نخبة بوست – هل هو عنوان خارجي أم داخلي؟
ما مدى ملاءمته للواقع الأردني السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
ما هي دلالة مصطلح (الجامعة) إن كان العنوان أردنيًا خالصًا، وإن كان ذا صلة بملفات دولية وإقليمية؟ وما هي التغيرات الجيوسياسية والديمغرافية المرتبطة به على ضوء تطورات الأحداث في دول الجوار المحيطة بالأردن؟
أسئلة نقاشية بحاجة إلى إجابة لأهمية طرح هكذا ملفات وطنية ومفصلية تشكل منعطفًا هامًا ومصيريًا بالنسبة لمستقبل الدولة الأردنية. تحتاج هذه الأسئلة إلى المصارحة والمكاشفة بكل شفافية، وشرح الحيثيات والأبعاد، وتلخيص الموضوع وتقديمه للجمهور، وإيضاح الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإيجابية أو السلبية إن وجدت، وما نفعها للمصلحة الوطنية العليا الأردنية لأجل حسم الجدلية حول عنوان (الهوية الوطنية الأردنية الجامعة).
الهوية التي نشأت على قواعد وأسس قومية عروبية، وليس ضمن النطاق الضيق القطري، لكن اتساع حالة الفرقة والانقسام والتشظي فرضت وأجبرت مراكز القرار على ضرورة إعادة تعريف الهوية الوطنية الأردنية والدعوة إلى الرجوع ومراجعة الأساسات والمرتكزات البنيوية السياسية والجغرافية والديمغرافية الحقيقية، القادرة على بناء روح المواطنة الصلبة الفاعلة المشاركة، المولدة لمشاعر الانتماء للأرض والدولة، والإخلاص في العمل والإنجاز وتحقيق مستويات النماء، وبث روح التحدي والتحول نحو الإنتاج والتفاؤل والارتجال، ونبذ الاتكال والإحساس بالإحباط والانفعال السلبي والاستسلام لما هو قادم من مستقبل يصفه تيار سياسي خاضع لفكر المنافع والمصالح المكتسبة المرتبطة بواقع الهيمنة أو السيطرة على السلطة، أو الوصاية الفئوية الدينية أو العشائرية المجتمعية، وحرصها على الحفاظ على تمثيلها سياسيًا للحالة الشعبية، تخدمها سردية دينية ميثولوجية أو أيديولوجية تخلق حالة من القلق والخوف من البدء بتطبيق أدوات تفعيل الهوية الوطنية الأردنية الجامعة وتداولها والاعتزاز بها من أقصى الأردن إلى أقصاه، بما تشترطه وتتطلبه من انصهار مكونات الديمغرافيا، والحفاظ على الموروث والعادات، ومواكبة الحداثة والمدنية، وترسيخ سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة.
الحالة الحزبية الأردنية عليها مسؤولية التوعية وتجسيد الهوية الوطنية وعكسها في ممارستها لنشاطها وبرامجها السياسية، وأن تكون مثالًا يُحتذى، ثم الخروج من عباءة الوصاية أو تبعية التنظيمات والجماعات العقائدية أو الأيديولوجية الخارجية، وبناء نموذجها الأردني الخاص الذي يلائم الثقافة السياسية الأردنية وطبيعة البيئة المجتمعية الأردنية.
الأردن منذ التأسيس ذهب تجاه الانتماء العروبي وعمقه العربي، حصيلة حضانته لتركيبة سكانية متنوعة انصهرت معًا وصارت مجتمعًا واحدًا وما زالت. هذا التنوع والانصهار وفترة الاستقرار التي تطلبها أسهما في تأخير ملامح وتأطير الهوية الوطنية الأردنية الخاصة به، وانعكس ذلك حتى في مواقفه التقدمية التي حكمها معيار إجماع الأغلبية العربية ما لم يكن هناك أي ضرر أو آثار جانبية على أمته وشعوبها. وإن كان قد خالفها في أكثر من مرة ذات يوم، بعد أن وجد أن لا مصلحة للأردن في المشاركة بتدمير أو خراب أي قطر شقيق عربي، إذ يؤمن أن أي خلاف عربي يجب حله داخل جدار البيت العربي وضمن إطار مسار الحل السياسي.
لاحقًا، اجتاحت الدول العربية المشاريع الهوياتية القطرية والانكفاء نحو الداخل تحت عناوين مشاريع محلية وإقليمية تخدم مصالحها، نتج عنها تراجع وضعف الحالة التضامنية. وهذا ما استدركه وأدركه الأردن اليوم، ودفع به إلى أن يخطو خطوات لأجل بناء هويته الأردنية التي هي عباءته وعقاله السياسي الخاص به، ولإثبات نفسه كدولة مستقلة لها مواقفها ومعادلاتها وحساباتها التي تبنيها لا على مصالح غيرها من الدول العربية الشقيقة، وفي ذات الوقت لا تسمح للغير بأن يتجاوز مصالحها ويتعداها. الغاية هي الصمود في وجه المخططات الصهيونية التوسعية الهادفة إلى تذويب الأردن وتصفية القضية الفلسطينية على حسابه.
أي تهديد خارجي للأردن يعتمد في نجاحه على مدى صلابة الوضع الداخلي، وما يتطلبه من مراجعة وتحصين ووعي لضرورة العمل على تمكين وتمتين الدولة وعناصرها، ونقل ترجمة العناوين من مرحلة التنظير إلى مرحلة التأطير والترجمة الفعلية لمصطلحات (الوحدة الوطنية، الهوية الأردنية، الجبهة الداخلية).
الحفاظ على استقرار الأردن من دعاية التهويل وإشاعة المخاوف وسياسة التضليل وفزاعة الانفجار، يحتاج مقابله والرد عليه إلى طرح عميق ووصف دقيق وواقعي للأحداث الراهنة وتداعياتها ومتطلباتها الداخلية، من مراجعة على مستوى النخب السياسية والتشريعات ومواكبة الإجراءات بما يوافق عبارة “ثوابت الموقف ومرونة السياسة”.
الإعلام عليه مسؤولية كبيرة هذه الأيام في بناء وتشكيل مشروع توعية حول الهوية الوطنية الأردنية (الجامعة)، وشرحها من وجهة نظر وطنية داخلية ودورها في فهم وتفعيل المواطنة، وعدم الخوف من طمس أو المساس بالفروع، وإسناد خيارات المسؤولية إلى الأطوع والأكفأ أردنيًا على مستوى الشخصية والبنية التحتية، لإنجاح مسارات التحديث الثلاث التي جاءت برسالة عنوانها: الدولة الأردنية حسمت خياراتها باستدارتها نحو الملفات الداخلية لإثبات الهوية الأردنية كأولوية، لأهمية دورها في تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة ومجابهة التحديات الخارجية الأمنية والاقتصادية التي يمكن تجاوزها إذا آمنا بالهوية الوطنية حقيقةً وليس سراب رؤية وهمية.