز على إعطاء المشاريع الاستثمارية الاقتصادية، وخاصة المعيارية منها، واجب الأولوية، لما لها دور في تحسين الأحوال المعيشية للمواطن جوهر العملية والشغل الشاغل للقيادة الهاشمية.
- متابعة الوزارات ومستوى أداء الوزراء وآلية العمل في تحقيق الواجبات المكلفين بها ضمن الإمكانيات المتاحة.
وهناك الكثير من التفاصيل بشكل واضح وعملي لنقاط ذكرت في كتاب الإرادة الملكية والدافع من تشكيل هذه الحكومة والمهام لتنفيذها والأهداف الواجب تحقيقها، بما يراعي مرحلة التحديث ومساراتها الثلاث ويمكن مراجعة نصها والاطلاع عليها أكثر.
حكومة العشرين برئاسة جعفر حسان، استنادًا إلى سيرة خبراته العملية والمهنية واطلاعه وتفاعله مع تجارب سلفه من رؤساء وزراء الحكومات السابقة، والانخراط في العمل معهم والتنقل ما بين مواقع المسؤولية المرتبطة بالملفات الاقتصادية خاصة والتخطيط ومعايشة التحولات السياسية والاقتصادية والديمقراطية من بداية التسعينات
والأهم في النصف الثاني من العشر سنوات الأولى من عهد الملكية الرابعة، وأخيرًا كونه مديرًا لمكتب الملك، استطاع تشكيل مهارات وخبرات تمكنه من مقارنة نتائج برامجها ونهجها السياسي والاقتصادي، لا سيما التحول الديمقراطي والانتقال إلى الحياة الحزبية، وعلى المستوى الاقتصادي التحول ما بين الاشتراكية والليبرالية، مع الشعور وميوله لنموذج ثالث أقرب إلى الاشتراكية الإنتاجية أو الديمقراطية الاجتماعية.
ثم قدرته على التقاط رسالة الإرادة الملكية سريعًا دون تأخير، وبدأ بإخراجها من إطارها الورقي النظري وترجمتها إلى واقعها العملي، حسب ترتيب بنود توجيهات التكليف وخطوطه العريضة، فوضع برنامج زيارات ميدانية شملت جميع مناطق المملكة الأردنية الهاشمية الوسطى والشمالية والجنوبية، واطلع على واقع حالها وقيّمها في مختلف القطاعات الصناعية والصحية والتعليمية وسجل أهم الملاحظات وعلى إثرها وضع توصيات نواة قرارات موجهة للجهات المعنية والمختصة بمتابعتها وإنجازها.
وهذه الخطوة حظيت بالترحيب من الشارع وأعطت جرعة من التفاؤل الإيجابي لدى مجاميع المجتمع السياسية والشعبية، مع تحفظ بعض التيارات كالمعتاد الباحثة لنفسها عن مساحة تحت أضواء التغطية الإعلامية
بهذا الانطباع وهذه البداية لحكومة العشرين برئاسة دولة جعفر حسان، نسجل لها الخروج من نمطية الأداء المركزي وثقافة الانعزال والاعتزال أوقات الأزمات وتسخير كل المتطلبات لمعالجة الملفات، وخاصة الملف الاقتصادي الذي جعله الملك وعناوين الصحافة الرسمية وأحاديث القوى السياسية والشعبية على رأس أجندتها.
وأخيرًا، نؤكد أنه لا يملك عصا سحرية تصنع المعجزات، لكننا على أمل أن نرى مؤسسية في العمل، تمهد خارطة طريق لباقي الحكومات القادمة في المئوية الثانية من عمر ملكيتنا الرابعة وملكيتها الخامسة، بعد عمر طويل ومديد للملك عبد الله الثاني بن الحسين، يلمس المواطن والوطن الأردني خلالها نتاج مرحلة التحديث تغيرًا واضحًا وعائدًا واعدًا بمستقبل أفضل.