نخبة بوست – عبدالله محمد الطائي
يمكن القول إن سقوط نظام الأسد في سوريا أشعر الساسة العراقيين بخطر داهم ومحدق، وبدت التساؤلات داخليًّا وخارجيًّا تدور حول إذا ما كان العراق هو التالي، في ظل الضغوط الدولية التي يتعرض إليها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، التي تدعوه لحل الفصائل المسلحة، والذي صاحبه الواقع السياسي والأمني الجديد الذي فُرض على العراق والمنطقة بعد إسقاط نظام بشار الأسد.
تأتي زيارة، حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات العراقية والوفد المرافق له إلى قصر الشعب في دمشق للقاء أحمد الشرع، لأهداف عديدة على رأسها محاولة جس النبض واستقبال مزيد من رسائل الطمأنة لتبديد أكبر قدر من المخاوف الأمنية في محاولة للوصول إلى نقطة تفاهم مع الإدارة الجديدة.
سبق هذه الزيارة تحرك دبلوماسي عراقي على المستوى الإقليمي لإيجاد صيغة تكيف مع الاستجابة الإقليمية حيال الواقع الجديد في سوريا المثير للقلق عراقيًّا، كان إحدى تجليات ذلك الحراك إعلان رئيس الوزراء، السوداني، عودة عمل سفارة بغداد في دمشق، والتصريحات التي أدلى بها بأنه “ليس ضد التواصل مع الإدارة (الجديدة) في سوريا طالما هناك مصلحة لاستقرار سوريا والمنطقة”.
قد تجد بغداد نفسها متأخرة في اتخاذ خطوة من هذا النوع بعد الزيارات العربية والدولية إلى دمشق، رغم أن الشرع والمعارضة السورية كانت قد بعثت برسائل حسن نية قبيل سقوط النظام إلا أن تلك الرسائل لم تلقَ صداها الإيجابي في بغداد، لأسباب تتعلق بالتمسك بالعلاقة مع نظام الأسد ضمن محور المقاومة الذي تقوده إيران، وضبابية المشهد في ظل عدم وثوق بغداد بنوايا القوة المهاجمة، وقبل ذلك الخشية من طبيعة التداعيات المحتملة على الساحة العراقية، وذلك كله يندرج تحت المعضلة الاستراتيجية التي تشكلها الجغرافيا السورية بالنسبة للعراق سواء على صعيد الأنظمة السياسية تاريخيًّا أو المجموعات المسلحة تحديدًا بعد عام 2003.
على ما يبدو فإن زيارة، الشطري الذي كان قد كُلّف بمهامه في ديسمبر/كانون الأول الجاري، تأتي من واقع أمني بالدرجة الأولى وسياسي يفرض على العراق الاشتباك معه، خاصةً بعد وصول قوات موالية لهيئة تحرير الشام إلى الحدود الملاصقة بعد طرد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من معبر البوكمال – القائم والتي قد تتبعها نقاط حدودية أخرى، مما يكشف عن ضرورة عراقية لإعادة تقدير الموقف، تأخذ بعين الاعتبار بين ما فُرض من أمر واقع وبين مخاوفه والمرتبطة بعضها استراتيجيًّا بالموقف الإيراني حيال الإدارة الجديدة في سوريا.
لكن في المقابل، قد تجد بغداد نفسها اليوم أنها في غنى عن التعامل بعدائية مع الإدارة الجديدة كخطر محدق، على الأقل على المستوى الأمني، بل إن المجال مفتوح للمحاولة لاستثمار الفرصة وإيجاد أرضية عمل مشتركة يبدد قدر الإمكان المخاوف الأمنية في ظل وجود ملفات حساسة تؤثر بشكل مباشر أيضًا على حكومة دمشق الجديدة، مثل النشاط المتزايد لتنظيم الدولة “داعش” في شرق سوريا، وتحديدًا في مناطق البادية السورية المرتبطة بالحدود مع العراق.
تدرك بغداد أن ملف التنسيق الأمني قد يشكل بوابة نحو مرحلة جديدة للتعامل مع الواقع الجديد في سوريا، على غرار ما فعلته دول أخرى، إذ أن الحدود بين البلدين والممتدة إلى أكثر من 600 كيلو متر، ترتبط بمصالح حيوية لا تنحصر فقط في الجانب الأمني والعسكري بل تمتد إلى جوانب أخرى منها اقتصادية وتجارية.
لكن التساؤل الأبرز عراقيًّا في المرحلة القادمة، إذا ما كان الحراك العراقي اليوم الذي يريد أن يوصل رسالة باندماجه في الحراك الإقليمي، واللقاء الذي جرى في دمشق بتنسيق من دولة ثالثة، سيعفي النظام السياسي في بغداد من سيناريوهات يخشى وقوعها في قادم الأيام، مع إعلان رئيس الوزراء رفضه حل الحشد الشعبي وقبوله “بإملاءات خارجية”، ورفض قوى سياسية شيعية حاكمة -حتى الآن- حل الفصائل المسلحة، أو حتى إعادة هيكلة مؤسسة الحشد على الأقل.