نخبة بوست – كتب: الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عدلي قندح
قدّم الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عدلي قندح تحليلاً للدراسة الصادرة عن منتدى الاستراتيجيات الاردني اليوم الاثنين؛ تحت عنوان ” آفاق التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن وسوريا.. انطلاقة نحو التكامل العربي المشترك”.
وتالياً نص التحليل كما جاء:
تعدّ العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية ركيزة أساسية لدعم التنمية الشاملة والتكامل الاقتصادي في المنطقة. وفي هذا السياق، تأتي هذه الدراسة انطلاقة نحو التكامل العربي المشترك” لتسلّط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لتطوير العلاقات التجارية بين الأردن وسوريا، بوصفها بوابة للانتقال نحو تكامل عربي أوسع.
تهدف هذه الدراسة إلى استعراض أهم الأفكار والمخرجات التي تناولتها الدراسة، وتحليلها في إطارها العلمي والأكاديمي، مع الإشارة إلى المحددات والعوامل المؤثرة، وطرح بعض التوصيات التي يمكن أن تشكّل مرجعًا لصُنّاع القرار والمؤسسات البحثية.
أولًا: خلفية عامة وأهمية الدراسة
1. الأهمية الاستراتيجية للأردن وسوريا
• الموقع الجغرافي: يتبوأ كلٌّ من الأردن وسوريا موقعًا استراتيجيًا في قلب المشرق العربي؛ فالأردن يعدّ حلقة وصل بين دول الخليج ومصر من جهة، وسوريا ولبنان وتركيا من جهة أخرى. بينما تشكّل سوريا بوابة طبيعية للربط بين بلدان المشرق وأوروبا عبر تركيا.
• التشابك الحضاري والاقتصادي: يمتلك البلدان إرثًا تاريخيًا عريقًا وتفاعلات اجتماعية واقتصادية متجذّرة، مما يُسهم في تيسير التعاملات التجارية والتبادل الثقافي، ويعزّز فرص النمو والتكامل.
2. أهداف الدراسة
• تحليل الوضع الاقتصادي والتجاري الراهن بين الأردن وسوريا، وتشخيص المعوقات التي تواجه تطور العلاقات الثنائية.
• اقتراح خارطة طريق قابلة للتطبيق لتحقيق نقلة نوعية في مستوى التعاون، وصولًا إلى تكامل اقتصادي أوسع على المستوى العربي.
• تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية الكامنة في كلا البلدين، وإمكانية استغلالها لتحقيق منافع مشتركة.
3. أهمية الدراسة على المستوى العربي
• تمثّل العلاقة الأردنية-السورية نموذجًا مصغّرًا للعلاقات العربية-العربية؛ إذ إن نجاح التعاون الثنائي بينهما قد يفتح آفاقًا جديدة للتكامل العربي الشامل.
• تبرز أهميتها في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتي تتطلب تحركًا جماعيًا لدعم التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقرار.
ثانيًا: المنهجية والمحددات الرئيسة في الدراسة
اعتمدت الدراسة على منهجية تحليلية تناولت البيانات والإحصاءات الاقتصادية والتجارية المتاحة، إضافة إلى إجراء مقابلات واستبيانات مع ذوي الخبرة من الجانبين. وقد ركّزت على محاور رئيسة، هي:
1. تحليل البيئة الاقتصادية: عبر تقييم أداء القطاعات الإنتاجية (الزراعة، الصناعة، الخدمات) ودورها في التجارة البينية.
2. النظام التجاري والاستثماري: استعرضت الإطارين التنظيمي والتشريعي المنظّمين للتبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، متطرقةً إلى المعاهدات الثنائية والاتفاقيات الإقليمية.
3. البنية التحتية اللوجستية: تمَّ تحليل شبكات النقل والطرق والمعابر الحدودية بين الأردن وسوريا، وبيان أثرها على خفض كُلف النقل وزمن الوصول.
4. المخاطر والتحديات: تطرقت الدراسة إلى تأثيرات الأوضاع السياسية والأمنية الإقليمية، إضافة إلى تحليل المخاطر الاقتصادية والمالية.
ثالثًا: أبرز النتائج التي خلصت إليها الدراسة
1. تذبذب حجم التبادل التجاري
أظهرت الإحصاءات الرسمية أنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين قد شهد تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، وإغلاق بعض المعابر الحدودية أو صعوبة الوصول إليها.
2. الإمكانات القطاعية غير المستغلّة
• القطاع الزراعي: يمتلك الجانبان موارد زراعية مميزة، حيث يمكن تعزيز التبادل في المنتجات الزراعية الطازجة والمصنّعة، مع إمكانية إقامة مشاريع مشتركة في مجالات التصنيع الغذائي.
• القطاع الصناعي: بيّنت الدراسة وجود فرص لتبادل مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة، خصوصًا في الصناعات الدوائية والكيماوية وصناعة الألبسة.
• قطاع الخدمات: تُظهر البيانات إمكانية الاستفادة من خبرات الأردن وسوريا في قطاعات السياحة العلاجية والسياحة الدينية والثقافية، مع ضرورة تحسين البنية التحتية الداعمة.
3. ضرورة تحديث البنية التحتية
أشارت الدراسة إلى أهمية تحديث الطرق وشبكات النقل وتسهيل إجراءات العبور الحدودي وتقليل التعقيدات الجمركية، إذ تعدّ المعابر الحدودية عنق الزجاجة في أي تعاون تجاري.
4. أثر الاستقرار السياسي والأمني
أكدّت الدراسة أن أي خطط للتكامل الاقتصادي لا يمكن أن تُكتب لها الاستمرارية في ظلّ أجواء سياسية أو أمنية غير مستقرة، مما يفرض ضرورة العمل على المستوى الإقليمي والدولي لدعم الاستقرار في المنطقة.
رابعًا: المعوقات والتحديات
1. التباينات التشريعية والإجرائية
يواجه المستثمرون والمصدّرون من كلا البلدين صعوبات تتعلّق باختلاف القوانين والأنظمة، ما يؤثر سلبًا على سهولة ممارسة الأعمال.
2. النقص في المعلومات التجارية والاستثمارية
هناك ضعفٌ نسبي في توفر المعلومات التفصيلية والبيانات المحدّثة حول الفرص التجارية والاستثمارية والكوادر البشرية المؤهَّلة في كلا البلدين.
3. العوائق اللوجستية
يحتاج تطوير شبكات النقل البري والجوي والسككي إلى استثمارات كبيرة وضمانات مالية واقتصادية مستدامة.
4. التحديات السياسية والإقليمية
استمرار بعض التوترات الإقليمية قد يعرقل سلاسة تطبيق الاتفاقيات والقرارات المشتركة.
خامسًا: التوصيات والمقترحات
1. إطار عمل مشترك
• إنشاء لجنة عليا مشتركة تُعنى بتنسيق السياسات التجارية والصناعية والاستثمارية، ووضع خارطة طريق زمنية لتنفيذ المشاريع المشتركة.
• تفعيل الاتفاقيات الثنائية المتوقفة أو إعادة صياغتها بما يتناسب مع المستجدات.
2. تطوير البنية التحتية
• الاستثمار في تحديث المعابر الحدودية وتجهيزها بالوسائل التقنية الحديثة لتسريع إجراءات التخليص الجمركي وضمان انسيابية البضائع.
• تحسين شبكات النقل البرية والسككية والربط الكهربائي بين البلدين، بما يسهم في تخفيض تكاليف النقل والإنتاج.
3. تعزيز المشروعات الاستثمارية المشتركة
• تشجيع القطاع الخاص في البلدين على دخول مشاريع مشتركة، خاصةً في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة المتجددة والسياحة.
• إطلاق منصّات رقمية متخصّصة لعرض الفرص الاستثمارية وبيانات الأسواق المحلية، وإنشاء برامج تحفيزية للمستثمرين.
4. تنسيق السياسات النقدية والمالية
• دراسة إمكانية اعتماد سياسات نقدية ومالية متماثلة أو متقاربة، لتسهيل عمليات تحويل الأموال وتمويل المشروعات المشتركة.
• تعزيز التعاون بين المصارف والمؤسسات المالية في البلدين، وإيجاد آليات تمويلية ملائمة تخفّف المخاطر.
5. التوعية المجتمعية
• التوعية الإعلامية والمجتمعية حول أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية الأردنية-السورية وأثرها الإيجابي على رفاهية المجتمعات.
• تكثيف الأنشطة الثقافية والفعاليات المشتركة لتعزيز الروابط الحضارية والاجتماعية وتمكين التعاون التجاري من قاعدة شعبية متينة.
سادسًا: الخاتمة
تؤكّد دراسة “آفاق التعاون التجاري والاقتصادي بين الأردن وسوريا: انطلاقة نحو التكامل العربي المشترك” على أنّ مسار التكامل الاقتصادي العربي ينبغي أن يبدأ بخطوات ثنائية مدروسة، تتوافق مع الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية. وتُمثّل العلاقة بين الأردن وسوريا نموذجًا قابلًا للتطوير، في ظل الموارد المتاحة والتاريخ المشترك والموقع الاستراتيجي الذي يجمع البلدين. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجههما، إلّا أنّ الفرص والإمكانات الواعدة تشي بإمكانية وضع أسس متينة للتكامل الثنائي، ومن ثمّ توسيعه ليشمل نطاقًا إقليميًا أشمل، تدعمه مبادرات جماعية وقرارات سياسية واقتصادية جريئة.
إنّ بلوغ هذا الهدف يتطلّب استمرار الحوار بين القادة السياسيين ورجال الأعمال والمجتمع المدني، إضافة إلى تبنّي استراتيجيات بعيدة المدى للتعاون وتكامل الأسواق وتحديث التشريعات. ولعلّ النجاح في تطوير العلاقات الأردنية-السورية على الأصعدة كافة يمهّد الطريق نحو حلم التكامل الاقتصادي العربي الشامل، بما ينعكس إيجابًا على شعوب المنطقة وأجيالها المقبلة.