نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
تشهد كوريا الجنوبية منذ أسبوعين أزمة سياسية غير مسبوقة، تصاعدت حدتها حتى بلغت مستويات تهدد استقرار تجربتها الديمقراطية الوليدة؛ فالرئيس يون سوك-يول، الذي بدا واثقاً من قراره بإعلان الأحكام العرفية وتعليق الحكم المدني، وجد نفسه مضطراً للتراجع أمام معارضة شديدة.
وتضمن القرار إرسال قوات عسكرية مدعومة بمروحيات إلى البرلمان أثار عاصفة من الاحتجاجات سرعان ما تحولت إلى تصويت برلماني على عزله.
وفي تطور لافت، أقر البرلمان بالفعل عزل الرئيس، لكن يون رد بعزم على المقاومة والبقاء في منصبه. دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية علق على الوضع قائلاً: “إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف الرئيس عن ممارسة مهامه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذه الحالة، يتولى رئيس الوزراء منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة خلال 60 يوماً”.
انقلاب الحزب الحاكم على الرئيس
وهنا؛ دعا زعيم حزب “قوة الشعب” الحاكم، هان دونغ-هون، إلى تعليق سلطات الرئيس على الفور، مشيراً إلى وجود أدلة موثوقة على سعي يون لاعتقال القادة السياسيين؛ موضحاً أن الحقائق الجديدة حول إعلان الأحكام العرفية “قلبت الموازين”، مضيفاً أن السماح ليون بالبقاء في منصبه يمثل خطراً كبيراً على استقرار البلاد.
بالتزامن، أكدت تقارير إعلامية أن الرئيس يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة، إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ-هيون، الذي حاول الانتحار، ورئيس أركان الجيش، ووزير الداخلية. ويعد هذا التحول في موقف الحزب الحاكم نقطة فاصلة في الأزمة.
خلفية الأزمة
يون سوك-يول، الذي تولى الرئاسة عام 2022 بعد مسيرة قانونية لامعة كمدعٍ عام، وعد بنهج عصري في الحكم. إلا أن فترة ولايته شهدت احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان المعارض، وفضائح أثرت على مصداقيته، من بينها اتهامات بالفساد طالت عائلته.
ووصف يون في خطابه التلفزيوني لتبرير الأحكام العرفية، المعارضة بأنها “جماعات مشينة تسرق الحرية والسعادة من الشعب”، دون تقديم أدلة؛ فرأوا محللون سياسيون أن هذا القرار كان محاولة لصرف الانتباه عن الفضائح، معتبرين أن على الرئيس الاستقالة بدلاً من التمسك بالسلطة.
وأظهرت استطلاعات الرأي انخفاض شعبية يون إلى مستويات قياسية بلغت 19%، على خلفية الفضائح والأزمات الاقتصادية.
فقد واجهت حكومته انتقادات حادة بسبب التضخم، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق على الحريات. كما أثارت طريقة التعامل مع كارثة تدافع الحشود في احتفال “الهالوين” عام 2022 موجة من الغضب.
ومن جهة ثانية كانت “السيدة الأولى” كيم كيون-سبباً إضافياً للسخط العام؛ فقد واجهت اتهامات بالتهرب الضريبي، والانتحال الأدبي، وقبول هدايا غير قانونية. فضلاً عن ذلك، أثيرت تساؤلات حول مجوهراتها الفاخرة التي لم تُفصح عنها ضمن الأصول الرئاسية.
مستقبل غامض للديمقراطية
وسط هذه الأزمة العاصفة، تواجه كوريا الجنوبية تحدياً كبيراً يهدد استقرارها الديمقراطي؛ فمع تصاعد المخاوف الداخلية والخارجية، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن البلاد من تجاوز هذه الأزمة والحفاظ على ديمقراطيتها التي شقت طريقها بصعوبة منذ ثمانينيات القرن الماضي؟