نخبة بوست – علي حافظ

بمنصب وزاري من خارج الحكومة، وبتفويض كامل بإصلاحها تنتهي صلاحيته في الرابع من يوليو /تموز 2026 بالتزامن مع ذكرى الاستقلال الـ250 أي: بعد عامين ونصف، كافأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صديقه الملياردير إيلون ماسك على دعمه، خلال الحملة الانتخابية الأشرس، التي انتهت بفوزه بولاية جديدة.

تسمى الوظيفة المستحدثة -التي يشترك فيها أغنى رجل في العالم مع ملياردير آخر يدعى فيفيك راماسوامي- “دائرة الكفاءة الحكومية” “دوج” (DOGE). والهدف منها- حسب بيان لترامب نفسه- إحداث “تغيير جذري” في المؤسسات الحكومية وتمهيد الطريق “لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص اللوائح الزائدة، وخفض النفقات الباهظة، وإعادة هيكلة الوكالات الفدرالية”.

إيلون ماسك.. مهمة مستحيلة وشبهة" تضارب مصالح"

ويتلخص العمل المباشر للوزارة الجديدة بتقديم “المشورة والتوجيه من خارج الحكومة”، والتعاون “مع البيت الأبيض ومكتب الميزانية لتقديم توصيات لإصلاح العمليات الفدرالية”. أما المردود المتوقع من العمل الاستشاري هذا فيتلخص -حسب ترامب أيضا- في” القضاء على الهدر الهائل والاحتيال الموجود في إنفاق الحكومة السنوي البالغ 6.5 تريليونات دولار.

ما مدى واقعية رهانات ترامب على الملياردير المولود عام 1971 في جنوب أفريقيا؟ وهل سيقتصر نطاق عمله على الأبعاد التنظيمية للعمل الحكومي؟ وما مدى تجذر ولاء ماسك لسياسات اليمين المحافظ -وهو المعروف بحداثة ولائه لهم-؟ وهل هنالك شبهة تضارب مصالح في وظيفة ماسك الجديدة؟
لم يكن إيلون ماسك الحاصل على الجنسية الأميركية عام 2002- بطبيعة الحال-  نكرة بالنسبة لترامب تاجر العقارات العالمي المعروف.  فاسم الرجل مرتبط بـ3 علامات تجارية من بين الأكبر والأشهر في العالم، هي شركة تسلا للسيارات الكهربائية، وشركة تقنيات استكشاف الفضاء المعروفة تجاريا بـ سبيس إكس” (SpaceX)، إضافة إلى موقع “إكس” (تويتر- سابقا). أما ترامب المهتم بالتخلص من إرث الإدارة الديمقراطية فيبحث عن شخصية تصلح لإدارة مشروع أشبه بمنهاتن العصر الحالي . وهي إشارة إلى المشروع العلمي العسكري السري الذي بدأ في عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية وانتهى بتطوير أول قنبلة نووية في العالم.

وقد ذهب حماس ترامب لماسك وإعجابه بأهليته للمشروع الجديد، حد الاعتراف في خطاب الفوز بأنه “عبقري خارق”. وقد باتت علاقة الرجلين من الحميمية لدرجة الاستضافة في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا الذي كان مقر إقامة ترامب، في الأسابيع التي تلت فوزه بالرئاسة. ليصبح ماسك بعد تكرار اللقاءات، أحد أفراد عائلة ترامب الكبيرة، التي ضمت أيضا بولس مسعد نسيب ترامب الجديد اللبناني الأصل، وممثله الشخصي في الشرق الأوسط.

أما نطاق عمل ماسك فبدا واضحا -منذ الأيام الأولى لانتخاب ترامب- أنه لن يقتصر على الوظيفة الإدارية الجديدة. فقد أفيد في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عن لقائه سرا مندوب إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني سعيا إلى “تخفيف التوتر” بين طهران وواشنطن، وأثار الانتباه أن إدارة ترامب الناشئة لم تنفه، في حين نفته إيران بشكل قطعي. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول  تحدّث الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مع ماسك، سعيا لإبقاء المفاوضات المتعثرة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة على جدول أعمال إدارة ترامب المقبلة. وثمة حديث عن احتمال استعانة ترامب بماسك في تخفيف التوتر مع الصين، وربما التقارب إذا رأى ترامب ذلك، علما بأن شركة “تسلا” تمتلك مصنعا في شنغهاي، يعد الأكبر ضمن شبكة مصانع الشركة العالمية.

ويتمتع ماسك -وفق صحيفة “فايننشال تايمز”- البريطانية بعلاقات قوية مع القيادة الصينية، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ مرتين على الأقل. كما تمكّن من إقناع قادة الحزب الشيوعي الصيني بالسماح لشركته بامتلاك أعمالها بالكامل في الصين، وهو استثناء لم يسبق له مثيل في صناعة السيارات.

لكن الأمر ليس ورديا تماما فيما يتصل بدور ماسك المستقبلي، في العلاقات الخارجية لإدارة ترامب، فقد دخل في خلافات مع الاتحاد الأوروبي والبرازيل وبريطانيا، حيث وصف ماسك مؤخرا بريطانيا بأنها “دولة بوليسية استبدادية”، ودعم عريضة تدعو إلى انتخابات عامة جديدة فيها.

توتر

وفيما يتصل بدوره الداخلي المتصل بوظيفته المقبلة، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة توترا لافتا بين ماسك و بوريس إبشتاين مستشار ترامب حسب موقع إكسيوس الذي كشف عن خلافات بينهما، حول تعيينات رئيسية في الإدارة المقبلة، وتنافس حول النفوذ والتأثير في قرارات البيت الأبيض. ووفقا لإكسيوس فإن العلاقة الودية بين ماسك وترامب لا تحظى بالترحيب داخل الأوساط المحافظة الموالية للأخير، وحسب مجلة “نيوزويك” فإن ماسك سيواجه تحديا كبيرا لتوفيق رؤيته الاقتصادية النيوليبرالية مع السياسات الحمائية التي يدعمها ترامب.

بموازاة الخلافات المحتملة على الرؤى الاقتصادية، أثار ماسك غضب موظفين في الوكالات الفدرالية نتيجة سخريته منهم، حيث  أعاد نشر منشورين على منصة إكس يكشفان عن أسماء ومناصب موظفات يشغلن 4 مناصب حكومية غامضة نسبيًا تتعلق بالمناخ، وتمت مشاهدة كل منشور عشرات ملايين المرات، وقامت واحدة على الأقل من الموظفات المذكورات بعد ذلك بحذف حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت شبكة “سي إن إن” إن التهديد بالوقوع في مرمى نيران ماسك قد يدفع الموظفين إلى ترك وظائفهم، ونقلت الشبكة عن إيفرت كيلي، رئيس الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة، الذي يمثل أكثر من 800 ألف من 2.3 مليون موظف قوله إن “هذه التكتيكات تهدف إلى بث الرعب والخوف بين الموظفين وجعلهم خائفين من التحدث، وهذا ليس سلوكا جديدا بالنسبة لماسك، الذي غالبا ما ينتقد الأفراد الذين يزعم أنهم ارتكبوا أخطاء أو يقفون في طريقه”.

الإقطاع التكنولوجي

المؤكد أن سلوكيات ماسك وأهدافه البعيدة ليست غائبة عن المحللين. فقد تعرض يانيس فاروفاكيس وزير الاقتصاد اليوناني السابق ومؤلف كتاب “الإقطاع التكنولوجي- مقتل الرأسمالية” إلى ما يميز ماسك عن نظرائه من مليارديرات شركات التكنولوجيا، بأنه يختلف عنهم في أمرين”، أولهما: أنه نرجسي ومصاب بجنون العظمة، وغالبًا ما لا تستند قراراته إلى مصالح مادية واضحة. وثانيهما، أن سيطرته على رأس المال السحابي ضعيفة نسبيا”.

أما فيونا هيل التي شغلت منصب كبيرة مديري قسم الشؤون الأوروبية والروسية في البيت الأبيض خلال إدارة ترامب السابقة وعملت مستشارة في شؤون الدفاع للحكومة البريطانية، فتنقل عنها صحيفة إندبندت” البريطانية قولها “إنها قصة عن استيلاء الأوليغارشية على الولايات المتحدة، إذا نجح أشخاص مثل ماسك في إعادة انتخاب ترامب، سيتوقعون الحصول على كافة أنواع الهدايا التنظيمية والمرتبطة بالقوانين لمصلحتهم. إنه في وضعية تسمح له بالسيطرة على العقود الحكومية، وربما الحصول على منصب حكومي، كما أن كثيرا من الجيوش في جميع أنحاء العالم تعتمد على أنظمته، وليس آخرها أوكرانيا”.

ومع تحقق توقعات ماسك بشأن المنصب الحكومي بعد تمويله لحملة ترامب الانتخابية بنحو 259 مليون دولار، استعادت السرديات التي تناولت سيرته، سجله السابق في تأييد الديمقراطية لتقديم الدليل على انتهازيته وبراغماتيه المؤكدة. فمعروف أنه كان يصوت بانتظام للديمقراطيين منذ نيله الجنسية الأميركية عام 2002. وأنه كان مقربا من الرئيس الأسبق باراك أوباما والتقى به عدة مرات، وفي عام 2023 انقلب عليهم وأعلن أنه لن يصوت لجو بايدن مرة أخرى.

كراهية

وإلى ذلك كان ماسك يُكن شعورا بعدم ارتياح (إن لم تكن كراهية واضحة) لترامب إلى ما قبل أقل من عامين. وهو ما عبر عنه في تغريدة على منصة تويتر(التي استحوذ عليها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 وحولها إلى” إكس”) قائلا: “لا أكره الرجل، لكن حان الوقت لترامب لكي يرتدي قبعته ويبحر مع شمس الغروب”. حدث ذلك في شهر يوليو/تموز من العام ذاته، حين دعا المنتمين للحزب الديمقراطي إلى التوقف عن مهاجمة ترامب، لأن هجومهم عليه وجعله مثيرا للجدل “هو ما يجعله يستعيد القدرة على البقاء في دائرة الضوء”. ولم يتردد ماسك في التعريض بترامب الذي رأى أنه أكبر سنّا من أن يصلح رئيسا لمجلس إدارة أي شركة! فضلا عن أن يكون رئيسا للولايات المتحدة.

لكن هذا الحال انقلب في عام 2023 إلى ضده مع وقوفه في صف ترامب والجمهوريين. لتنتهي مسيرة ترامب – ماسك المشتركة بفوز رئاسي عام 2024 لا تشوبه شائبة. فهل تحققت توقعات فيونا هيل حيال قرب حصول ماسك على “الهدايا التنظيمية والقوانين المرتبطة بها”؟

تقول إحصاءات وكالة بلومبيرغ  في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري إن ثروة ماسك وصلت إلى 439 مليار دولار بعد بيعه أسهم شركة “سبيس إكس” وارتفاع أسهم “تسلا” مما يجعله أغنى رجل على وجه الأرض. وتضيف أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الأول الماضي “ساهم” في هذا النمو.

أما بالنسبة “للهدايا التنظيمية المنتظرة والقوانين” المرتبطة بها فتنقل وكالة أسوشيتد برس عن خبراء أميركيين تحذيرهم في تقرير نشر في 15نوفمبر/تشرين الثاني من أن تولي ماسك لمنصبه الجديد “قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات حكومية تُفيد مصالحه التجارية بشكل مباشر”، وتضيف أن بعضهم “يُطالب بضرورة فرض تدابير للحد من تضارب المصالح، مثل إلزامه بالتنازل عن مصالحه التجارية، أو استبعاده من القرارات ذات الصلة”.

المصدر : الجزيرة
شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version