نخبة بوست – “إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية ، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية “
لعل هذه المقولة من الأدب السياسي هي أول ما راودت فكر سمير الرفاعي رئيس الوزراء الاردني الأسبق و جالت في خاطره ، و استحضرها في ذهنه لحظة اصدار تصريحه ناقدا ، (نقدا موضوعيا) و مشيرا إلى ملاحظات غاية في الأهمية حول التجربة الحزبية التي جاءت بها نتائج الانتخابات النيابية ، و إطلاق مرحلة التحديث السياسية وتوصيات لجنتها الملكية التي هو رئيسها ، حيث ماجاء في تصريحاته إعادة لصياغة هذه العبارة كما يلي ‘” اذا لم نفهم الحزبية السياسية البرامجية كحزبين فهذا لا يعني أن نلغي الحزبية بل علينا أن نغير القائمين عليها ” ، حيث أن الرفاعي لم يدافع عن المخرجات أو يهاجم الحزبية ، إنما كشف عن بعض العورات التي اوجدت فجوة مابين توصيات اللجنة و غايتها في تحقيق و ايجاد النموذج البرامجي الحزبي الاردني كهدف لهذه التجربة وما بين واقع الأداء في بناء و نهج الأحزاب أثناء فترة التصويب لاوضاعها و تأسيسها و الاستعداد لخوض غمار هذه التجربة .
الرفاعي كان ناقدا للادوات التي استخدمها المشاركين في هذه التجربة ، التي تعددت انواعها و أساليبها ، حيث هناك من اعتمد على الملاءة المالية و استغلال أوضاع المواطن المعيشية الصعبة في الترويج للحزبية و استقطابهم لها ، و ابتداع نظام المزادات لأجل الحصول على مقاعد متقدمة داخل القائمة الانتخابية ، و هناك من اشتغل و استغل الصبغة القدسية و راود الناس في عواطفهم الدينية و الوطنية ، و ظهر ابطال القضية الذين قسموا و خيروا الشارع مابين فريق الانتصار و فريق الانكسار .
هذا النقد أمر لا يعيب سمير الرفاعي كما حاول البعض الإشارة له والذهاب إلى ما هو ابعد منه و تحميله مسؤولية هذه النتائج كونه (رئيسا للجنة التي أوصت بها و اقترحتها ) و إظهاره أنه مهندس هذا المشروع الحزبي و عرابه ، و هذا غير دقيق إذ أن مشروع التحديث السياسي جاء وفق رؤية ملكية و ضرورة وطنية لمواكبة التحولات الديمقراطية التي تحتاجها الدولة الأردنية اليوم و مستقبلا ، و جهود جماعية و بدلالة مؤشرات أن الحزبية ستكون عنوان الحياة الأردنية السياسية ، و أنها ستكون الوصفة الوطنية المستقبلية وفيها المصدات للتحديات و الصعوبات القادمة ، و هي ذاتها الحزبية ستنهي تشوهات نتائج القرارات المزاجية لعقلية الفردية مستقبلا داخل السلطتين التنفيذية و التشريعية .

تصريحات الرفاعي اعتبرها الكثير على أنه أمر إيجابي من باب النقد الذاتي ، وهي رسالة استند فيها إلى تصريحات الملك ” أن لا تراجع عن الحزبية ” وهذا يعني ، وجوب عدم الوقوف عند المحطة الأولى و نتائجها بل يجب الاستعداد و الانطلاقة تجاه مرحلة لا تراجع فيها للوراء بل نحو مزيد من الخطوات للامام و الاجتهاد بشكل أكبر و الالمام بصورة أفضل بنقاط و مواضع الضعف و معالجتها و مفاصل القوة و دعمها ، للوصول إلى نماذج أكثر نضجا و عكسا لصلب حقيقية الحزبية السياسية البرامجية و نشاطها على الساحة الأردنية ، و معرفة ماهو المطلوب لدى المواطن لترسيخ فكرتها في ذهنه و ما تقدمه من حل و بالارقام.
الحل الذي ينتظره المواطن الأردني للتعامل مع فاتورة الكهرباء ، و ربطة رغيف الخبر ، و حملة الكاز والكساء في الشتاء ، و فاتورة العلاج و الشفاء ، و رسوم و جودة التعليم العالي و الاساسي و مساقات التعليم المهنية و الأكاديمية بما يتناسب مع فرص العمل و إنهاء ملف البطالة و جذب الاستثمارات و غيره من الملفات.

هذا و بعيدا عن مصطلحات المخالفات و العراقيل و الاتهامات لمن صنعها داخل الأحزاب التي أوجبت هذا النقد ، وجب على هؤلاء تغير الادوات ، و التخلص من سمات الذهنية و العقلية التقليدية ، حيث لن تغادر الأحزاب محاورها مادامت تستخدم ذات النمطية ، والوصول بقناعة إلى حاجة الاتجاه نحو البرامجية و البناء عليها كأساس في ممارسة الحزبية مولاة و معارضة للمشاريع و إخراجها من إطار التنظير الورقي إلى الاشتباك الفعلي مع الواقع الشعبي و مطالبه .
لن تغادر الأحزاب نمطيتها و مطيتها لهياكلها التنظيمية و أفكارها الايديولوجية و العقائدية ما لم تفك الحصار الذي فرضته على نفسها جراء بقاء فكر أسير الماضي و حضور هيكل في الحاضر ، و عدم الانسجام ما بين ما تقدمه من جوهر و ما ترسمه من مظهر ، و ظهر الأمر جليا واضحا في شكل قصور الأداء و ضعف الطرح و عدم القدرة على الإقناع و كسب التأييد للبرنامج أو فكر الحزب و العزوف عن المشاركة .

الحياة السياسية الحزبية مشروع يشكل مستقبل الاردن السياسي القادم و قالها الرفاعي ( أن الاردن اختار المستقبل بأدوات المستقبل) لكن بحاجة إلى إعادة النظر في نخبه وليس المطالبة في تغيره أو إسقاطه. الموضوع اليوم توضيح الحد الفاصل بين الفكر السياسي الحزبي البرامجي و الفكر الجهوي السلطوي الفردي و الفصل بينهما ، و هو أيضا قدرتك في بناء القيادة التشاركية و ملء مساحتك و توفير المناخ حيث ينمو فيها فكرك و يظهر و يسطع لونك الحزبي البرامجي فوق المسطرة الحزبية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، مع مراعاة اننا في زمن و مرحلة التحديث التي اذابت بياض جمود اليسار رغم حمرة رموزه ، و منحته من السيولة والمرونة بأن يتجه نحو الوسط ليظهر أكثر واقعية بعيدا عن الخطابات الحماسية و العدمية و الانفصال عن الواقعية ، لكن لم يستطع البعض الخروج من إطاره و مازال يظن أنه قلب الاسد الفرد الصمد يطوف حول فلك شخصيته الرمزية زمرة تبحث عن بعض المكاسب الشخصية و السيطرة المركزية و تبادل الأدوار في لعبة الاحجار .
بالانتقال إلى اليمين هذه المرحلة بعثت رسالة تطالبه خفض لهيب جمرة خطابه الديني السياسي الذي أوشكت أن تنطفأ ، بعدما أصبح الكل على دراية بأن هذا الخطاب هو اداته و وسيلته الوحيدة في كسب الشارع وتأييده له للحفاظ على مساحته و شعبيته و عدد مقاعده التي تتراوح بين الصعود و الهبوط حسب بورصة الأحداث و حجم استثماره فيها و حساب عوائدها عليه و خاصة في صناعة الوعي و السيطرة بحيث لا مكان لقبول الرأي الآخر أو الحوار معه ، و تحت طائلة الاتهام .


الوسط المحافظ أضاع كل الثوابت التي كانت تمثلها رمزية و هيبة الدولة الأردنية ، اضاعها عندما أركن و استكان و شعر بأن حوزته شهادة الائتمان الرابحة لكسب الرهان في السباق الانتخابي النيابي ، و مارس كل المخالفات (التي حذرت منها المؤسسات الرقابية المعنية و تأثيرها على العملية الانتخابية و رصدتها) بالاعتماد على أنه صاحب الحظ الأوفر في الارث و الحصة الأكبر في الورث ، و كان تركيزه كله على مظاهر الجاه و كشرة الجباه ، و جذور سلطته و ثقته بحظوته ، و أن الوصاية على عناصر الموالاة و الوطنية و مكاسبها منحصرة داخل صفاته و مواصفاته فقط ، ومن يشاركه المظاهر إياها ، و جاءت النتائج بأن كان صاحب النصيب الأوفر في حصاد الانتقاد .

الانتخابات النيابية حصدت شهادة الجودة الايزو 9001 للدولة الأردنية في النزاهة والشفافية.
و ما نراه من تبادل اللوم و ابتكار الأعذار لن يجدي ، و خاصة أن الأرقام عكست أداء الأحزاب و تأثيرها و مدى نضجها و قدرتها في تطويع مطالبين الناس لأرقام تحل المعادلة المستعصية لمشاكلهم ، اليوم المجال متاح لمن يريد أن ينخرط بشكل حقيقي في الحياة السياسية و تشكيل الأحزاب الأردنية و فق شروط و تعليمات ليس صعبة ، الاهم الابتعاد عن الإقصاء و الانتهازية و الأحادية و الأنانية و التأكبد على تكريس القيادة التشاركية و التعبير و البوح عن المسكوت عنه لدى المواطن الأردني بشكل فعلي و منطقي من مطالب حياتية تتعلق بحقوقه المعيشية ، عبر صياغة منظومة متكاملة من الخطوات هي برنامج يؤدي إلى حل المشكلات ، دون الاكتفاء بدور اصدار البيانات و إقامة الندوات داخل غرف الاجتماعات .
نمتلك من الكفاءات القادرة على صناعة نماذج حزبية عملية برامجية بإمكانها أن تحقق حالة سياسية اردنية تؤكد على قدرة التجديد للديمقراطية الأردنية في ملكيتها الرابعة الحالية و الخامسة مستقبلا تحت راية القيادة الهاشمية الحكيمة.

شاركها.
Exit mobile version