نخبة بوست – مناصرة نظام الأسد قامت تاريخيا على عاملين اثنين، أولهما خطابه المعادي للمشروع الصهيوني، وثانيهما عداؤه التاريخي للإسلام السياسي وتحديدا لفكر الإخوان المسلمين. في نطاق العامل الأول، قاد النظام مشروع الممانعة في مواجهة أي تطبيع مع العدو الصهيوني، وأنشأ جبهة الصمود والتصدي، وجلب إيران وروسيا للمنطقة، كما حافظ على جبهة باردة مع إسرائيل منذ اتفاقية الهدنة بين النظام وإسرائيل عام 1974!. في هذا النطاق، كسب تيار داعمي القضية الفلسطينية وأيضا من يعادي أميركا وما تمثله في المنطقة.
في نطاق العامل الثاني؛ وهو العداء مع الإسلام السياسي، كسب النظام دعم اليسار العربي والقوى «الثورية والتقدمية» العربية وتيار عريض من غير المسلمين في المنطقة التي كانت تتمسك بالنظام، ليس بالضرورة حبا به، بل توجسا من الإسلام السياسي، خاصة في نسخته الداعشية وغيرها من منظمات الإسلام السياسي المتطرف!
موضعة النظام لنفسه ولسورية في مواجهة أميركا ومن وراءها جعل رأس النظام مطلوبا أميركيا وإسرائيليا وعلى وجه الخصوص رأس سورية وجيشها أكثر من النظام نفسه، حتى أن البعض يسرب أن نتنياهو لم يكن سعيدا بسقوط بشار، ولهذا سارع إلى الإجهاز على كل مُقدرات الجيش السوري، واحتل الجولان وجبل الشيخ كردة فعل على سقوط حليف غير مباشر في دمشق، على ذمته هذه التسريبات.
في كل الأحوال، لم يكن النظام السوري مختلفا عن الأنظمة العربية، فإن سورية أحد مفردات معاهدة سايس بيكو. وإن النظام -كبقية الأنظمة العربية- حافظ على نفسه بتحالفات مع قوى أجنبية، وفشل مع بقية الأنظمة العربية في خلق حالة وحدوية عربية تغني عن الخضوع لمصالح القوى الأجنبية وتبعد الأنظمة عن التبعية للأنظمة والمصالح والمطامع الأجنبية من الشرق والغرب. وأكثر من ذلك، فإنه فشل في خلق حالة وحدوية مع شقيقيه في الأيديولوجيا حزب البعث العراقي.
اشتهر النظام السوري بفساد عائلي متجذر وطابع فئوي يهيمن على قيادات الجيش والأجهزة الأمنية. وعند سقوطه، تبين أن القبضة الحديدية واستباحة حقوق المواطنين وكراماتهم أضعفت جذوره حتى بين مؤيديه. هذا المشهد يذكرنا بنظام بن علي في تونس، الذي سقط بطريقة مشابهة عبر هروب مفاجئ لرأس النظام.
رأس سورية مطلوب قبل النظام وبغض النظر عن طبيعية النظام الموجود في دمشق، ولكن في جميع الظروف فإن علينا احترام إرادة الشعب السوري وخياراته، ومع تأكيدنا بأن تحرير فلسطين أو أي تراب عربي محتل لا يبرر الدكتاتورية وظلم الناس والتفريط بحقوق المواطن.
ومع ذلك فلا يمكن الجزم بأن سورية وحتى لو كانت دولة مدنية تمنح جميع حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المثليين، كانت ستنجوا من مخطط استهدافها من المشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة، فإن الحرب على سورية هي واحدة من سبع حروب قررت أميركا خوضها بعد أحداث البرجين لتعزيز وجود إسرائيل ووجودها في المنطقة. نفذت ستة منها (العراق، اليمن، السودان، ليبيا، الصومال، وسورية)، وبقيت الأخيرة في إيران.
منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الآن اختلف النخب والمثقفون العرب حول النصوص، ودخل من هذه الخلافات اللصوص، وخاصة اللص الأكبر وهو المشروع الصهيوني. ولهذا فيجب الا نغفل أن دول المنطقة كلها، وأهمها دول الهلال الخصيب والعراق، هي ساحة مشروع إمبريالي صهيوني، وأن الأنظمة التي تسقط والأنظمة التي ستستحضر تظل رهينة لهذا المشروع وخططه وهيمنته.
حرية المواطنين العرب وحرية الأنظمة العربية مرهونة بمشروع عربي وحدوي قائم على وحدة المصالح واحترام حقوق الإنسان في دول عصرية ديمقراطية تقوم على المواطنة باعتبارها العلاقة القانونية الوحيدة التي تنظم علاقة الفرد بالدولة والمجتمع بغض النظر عن دينه وعرقه وجنسه. بغير ذلك، فإن كل الدول والشعوب العربية مهددة، وكل الهويات العربية ذاهبة إلى هويات قاتلة طائفية. اللهم بلغت جنابكم.