قطاع غزة يحتاج إلى 100 مليار دولار لإعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي
نخبة بوست – وفاء صبيح
ما أن تضع الحرب أوزارها؛ حتى يبدأ الحديث بشكل دقيق عن جدول زمني محدد لإعادة إعمار قطاع غزة المنكوب والذي تركت القنابل والصواريخ الإسرائيلية الآلاف من منازله ومبانيه مدمرة بالكامل؛ في حرب يجد المتابعون أنها الأعنف والأكثر ضراوة على القطاع المنكوب منذ أكثر من عقد إن لم تكن في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي.
المؤشرات الأولية تظهر تدمير حوالي 80% من المنازل والمستشفيات والمدارس والمرافق والبنى التحتية، بما فيها أكثر مائة ألف وحدة سكنية، وتضرر جزئي لأكثر من نصف مليون وحدة سكنية لحين إعداد هذه المادة الصحفية، إضافة إلى تدمير معظم المدارس والمستشفيات والجامعات ودور العبادة من مساجد وكنائس والبنى التحتية من شبكات مياه وصرف صحي وشبكة كهرباء واتصالات وانترنت وحدائق وغيرها.
التفكير المسبق في إعادة إعمار غزة سيأخذ ابعادا كثيرة بحسب وزير الأشغال الأسبق د. محمد طالب عبيدات أبعاداً تشمل السياسة، الإقتصاد، التعليم، الصحة، البنى التحتية إضافة إلى الإسكان والإنشاءات وغيرها.
عبيدات: “الجدول الزمني لإعادة الإعمار قد يستغرق 8 سنوات”
مبينا أن صور أقمار صناعية وزيارات ميدانية مكثفة لتقدير حجم الضرر الفعلي، فالتقديرات الأولية وفق متوسط الكُلف والأسعار والمواءمة مع الجودة تشير إلى الحاجة إلى حوالي مائة مليار دولار لإعادة إعمار غزة منها حوالي 40 مليار للوحدات السكنية والباقي للبنى التحتية والشبكات والإنتعاش الإقتصادي”.
وأشار في تصريحانه الخاصة ب ( نخبة بوست) إلى أن الجدول الزمني لإعادة الإعمار قد يستغرق ما بين 5 إلى 8 سنوات، يتم من خلال إئتلاف شركات ودول منفذة ومانحة ومشرفة، وربما يحتاج الأمر لفترة أطول في حال وجود بعض التحديات والمعيقات على الأرض سواء الأمنية أو السياسية أو اللوجستية أو المادية أو حتى أي نوع من المفاوضات المستقبلية.
ونوه العبيدات أنه سيكون هناك تنافساً لا بل تزاحماً شديداً بين دول العالم كافة لإعادة إعمار غزة، وستتقاسم هذه الدول أدواراً في إدارة الأمور الإستراتيجية والتي ستتولاها الدول العظمى، كما ستعطى دول المنطقة أدواراً فنية وهندسية وتنفيذية وبعضها دوراً للدعم المالي واللوجستي وحتى السياسي، وأخرى أمنية ولمراعاة السلامة العامة.
وتوقع العبيدات أن دولاً بعينها سيناط إليها ملف إعادة الإعمار وهي: الأردن، مصر، السعودية، المغرب ودول الخليج العربي؛ بغض النظر عن الأدوار التي ستضطلع بها كل دولة، كما يجري الحديث ايضا عن خطة مشابهة لمشروع خطة مارشال التي تم تطبيقها عند انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي نأمل أن تساهم في إعادة الإعمار وإنعاش الإقتصاد.
ولكن السؤال عن من يتحمل تكلفة الدمار في غزة فإن الخبير والمحلل الاقتصادي في مجال النفط والطاقة هاشم عقل قدم مقارنة بين طلب الولايات المتحدة من روسيا إعادة إعمار أوكرانيا؛ فهل سيشمل الطلب من إسرائيل إعادة إعمار القطاع؟
عقل : “هل ستتحمل اسرائيل تكلفة الدمار الذي أحدثته بغزة؟”
وأشار عقل إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة تحتاج إلى دراسة معمقة تشمل كافة أنواع الدمار الذي ضرب البنية التحتية بالكامل ومحطات توليد الكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي والمستشفيات والمرافق العامة إضافة إلى المباني السكنية.
وقال أن التكلفة النهائية لإعادة إعمار غزة لن تتحدد تماما إلا بعد انتهاء الحرب وخروج قوات الاحتلال من القطاع، كما تحتاج عملية الإعمار إلى سنوات عديدة للانتهاء منها شريطة التزام الدول المشاركة في الجدول الزمني المحدد لتقديم المساعدات المادية والعينية ولوازم الإنشاءات اللازمة للبنية التحتية، أما إذا حدث تراجع أو تردد كما حدث سابقا فإن الفترة الزمنية للإعمار قد تصل إلى عقود.
إعادة الإعمار هي من أكثر المشاريع تعقيداً؛ بحسب المهندس عبدالله غوشة رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية الأردنية؛ إذ تختلف من الناحية الفنية والهندسية واللوجستية عن إعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية كالزلازل أو الفيضانات كما حصل في تركيا وسوريا وليبيا، كما تختلف أيضا عن مفاهيم إعادة الإعمار بعد الحروب الأهلية كما في اليمن وليبيا وسوريا والعراق، كذلك فإن الآليات المستخدمة تختلف اختلافا جوهريا عن مفهوم الإعمار الشامل بعد الحرب العالمية الثانية وفقا لمشروع مارشال.
غوشه: “إعادة الإعمار في غزة من أكثر المشاريع تعقيدا”
وأشار غوشه في تصريحات خاصة ل ( نخبة بوست ) إلى أهمية وضع خطة ونهج وطني لعمليات الإعمار على ثلاثة مستويات: أولا، المستوى المحلي ويشمل إعادة إصلاح ذاتي يقوم به سكان القطاع ؛ وثانيا المستوى الوطني والذي تقوده الجهات الرسمية والخاصة بالقطاع وتكمن صعوبة هذا المستوى بالقيود التي يضعها الكيان الصهيوني حول السماح بدخول المواد الأولية من الحديد والإسمنت إلى القطاع والتي لا تغطي سوى 10% من احتياجات القطاع؛ وثالثا، المنح والمساعدات الخارجية على المستوى الدولي والتي غالبا ما تكون مرتبطة بالحل والأفق السياسي للمرحلة المقبلة؛ منوها إلى أن الإشكالية القادمة تكمن بمخاوف من غياب النهج المؤسسي والتنسيق بين الجهات المختلفة والدول، مما قد يودي إلى تبعثر الجهود في ظل التسارع الزمني والحاجة لإيواء ما يزيد عن مليون نسمة ممن يفتقدون لكل مقومات الحياة.
التل : “حجم الدمار ونطاقه يحسب عبر تقدير تكلفة بناء كل مكون على حدا”
مشروع إعادة الإعمار يحتاج إلى سنوات لإكماله بالكامل؛ هذا ما وجده د. رعد التل رئيس قسم الإقتصاد في الجامعة الأردنية، والذي قدّر تكلفة إعادة إعمار غزة بمليارات الدولارات، وتتأثر بعوامل عديدة أهمها حجم الدمار ونطاقه إضافة إلى تكاليف إعادة بناء البنية التحتية والمرافق الأساسية.
وأضاف أن الإعمار يشمل إعادة بناء المنازل والبنية التحتية والمرافق العامة، والتي تحسب قيمها عبر تقدير التكلفة لإعادة بناء كل مكون من هذه المكونات.
الخلاصة : هل ستتحمل إسرائيل التكلفة؟
وسط هذه الآراء والتحليلات مجتمعة، فإن إعادة الإعمار ستكون ساحة حرب جديدة، ولكن الماكينة الاقتصادية هي التي ستشتعل فيها بدلا من العسكرية، وإن كانت نتائج العسكرية ستحدد من سيقطف إعادة الإعمار، أو إن كنا سنشهد تقسيما للمصالح فيها.