كتاب نخبة – محمد أبو رمان – في جلسةٍ حوارية ساخنة، في معهد السياسة والمجتمع، تباينت آراء الحضور وتنوعت في قراءة الاتفاق السعودي – الإيراني وتداعياته الإقليمية، والموقف الأردني المترتب عليه، وذلك في ندوة عقدها المعهد لأستاذي النظرية السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، محمد خير عيادات وحسن المومني.
برز اتجاهان في النقاشات السياسية؛ يرى الأول أنّ الأردن يفقد وزنه الإقليمي ودوره الجيواستراتيجي، وأن الماء يجري من تحته منذ عقد، وبالتالي يطالب هذا الاتجاه بإعادة قراءة المواقف الإقليمية، ومن بينها العلاقة مع إيران (إذ سحب الأردن سفيره من إيران قبل ستة أعوام تقريباً، تضامناً مع السعودية)، والعراق وسورية، ومراجعة ملف الدور الاستراتيجي للأردن، والفرص والتحدّيات ومصادر التهديد للأمن الوطني. ويرى الاتجاه الثاني، على النقيض مما سبق، أنّ الأردن في موقف مريح وأنّه لم يخسر شيئاً، لأنّه تبنّى نهج الاعتدال والابتعاد عن الاستقطابات الحادّة منذ البداية، كما أنّ حيثيات العلاقة مع إيران مختلفة عن السعودية، فلا يوجد شيء خطير حدث من وراء ظهر الأردن حتى نقلق، ولا يمانع هذا الاتجاه بأنصاف، وربما أرباع، استدارات ومراجعات، ولكن ضمن الخطوط الاستراتيجية الراهنة.
على الجهة الأخرى؛ ثمّة أمور توافق عليها الحضور تتمثل في أنّ النظام الدولي اليوم في مرحلة غير مستقرّة، بينما النظام الإقليمي في مرحلة “إعادة التشكيل” وترسيم قواعد اللعبة الجديدة، كما أنّ السعودية الجديدة اليوم باتت مختلفة كثيراً عن التي تعامل معها الأردن، خلال العقود السابقة، كما هي الحال في التعامل مع عراقٍ وسورية جديدين، ونفوذ إقليمي إيراني كبير في الجوار، وحالة من الحراك الإقليمي وإعادة تموضع تقوم به دول المنطقة عموماً، مصر مع تركيا، الإمارات والسعودية مع النظام السوري، الاتفاقيات الإبراهيمية.
وكان هنالك كذلك اتفاق واضح على أنّ محرّكات السلوك السياسي لدولٍ عديدة تختلف اليوم عما سبق، وأنّ هنالك ربطاً لأي علاقة بمصالح استراتيجية واضحة، من دون الديباجات القديمة المرتبطة بالمساعدات السخيّة تحت بند العلاقات الأخوية والشخصية، ودعم دول الصمود في مواجهة المشروع الصهيوني، فهذه الاعتبارات والأفكار تبخّرت تماماً على صعيدي الخطاب والواقع. ومعروفٌ أنّ خزينة الدولة لم تتلقّ أي مساعدات مباشرة خليجية منذ أكثر من عقد (آخر العهد منحة سعودية مرتبطة بالاستثمارات، وليست دعماً مباشراً للخزينة).
والحال كذلك شبيهة في العلاقات مع سورية والعراق، اللذين يمثلان عمقاً استراتيجياً – سياسياً وأمنياً واقتصادياً- للأردن، وهنالك مصالح اقتصادية معلّقة يمكن تحريكها بصورة أفضل فيما لو كان هنالك تحريك للمياه الراكدة مع الإيرانيين، بخاصة أنّ هنالك جولات من الحوار الأردني – الإيراني جرت في بغداد، على صعيد أمني، خلال الفترة الماضية، ولم تنته إلى المستوى السياسي، لأسباب متعدّدة، لكنها لم تعد مبرّرة اليوم، ولا منطقية في ضوء التحرّكات الراهنة في المنطقة.
في مرحلة سابقة، وصف باحثون غربيون السياسة الخارجية الأردنية (خلال مرحلة الحسين والحرب الباردة والصراع العربي – الإسرائيلي) أنّها تقوم على “دبلوماسية الموازنة”، بمعنى أنّها ترتبط بالحصول على الدعم المالي من بريطانيا ثم أميركا ومن السعودية ودول الخليج العربي، وما هو مطلوب اليوم، من وجهة نظر كاتب هذه السطور، العودة إلى المفهوم ذاته، لكن بمنظور جديد، يقوم على إدراك حجم التغيّرات الإقليمية، وضرورة أن يعيد الأردن النقاش مع الجيران (العراق وسورية) ودول الخليج على قاعدة ديبلوماسية الموازنة أيضاً، بمعنى التشبيك القوي بين المنظورات السياسية والأمنية والاقتصادية، وبناء تعريفاتٍ واضحة للمصالح الاقتصادية الأردنية وتصميم نظرية جديدة في التعامل مع “جوار مختلف”.
كيف يمكن إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأردنية وترتيب الأولويات والتفكير بديلاً عن الدعم المباشر للموازنة (كما كانت الحال سابقاً) بمشروعات إقليمية ومصالح اقتصادية مشتركة، وربط عجلة الاقتصاد الأردني بالفرص المتاحة ضمن المعادلات الجديدة، أحسب أنّ الدور الإقليمي الأردني يمكن إعادة تصميمه لتحقيق هذه الأهداف والمصالح في ظل أزمة اقتصادية داخلية خانقة.