نخبة بوست – في السنوات الماضية، تحديدًا سنة 2022، مع انطلاقة مسيرة التحديث السياسي وإصدار قانون ترخيص الأحزاب، عناوين ومصطلحات عدة تكررت وانتشر صداها وتم تداولها في المقالات وفي أرجاء الصالونات والندوات واللقاءات السياسية وداخل أروقة المؤتمرات الحزبية. وتم توظيفها في تصريحات دالة على المحتوى الثقافي والمعرفي لتفاصيل الحياة السياسية الحزبية التي حسمت الدولة الأردنية القرار حولها بالذهاب وخوض تجربتها ونظم القوانين والتشريعات الناظمة لها ولأعرافها وكيفية ممارستها، وأساس هويتها.
الأمر الذي أوجد معجمًا من الجمل والعبارات الفضفاضة المبهمة المشفرة دون أي شرح أو توضيح أو تفسير على الهوامش لها، وكأنها لغة حصرية ترمز لطبقة سياسية معينة.
هذه المرحلة الحزبية أصبحت الشغل الشاغل وكل ما يجول في الخاطر من الأسئلة حولها وأهدافها ومحاورها، وعن منافعها للوطن والمواطن المتوقع أن يلمسها على شكل نمط وأسلوب جديد يطال العديد من مناحي الحياة والخدمات التي طالها التراجع والتأخر وكثرة التذمر.
الحزبية البرامجية، على سبيل المثال وليس الحصر، هي العبارة الرئيسية والمحورية التي إذا ما شرحت من ناحية سياسية وفهمت ماذا تعني لغويًا وما تحكمها من تعليمات وأنظمة قانونية وخطوات عملية وحزمة الأدوات والمشاريع والخدمات التي ينتظرها المواطن، ستشكل عاملًا مساعدًا لمواكبة التطورات. وهذا ما يبرز أهمية دور الأحزاب السياسية وكوادرها في التفاعل المباشر مع الشارع وشرح ما ستقدم عليه من خطوات واتخاذ قرارات في حال وصولها إلى إدارة السلطات التنفيذية والتشريعية.
حيث تسهم في حل الملفات المتراكمة حسب الأولوية لدى المواطن وتعيد بناء الثقة في العلاقة ما بينه وبين من هو في موقع المسؤولية. خاصة أننا اليوم نشهد حراكًا ميدانيًا لرئيس الوزراء، وهذا على سبيل المثال لعكس الجدية في العمل والإنجاز، وحتى نضحد أن هناك قرارًا سياسيًا يعطل عجلة الاقتصاد الأردني الوطني في بعض نواحيه ومجالاته ولا نريد القول في أغلبها.
ولتوضيح مصطلح البرامجية بشكل أفضل نستشهد بمقال للبروفيسور محمد الفرجات حيث طرح فيه بعض الحلول والأفكار لبعض القضايا وأضاف عليها أمثلة في التشخيص وإيجاد العلاج للعلة:
- ملف المديونية الحكومية للضمان الاجتماعي يكمن حله باستبدالها بتمكين الضمان من مشاريع حكومية تصبح أصولها وملكيتها للضمان الاجتماعي.
- خفض الضريبة غير المباشرة على المواد الأساسية ورفعها على الكمالية وبشكل تصاعدي، والفارق يتم توجيهه نحو رفع الحد الأدنى للأجور (خفض ضريبة 16٪ إلى 12٪).
- اعتماد نظام الضريبة التصاعدية على شرائح الفئات والمنشآت التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وخفض رواتب الفئات العليا.
- تقديم حزم من التسهيلات أمام المستثمرين تضمن إنجاز المعاملات وإيجاد بيئة استثمارية جاذبة.
- تعاون وزارة الحكم المحلي والشؤون البلدية والتخطيط وهيئة تشجيع الاستثمار في توجيه البلديات نحو مشاريع الطاقة المتجددة وتحويل الفرق في الخفض إلى مشاريع تفتح فرص عمل بعيدًا عن الاحتكار والمحاصصة.
- الاستثمار في مجال الاقتصاد البيئي أو الأخضر الذي يقوم على صناعة إعادة التدوير.
- مشاريع النقل العام التي تخفف من أعباء إنفاق المواطن على المواصلات، مثل إنشاء قطار سريع من الشمال للجنوب، حيث سيمنع الهجرة الداخلية ويزيد من الإنتاجية كونه حافزًا على توفير بيئة عمل مريحة أفضل أينما كان قربها أو بعدها عن السكن.
الكثير من المشاريع تخضع لبنود ومعايير الاستثمارات الاستراتيجية ولا تتقاطع مع أو تحتاج إلى تنسيق سياسي إقليمي أو دولي خارجي، فقط هي بحاجة إلى إرادة قرار لإيجاد فرص عمل تحرك حالة الرتابة والركود الاقتصادي دون التأثير على مجمل إطار الموازنة. خاصة إذا ما أشركنا القطاع الخاص فيها وتحت رقابة حصيفة مضبوطة.
مثال آخر: العدالة الاجتماعية؟
تتكرر على آذان المواطن المستمع دون معرفة تفاصيلها وأبعادها والمقصود بها، وهنا حان الأوان أن نوضحها ومسؤولية كل قطاع فيها ودوره وواجباته وحقوقه ومدى أهميتها في تعزيز مشاعر الولاء والانتماء وإنشاء بوابة الإدراك لمعنى المواطنة وأنك مواطن أردني تستحق الافتخار بها وفي ميزاتها.
التعليم، الصحة، النقل، البنية التحتية، الضمان الاجتماعي، الاتصالات والعمل وغيرها هي باقة من الخدمات التي يستحق كل مواطن الحصول عليها وعلى نفس الدرجة من المساواة وفي أي مكان من الجغرافيا داخل الوطن: بادية، قرية، حضر. خدمات تقدم دون محاباة أو تمييز ضمن الإمكانيات المتاحة للدولة والمواطن، وتقدم بأعلى سوية دون الانحياز إلى الفروقات الطبقية أو المعتقدات الدينية أو الهويات الفرعية، وتمكين المواطن وإتاحة الفرصة له بالقيام بواجباته تجاه الدولة ووطنه.
أغلبية الناس عندما تذكر العدالة الاجتماعية لا تعرف ما هي وتعتقد أنها مصطلح سياسي فلسفي فقط مرتبط بقوى التيار الديمقراطي التقدمي، ولا يعلمون أنها برنامج متكامل يوجد فيه دور حكومي يمثله القطاع العام وترجمته، ودور للقطاع الخاص كشريك معها في التنمية والنمو والازدهار لجميع الفئات الاجتماعية الاقتصادية (غنية، متوسطة، فقيرة). لكن ازدهار الطبقة الوسطى تحديدًا يمثل مؤشر تعافي وصحة الاقتصاد الوطني لأي دولة.
يحرص هذا البرنامج على دعم المشاريع الاشتراكية الإنتاجية بين العام والخاص ودعم القوة الشرائية، الأمر الذي يؤدي إلى خفض الفجوة بين الطبقات اقتصاديًا واجتماعيًا.
التضامن الاجتماعي والمشاريع التعاونية وإقامة مراكز التدريب وتأهيل الأيدي العاملة الماهرة الأردنية كلها أمثلة لما نريده أن يرسخ في ذهن المواطن.
أن الأحزاب السياسية لا تختزل وتختصر برموزها وشخصياتها، بل بالإنجازات وتقديم البرامج التي من شأنها رفع مستوى المعيشة إلى أفضل المستويات وجعل المواطن شريكًا في بناء وطنه. فالوطن حيث مسببات الحياة لا حيث أسباب الموت، وهو أمانة يحملها جيل يسلمها للجيل الذي يليه، وعليه على كل واحد منا أن يقدم ويضحي لأجل الأوطان بما يمليه ضميره عليه.