نخبة بوست – تأسست الدولة الحديثة على فكرة العقد الإجتماعي، ورغم التفاوت في صور هذا العقد وبعض تفاصيله بين منظري فكرة العقد الإجتماعي من الفلاسفة السياسيين، إلا أن جوهر الفكرة يقوم على اتفاق بين الشعب والسلطة الحاكمة يتنازل بموجبه الأفراد عن جزء من حريتهم يخضعون من خلالها للسلطة السياسية التي تحفظ أمن وسلامة المجتمع.

فهذا العقد كما ذكرنا في مقال سابق كان بالنسبة لتوماس هوبز عقد إذعان يتنازل فيه الأفراد عن حقوقهم وحرياتهم مرة واحدة والى الأبد الى السلطة السياسية التي لها الحق في ان تسبد ما دامت تحقق الأمن والإستقرار. إلا أن جون لوك (1632-1704) الفيلسوف الأنجليزي الثاني من فلاسفة العقد الإجتماعي كان له رأي آخر.

فالبشر بطبيعتهم بالنسبة له أفراد أحرار متساوون، كانوا يعيشون قبل الدولة حالة من السلام والتعاون وهم يتمتعون بحقوق طبيعية ثلاثة أساسية هي حق الحياة والحرية والتملك. وهذه الحقوق تأتي من الطبيعة بمجرد أن نولد بشراً، ويؤكد أنه وبحكم العقل فإن هذه الحقوق الثلاثة جوهرية لإنشاء مجتمعات منسجمة ومزدهرة، فحق الحياة يحمي الأفراد من التعدي على حياتهم وحق الحرية يحميهم من الاستعباد وحق الملكية الشخصية ينمّي منظومة الدافع لديهم كي يعملوا باجتهاد لتحقيق ازدهارهم ومن خلال ذلك ازدهار المجتمع ككل.

ومن أجل حماية هذه الحقوق يأتي دور السلطة السياسية التي من واجبها ضمان هذه الحقوق من خلال وضع قوانين عادلة تطبق على الجميع، بحيث تمنع الاعتداءات على الحقوق الطبيعية للأفراد سواء من الأفراد الآخرين أو الدولة نفسها وسلطاتها وأجهزتها أو من قبل الدول الأخرى.

وبهذا المعنى فإن العقد الإجتماعي عن جون لوك هو عقد مشروط وليس عقد إذعان كما كان عند هوبز، بحيث تكون السلطة وديعة في يد الحكومة، تتمتع بها وبشرعيتها مادامت تقوم بواجباتها في حماية حقوق الأفراد الطبيعية، ويمكن استردادها بأي وقت من الحكومة إذا انحرفت عن آداء هذا الواجب، فإذا انحرفت السلطة السياسية عن هدفها الأساسي وأصبحت أداة للظلم أو انتهكت حقوق الأفراد، فإن للشعب الحق في مقاومتها وتغييرها. وهذه الفكرة كانت حجر الأساس في النظريات التي دعمت الثورة على الأنظمة الاستبدادية والحكومات الظالمة.

وبناء عليه فإن مسألة شرعية السلطة السياسية للحكومات كما تم النظير لها في الفكر السياسي الحديث، ليست مسألة نهائية وغير قابلة للإنتزاع، بل هي مشروطة بمدى تحقيق الحكومات لواجباتها تجاه شعوبها، وعلى رأس هذه الواجبات هي حماية حقوق الأفراد السياسية في الحياة والحرية والتملك. فإذا لم يتم حماية هذه الحقوق من الإنتهاك، وعجزت السلطة عن حمايتها سقطت عنها الشرعية. فكيف اذا كانت السلطة السياسية نفسها هي من ينتهك هذه الحقوق، في هذا الحالة تكون الثورة عليها حقاً جلياً لا مراء فيه، حتى وإن تذرعت بأي فكرة مثالية أخرى مثل مقاومة الأعداء، أو رفعت شعارات على مثال لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

وهذا ما عانته الشعوب العربية مع الكثير من أنظمتها المستبدة الفاسدة، التي أجلت كل وعود الإصلاح السياسي والتنمية الإقتصادية والإزدهار، لحين أن يتحقق وعد التحرير والمقاومة ! فلا تحررت البلاد المغتصبة ولا تذوق الشعب طعم مكتسبات التنمية والحرية والرفاه.

شاركها.
Exit mobile version