نخبة بوست – الجولاني لا يملك مفاتيح سورية الجديدة، وملامح الصفقة التي أبرمت معه واضحة؛ إنهاء التحالف مع إيران ومحاصرة حزب الله، وعموما بناء دولة غير معادية للغرب وأميركا تقَبل لعبة تقاسم النفوذ الدولي فيها بين تركيا وبين ما تيسر من القوى الفاعلة في المنطقة وأهمها روسيا وأميركا ومن ورائها إسرائيل. باختصار، إنشاء دولة مشابهة لأغلب دول الجامعة العربية.
نظام الأسد نظام عسكري شمولي، جمع بين القومية والعلمانية والطائفية، عقد تحالفًا إستراتيجيا مع إيران الخمينية بموجب معاهدة دفاع مشترك منذ عام 2006، وكان النظام العربي الوحيد الذي وقف مع إيران في حربها ضد «شقيقه اللدود» حزب البعث العراقي، استغل النظام اندفاع الروس إلى سورية بعد طردهم من مصر، وقد قامت سياسة الدولة الداخلية على العداء لحزب البعث العراقي والإخوان المسلمين، والخارجية على خطاب ثوري براغماتي جمع بين جبهة الصمود والتصدي- بفوقيتها الثورية من جانب وبين كونه الحافظ الأمين على اتفاق هدنة بينه وبين إسرائيل منذ عام 1974- وتوج مواقفه البراغماتية بإرسال قواته إلى حَفر الباطن ضد النظام العراقي، ورغم اشتراك جناحي البعث العراقي والسوري في أدبيات الوحدة العربية والاشتراكية إلا أنهما مارسا أعنف سياسات العداء والانقسام العربي.
سلم حافظ الأسد سورية لابنه في مسرحية دستورية قضت بتعديل الدستور ليناسب عمره، ورغم أنه سلم الدكتور بشار دولة من غير ديون خارجية، إلا أنها كانت دولة تفشت فيها الواسطة والمحسوبية على نحو يفوق أي دولة عربية أخرى ويشيع فيها فساد العائلة السياسي والاقتصادي حيث تقاسم الاخوة وأولاد العم ثروات البلد، وتم حماية هذا الفشل العميق في الدولة بخطاب ثوري معاد لإسرائيل والغرب وعداء للإخوان المسلمين، هذا العداء الذي جذب كثيرا من المؤيدين للنظام الذين يتوجسون خيفة- ولهم حق بذلك في كثير من المناحي- من الإسلاموية السياسية التي يقودها الإخوان المسلمون والحركات السلفية المتطرفة!
انطلق الربيع العربي في سورية في تحرك سلمي لمدة ستة أشهر، كان متوقعاً من الرئيس الدكتور، تلقف تحرك الناس السلمي وإجراء إصلاحات سياسية في البلد كانت لتسحب البساط من تحت يد الإخوان المسلمين عدوه اللدود التاريخيّ، وتؤمن استقراراً سياسياً، لكنه فقد الفرصة ومع كثير من التآمر العربي والعالمي وبطش النظام بتحرك الشعب السلمي الأمر الذي أخذ بسورية الى ساحة انقسام دولي بين حلف عربي أميركي ضد النظام من جهة ودعم إيراني للنظام من جهة ثانية قسّم البلاد طائفيا، وجعلها ساحة صراع لمليشيات طائفية شيعية وسنية سلفية وأهمها داعش، قسمت البلاد وهجرت ملايين الناس داخل وخارج سورية إلى أن تدخل الطيران الروسي ليحافظ على النظام حاكما على جزء من سورية.
سورية القادمة هي نتاج طبيعي لغياب مشروع عربي تحرري يكرس سلطة الشعب وتبادل السلطة وسيادة القانون.
معضلة سورية اليوم ستكون في حاجة هيئة تحرير الشام والجولاني تحديدًا إلى التخلص من حموليتهما العقائدية وعنوانها إقامة دولة إسلامية بزعامة فكر سلفي، وهي الآن بين نارين؛ استنساخ النموذج التركي – وهذا لن يرضي الفكر السلفي مع انه قد يرضي الإخوان المسلمين-، وبين تلبية طلبات الحلف الأنجلو أميركي الصهيوني في إقامة دولة دستورية مدنية شكلها مسلم وقلبها مدني عصري مبيوع للنظام الدولي الإمبريالي، وهذه المعضلة لهيئة تحرير الشام هي الساحة التي قد تفجر صراع مذهبي عقائدي يعيد سورية لمربع التشظي والتقسيم!
السؤال هل ستترك سورية لمعادلات الصراع الدولي وأجندات تركيا وإيران وروسيا وأميركا ومن ورائها إسرائيل، هل سيكتفي النظام العربي بالهامش في لعبة تشكيل سورية القادمة، أم هل يقفز النظام العربي للتدخل السياسي والمالي والمخابراتي والعسكري ليقول كلمته في إنشاء سورية القادمة؟
نحن في الأردن يجب ألا نخشى دولة دستورية في سورية مهما كان خطابها السياسي، بل يجب أن نخشى فوضى محتملة ناتجة عن صراع عقائدي حول شكل الدولة ليترك سورية مقسمة جبهويا وطائفيا بحيث نجد على حدودنا مهربين ومخربين يستهدفون الأردن بين انتظار سورية العرب أم سورية الفوضى، الوضع يدعو للكآبة جنابكم.